كتب منير الربيع في “المدن”:
ينقسم لبنان على أكثر من مشهد سياسي. بعض الصور الداخلية يراد لها أن تكون عناصر مؤثرة في إعادة تشكيل التحالفات أو التوازنات، أو التحضير لمرحلة جديدة. وبعض الصور الخارجية تصب أيضاً في سياق يفترض أن يكون مكملاً لهذا المشهد.
في الصورة تتقدّم باريس على غيرها من العواصم حالياً، وعلى أكثر من خطّ. منذ زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزيف عون إلى الإيليزيه، واللقاء مع الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت، انطلاقاً من الاهتمام بالوضع في الجنوب، وبالملفات السياسية والرئاسية. خصوصاً أن فرنسا تسعى إلى استباق أي حلّ في الجنوب بانتخاب رئيس للجمهورية، كي يجلس على طاولة المفاوضات.
التزام ماكرون
وفي باريس أيضاً، كانت إطلالة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي التقى بماكرون وبالمبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان. وقد أكد ماكرون أن فرنسا لا تزال ملتزمة تماماً، من خلال مبعوثها الشخصي إلى لبنان جان إيف لودريان، بإيجاد حل للأزمة التي تضعف البلاد، بالتعاون الوثيق مع المسؤولين اللبنانيين وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين. وجدد ماكرون دعوته جميع الأطراف السياسيين اللبنانيين إلى تحمل المسؤولية للخروج من المأزق الحالي. كما أكد “التزام فرنسا الكامل بدرء خطر التصعيد بسبب تصاعد التوترات على الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان، وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وتمسك فرنسا التاريخي بأمن لبنان ولبنان”.
وفي هذا السياق، أشار ماكرون إلى “استمرار دعم اليونيفيل ومشاركة فرنسا فيها”، مشدداً على أن “فرنسا ستواصل تزويد الجيش اللبناني بالدعم الذي يحتاجه لضمان استقرار لبنان”.
هناك تقاطع بين باريس وجنبلاط حول مسألة الحوار، وضرورة معالجة الأزمة الرئاسية، في محاولة لاستباق أي تطورات في الجنوب، ولإعادة تشكيل السلطة، التي من شأنها أن تسهم في تحضير أي أرضية لتسوية في الجنوب.
في هذا السياق، قد تكون هناك زيارات أخرى لعدد من المسؤولين إلى فرنسا، التي كانت قد وجهت أيضاً دعوة لرئيس مجلس النواب نبيه برّي لزيارتها، إلا أن برّي اعتبر أنه سيلبي الدعوة بعد انتخاب الرئيس.
العباءة السعودية
صورة أخرى، هي زيارة السفير السعودي إلى معراب ولقائه برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. تأتي هذه الزيارة غداة السجالات التي نتجت عن تنظيم القوات اللبنانية لمؤتمر “الـ1701″، وما قيل عن فشله، بسبب مقاطعة عدد من القوى الحليفة للقاء.
قبل توجهه إلى معراب حط السفير السعودي في بلس للقاء الرئيس فؤاد السنيورة. رمزية الصور قد تشير إلى محاولة لإعادة لملمة وضع الحلفاء. كما أن العباءة التي أهداها إلى سمير جعجع، ترمز إلى عمق التحالف، وعدم التخلي عن الحلفاء أو الأصدقاء. وإشارة إلى البقاء على الساحة، وفق صيغة لا تعني اختزال الحلفاء بجهة واحدة، إنما بغالبية القوى التي يمكن أن يكون هناك تقاطع معها. وذلك يسري على العلاقة مع كل قوى 14 آذار سابقاً، والانفتاح على قوى أخرى أيضاً. بالإضافة إلى العلاقة التاريخية والتنسيق الدائم بين المملكة والرئيس نبيه برّي ثنائياً أو من خلال الخماسية.
حسب المعلومات أيضاً، فإن جولة البخاري لن تقف عند حدود معراب، إنما تفيد المعلومات بزيارة مرتقبة سيجريها البخاري إلى كليمنصو للقاء جنبلاط أيضاً، وإهدائه عباءة. إنما الزيارة تأخرت بسبب سفر رئيس التقدمي إلى باريس. فيما السؤال الأبرز يبقى حول الجهة السنّية التي يفترض أن تهدى إليها العباءة؟
يمكن لهذه اللقاءات ان تندرج في سياق إصلاح العلاقة بين الحلفاء، بعد اختلافات كثيرة. وذلك تحضيراً لأي مسار سياسي يرتبط بالحوار أو التشاور المفترض، في سبيل إعادة التفاهم بين هذه القوى سياسياً ورئاسياً، وبما يرتبط بتعزيز التوازن السياسي. إنها تحركات لطرفين من أطراف الخماسية، التي تستعد لإعادة التحرك بعد الوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة. الأمر الذي سيعيد تعزيز الاهتمام الأميركي، انطلاقاً من مساعي المبعوث آموس هوكشتاين، بالإضافة إلى الدور المنتظر قطرياً أيضاً، بعد التفرغ من الانهماك في ملف التفاوض حول الهدنة الإنسانية ووقف اطلاق النار في غزة. خصوصاً ان هناك تنسيقاً وتناغماً أميركياً قطرياً مشتركاً لا بد له أن ينعكس أيضاً على الساحة اللبنانية.