كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
في ظلّ فراغ تشريعي مستمرّ منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وترحيل متكرّر لمعظم الملفات التي تمسّ حياة المواطنين من قبل الحكومة الفاقدة للكثير من صلاحياتها، توافقت لجنتا حقوق الإنسان وتكنولوجيا المعلومات مع ديوان المحاسبة، على أنّ التّصدي للمخاطر الإجتماعية والمالية الناتجة عن الإنفتاح الذي توفّره التكنولوجيا الحديثة على عالم المقامرة، يمكنه أن يبدأ بسنّ القوانين الرادعة لـ»ديوك المقامرة غير الشرعية»، ولو كان ذلك عبر اقتراح قانون معجل مكرر، حاول رئيس لجنة تكنولوجيا المعلومات طوني فرنجية قبل أيام تمريره بصفة تشريع الضرورة، إلّا أنه لم ينجح.
يقول النائب طوني فرنجية إنّ الاقتراح لو أقرّ سيكون الأول الذي يوقف كلياً كل أنشطة «المقامرة أونلاين»، وذلك إلى حين صدور مراسيمها التنظيمية. أما أسبابه الموجبة كما لخّصها لـ»نداء الوطن»، فتكمن في أنّ هذه الظاهرة تتسبّب بحالات إدمان، وانتحار وتضرب المجتمع لكونها منتشرة بين جيل الشباب الذي تدفعه الحالات الاقتصادية إلى المقامرة. ويشرح فرنجية «بأنّ أوجيرو وشركات الاتصالات قادرة على وقف المواقع الإلكترونية غير الشرعية ومن بينها مواقع المقامرة، ولكن للأسف في لبنان المواقع العالمية المشهود لها متوقفة والدكاكين شغّالة». وأوضح أنّ «الإقتراح وضع بعد التواصل مع الأجهزة المعنية، ولا سيما جهاز مكافحة المقامرة، وما لمسناه من حاجة لتحصين هذا المجال بقانون». لم تقبل الهيئة العامة التي انعقدت للتمديد للمجالس البلدية في جلسة تشريعية رابعة منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية، بجملة واحدة إضافية على جدول أعمال بدا الإلتزام به أحد عناصر تأمين نصابها. وعليه لم يعر رئيس المجلس ولا النواب الذين حضروا الجلسة، آذانهم للإقتراح الذي حمله فرنجية، ولم تسعفه في جذب انتباههم، حتى مقاربته الإنسانية لقضية تسبّبت عشية انعقاد المجلس بانتحار شاب كما قال. فالجلسة لم تكن مخصّصة للبحث في تأمين المصلحة العامة كما أوحت، وإنما لإقرار التعطيل المستمر، هذا التعطيل الذي شكّل أرضية خصبة لتفشي الأسواق الموازية حتى بالنسبة لأنشطة المقامرة.
تخضع ألعاب القمار بشكل عام لوجهين من الضوابط في القانون اللبناني، وهما المنع والحصرية. فالحصرية أجازها القانون رقم 417 الصادر سنة 1954 والذي منح شركة كازينو لبنان حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار في النادي الوحيد بالمعاملتين، وأعيد تأكيد هذه الحصرية بموجب القانون 320/1994 و4171995، قبل أن يوقّع وزيرا المالية والسياحة في سنة 2008 على تعديلات جديدة على المادة 10 من العقد الموقع مع الكازينو سمح له بشكلٍ حصري، بتنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية Online. علماً أن وزيري المالية والسياحة الحاليان عادا ووقعا في آذار 2023، على ملحق تعديلي منح الكازينو جميع ألعاب القمار الحاضرة والمستقبلية سواء أكانت مصنّفة أم غير مصنّفة بأنّها ألعاب قمار.
مع أنّ ديوان المحاسبة لم ير أنّ التعديلات التي أدخلت على العقد الموقّع مع كازينو لبنان كافية لتسليطه على إدارة أنشطة المقامرة أونلاين، يحاول الكازينو منذ أكثر من عام حصر أنشطة المقامرة أونلاين بمنصة BET AREBIA التي نتجت عن تعاقده مع شركة OSS (Olive Support Systems)، وهو يعتبر حتى الآن صاحب الحق الحصري بإدارة هذا القطاع طالما أنّ الحكومة كسلطة إدارية لم تطرح أي تدبير مخالف بالإستناد إلى توصيات صدرت عن ديوان المحاسبة.
هذه التعديلات كان يفترض أن تشكل ضابطاً أساسياً لتفشي ظاهرة مواقع المقامرة غير الشرعية، وخصوصاً في ظل الإشارة المفتوحة التي تعطيها النيابة العامة لملاحقة مواقع المقامرة غير الشرعية. إلا أن العثرة كما يتبين هي في الغطاءات التي وفّرتها جهات نافذة لأصحاب المكاتب التي تتعاطى أنشطة الميسر، إلى جانب غياب العقوبات الصارمة لممارسيها، ما جعل بعض مكاتب تسيير أنشطة المقامرة أونلاين وفقاً لمصادر في لجنة التكنولوجيا مرتعاً لممارسة تبييض الأموال والتزوير والغش.
%75 في السوق السوداء
بحسب مدير عام «كازينو لبنان» رولان خوري تحتل سوق المقامرة «السوداء» نحو 75 بالمئة من حجم أنشطتها الإلكترونية، وهذا يتسبب بحجب ضرائب هذا القطاع المقدرة بملايين الدولارات عن الخزينة العامة، كاشفاً عن توجه لرفع دعاوى بتبييض الأموال وهدر المال العام على هؤلاء.
ويلفت خوري في تصريح لـ»نداء الوطن» إلى أن أنشطة المقامرة غير الشرعية ليست حديثة، وإنما تعود لنحو 15 عاماً، وتسيطر عليها جهات نافذة تستفيد أو تؤمن الغطاء لها. ويقول: «عندما حاولنا تنظيم القطاع وإخضاع جميع المواقع إلى منصة كازينو لبنان وشروطها، بدأ الهجوم علينا، فقيل أولاً إنّ الشركة التي تم التعاقد معها إسرائيلية، ولما ثبت أنّ ذلك غير صحيح، قيل إنّ التلزيم تم من دون إستدراج للعروض، ولما أظهرنا عدد الشركات التي قدمت عروضها، ذهبوا إلى اتهامنا بأنّنا لا نملك التراخيص سوى لإدارة الموقع الأرضي، ولما أبرزنا حقوق الكازينو الحصرية تذرعوا بمخالفة قانون الشراء العام في تلزيم إنشاء منصة الكازينو، ولما ثبتنا أنّ الكازينو لا يخضع لقواعد قانون الشراء العام بدأ حديث عن إغلاق كل المواقع».
يستغرب خوري بأن اقتراح فرنجية يساوي بين الشرعي وغير الشرعي، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر لم يظهر في إجتماعات لجنة تكنولوجيا المعلومات التي يرأسها. وإذا يشير إلى صعوبة إغلاق المواقع غير الشرعية لكونها تشغّل من خارج لبنان، يحذر من أن نتيجة تطبيق هذا الاقتراح فيما لو أقرّ ستكون إغلاق المواقع الشرعية التابعة للكازينو، وبالتالي إطلاق يد غير الشرعي، علماً أنّ منصة الكازينو كما يؤكد، هي الوحيدة التي تخضع للضوابط الموضوعة في صالات الكازينو الأرضية، سواء بالنسبة لإشتراط تجاوز اللاعب سن الـ21، او لناحية معرفة هوية اللاعب، ومنعه من الاستدانة.
رأي «الديوان»
عملياً يعزز غياب التشريع تفشي مواقع المقامرة غير الشرعية في العالم الإفتراضي. فالقطاع كما رأى ديوان المحاسبة في تقرير أصدره في شهر تشرين الأول من العام الماضي، بعد عرض موضوع تلزيم الميسر عبر الإنترنت عليه بناء لطلب من رئيس الحكومة، «متميز ومستقل عن القمار داخل الكازينوات، له قوانينه الخاصة، وتراخيصه المستقلة، ويعود لكل دولة الخيار في تشريعه ومنعه». وعليه خلص الديوان إلى أنه «يحتاج كخطوة أولى لتشريعه من قبل مجلس النواب، وتعداد الألعاب المسموح ممارستها منه، لأنه ممنوع بطبيعته نظراً لتعارضه مع الآداب العامة والسلوكيات المجتمعية وأحكام قانون العقوبات. ويحتاج كخطوة ثانية للتنظيم، مع إحكام الرقابة عليه وتحديد شروط إعطاء التراخيص بخصوصه والجهات المخوّلة بذلك».
وبالتالي أوصى الديوان في متن الرأي نفسه بأن «تقوم الأجهزة المختصة والإدارات المعنية من أمنية وقضائية وغيرها بوقف العمل بالمواقع غير المرخصة»، كما أوصى «بوجوب وضع الأطر القانونية والتنظيمية لقطاع القمار أونلاين، دون إبطاء، بغية حماية حقوق الدولة المالية من جهة، وحقوق كافة الأطراف من جهة أخرى، بالإضافة إلى تدارك الآثار السلبية لهذه الألعاب على المجتمع عبر وضع شروط وضوابط واضحة وصارمة».
يقر خوري في المقابل بحاجة القطاع لقوانين تنظيمية إضافية، ويشجع العودة إلى المجلس النيابي لتشريع «المقامرة أونلاين» أسوة بما فعلته دول العالم، لافتاً إلى أن «التنظيم يؤمن الحماية لأصحاب الحقوق التي تحدث عنها الديوان، وصاحب الحق في هذه الحالة هو الكازينو».