كتبت بولا أسطيح في “الشرق الاوسط”:
تُحمِّل إسرائيل كل الموفدين الدوليين إلى لبنان شرطاً أساسياً لعودة الاستقرار إلى جنوب البلاد، يقول بإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح وخالية من المسلحين، غير أن خطوة مماثلة قد تعني حرباً طويلة المدى في ضوء تجربة الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوب لبنان عام 1982 واضطرار تل أبيب إلى الانسحاب عام 2000 بعد حرب استنزاف طويلة خاضها «حزب الله» ضد جيشها.
وبالرغم من توكيل «حزب الله» رئيس المجلس النيابي نبيه بري التفاوض باسمه مع الفرنسيين والأميركيين وغيرهم من المبعوثين الدوليين، وتأكيد بري التمسك بالقرار 1701، فإن الحزب يرفض إعلان أي موقف بخصوص الوضع في الجنوب قبل وقف إطلاق النار في غزة، حيث يبدو أنه سيبني على النتائج هناك ليقرر وضعيته في الجنوب. علماً أن مطلعين على جو الحزب يقولون لـ«الشرق الأوسط» إنه «حتى القرار 1701 قد لا يكون محسوماً العودة لتطبيقه، باعتبار أن هناك معادلات جديدة قامت بعد 7 تشرين الاول في لبنان والمنطقة»، والحزب يعدّ أنه «قادر اليوم على أن يحرر المناطق اللبنانية التي لا تزال محتلة بإطار أي تفاهم جديد، لذلك هو لن يُقدّم أي أجوبة مجانية للعدو في هذه المرحلة».
فبالرغم من أن القرار 1701، الذي أنهى حرباً استمرت 33 يوماً بين إسرائيل و«حزب الله» في عام 2006، نصّ في جزء منه على إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني (عُرفت بمنطقة جنوب الليطاني) تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات «يونيفيل»، فإن «حزب الله» حافظ بطريقة أو بأخرى على وجوده في هذه المنطقة، رداً على ما يقول إنها خروقات متواصلة تقوم بها اسرائيل للقرار الدولي، براً وبحراً وجواً.
وتنصّ الورقة الفرنسية لمعالجة الوضع في الجنوب، التي وصلت نسخة معدلة منها أخيراً إلى رئيسي الحكومة والمجلس النيابي اللبنانيين، ويتم العمل على إدخال تعديلات إضافية عليها، على تطبيق القرار 1701 وإعادة تموضع «حزب الله»، بعدما كانت تلحظ في نسخة أولية مصطلح «انسحاب» عناصر الحزب. لكن رفض الحزب المطلق لانسحاب عناصره من منطلق أنهم أبناء القرى الواقعة على الحدود مع إسرائيل، قاد إلى محاولة التوصل إلى صيغ جديدة يوافق عليها طرفا الصراع.
سحب للسلاح والمسلحين
وتقول مصادر رسمية لبنانية مطلعة على المساعي التي يقوم بها الموفد الأميركي، آموس هوكستين، لمنع تدهور الوضع جنوباً، إن «النقاط التي وضعها الأخير تلحظ العودة إلى تطبيق القرار 1701، ولا تتحدث عن انسحاب (حزب الله) من جنوب الليطاني»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القرار الدولي لا يتحدث أصلاً عن انسحاب، وإنما عن سحب المسلحين والمظاهر المسلحة».
وفي إطار بحث القوى الدولية عن حلول للأزمة على الحدود الجنوبية بعد قرار «حزب الله» فتح هذه الجبهة لمساندة ودعم غزة، أشار دبلوماسيون في «الأمم المتحدة»، في آذار الماضي، إلى وجود اقتراحات لـ«توسيع نطاق المنطقة العازلة» بين لبنان وإسرائيل، كإجراء لوقف دوامة التصعيد الحالية. وورد الكلام عن هذه الاقتراحات والمخاوف خلال جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن، حيث تم البحث عن «طريقة ما لتوسيع المنطقة العازلة بهدف حماية إسرائيل من الهجمات التي تتعرض لها من الجانب اللبناني، فتقوم القوات المسلحة اللبنانية بضبط الوضع الأمني في الجنوب، في استكمال للجهود التي تقوم بها منذ عام 2006».
وتختلف الطروحات حول المنطقة العازلة بين من يدعو إلى منطقة تبعد عن الحدود 10 أو 12 كيلومتراً، وصولاً إلى طروحات لمنطقة تمتد حتى جنوب الليطاني، أي لمسافة تصل إلى حدود 30 كيلومتراً، إذ إن ما تخشاه إسرائيل هو تكرار سيناريو «طوفان الأقصى» من جبهة لبنان، لذلك تسعى لاتخاذ كل الإجراءات التي قد تحول دون ذلك.
بالدبلوماسية أو بالقوة
ويوضح العميد المتقاعد جورج نادر أن المنطقة العازلة التي نصّ عليها القرار 1701 هي منطقة خالية من السلاح، وليس من الناس، خاصة أن مقاتلي «حزب الله» هم في نهاية المطاف أبناء القرى في جنوب وشمال الليطاني، ولن يكون منطقياً دفعهم لمغادرة قراهم، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القرار الدولي لم ينفذ أصلاً، لا من إسرائيل، ولا من الحزب».
ويشدد نادر على أن «إسرائيل تريد إقامة منطقة عازلة بالدبلوماسية أو بالقوة، وطالما أن الحزب يربط أي نقاش بانتهاء الحرب في غزة، فالمساعي الدبلوماسية فشلت، أقله حتى الساعة»، مضيفاً: «أما خيار القوة فيكون من خلال تدمير منطقة جنوب الليطاني ومنع أهلها من العودة، ولكن هذا التدمير يعني البقاء في حالة حرب دائمة، وهذا السيناريو لا يناسب إسرائيل ولا سكان المستوطنات المتاخمة لحدودها مع لبنان». ويرجح نادر ألا يقبل الحزب بالمنطقة العازلة «لأنها ستعني انسحابه إلى شمال الليطاني وسحب عناصره أبناء القرى الموجودة جنوب الخط، ما يعدّ هزيمة له ونكسة أمام الرأي العام ومناصريه، إلا إذا تم ذلك بإطار صفقة إيرانية أميركية أجبرته على ذلك».
قرار نهائي
من جهته، يتحدث أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، الدكتور هلال خشان، عن وجود «قرار إسرائيلي نهائي بإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان، وتل أبيب لا تهول حين تقول لـ(حزب الله): تنسحبون بالدبلوماسية أو نخرجكم بالقوة»، لافتاً إلى أن «حديث الورقة الفرنسية عن إعادة انتشار لعناصر (حزب الله) يعني عملياً انسحابهم، وهذا الأمر سيضعف الحزب ويحجمه، سواء انسحب مسافة 8 أو 10 أو 12 كيلومتراً، فهذا سيكون هزيمة له ولجمهوره».
ويهزأ خشان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من الطرح الذي يطالب بأن تكون هناك منطقة عازلة مماثلة من جهة إسرائيل، مؤكداً أن «الإسرائيليين لا يمكن أن يقبلوا بصيغة كهذه للحل، لأن شروط اللعبة يحددها توازن القوى، ويبدو واضحاً تماماً أنه لمصلحة إسرائيل». ويضيف: «(حزب الله) في وضع لا يُحسد عليه على الإطلاق. فالانسحاب لإقامة منطقة عازلة سينعكس سلباً عليه شعبياً وفي وضعيته في الداخل اللبناني، كما أنه إذا أصرّ على عدم التجاوب مع الجهود الدبلوماسية فسيضطر للانسحاب بالقوة، مع ترجيح خيار الاجتياح البري».