كتب منير الربيع في “المدن”:
تتعدد القراءات والتقديرات للإصرار الإسرائيلي على الدخول إلى شرق رفح. لا سيما أنه جاء بعد إعلان موافقة حركة حماس على مقترح الهدنة، الذي جرى تقديمه من قبل الوسطاء. أحد التقديرات يفيد بأن نتنياهو كان يتوقع عدم موافقة حماس، ففوجئ بذلك، وقرر التصعيد العسكري والاستعراض بالوصول إلى معبر رفح والسيطرة عليه، ورفع الإسرائيلي العلم فوقه، لتحسين شروط التفاوض.
المخطط الإسرائيلي
أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن التصعيد العسكري غايته التغطية على قبول إسرائيل باتفاق الهدنة. لا سيما أنه لن يكون هناك أي قدرة على الاستمرار في العمل العسكري البحت، بل يجب الانتقال إلى السياسة. يراهن هؤلاء على زيادة الضغوط لوقف الحرب والدخول في الصفقة.
في المقابل، تشير تقديرات أخرى إلى أن المخطط الإسرائيلي ماضٍ ومستمر، ولن يرضخ نتنياهو إلى أي ضغوط، ويتبنى سياسة فرض الأمر الواقع لإطالة أمد الحرب. بينما هناك داخل إسرائيل من يشير إلى أن تل أبيب قد وقعت في فخ أميركي، وتوجه اتهامات إلى أن موافقة أميركا على المقترح المعدّل هو رسالة قاسية لنتنياهو. في كل الأحوال، فإن الاستمرار في العملية العسكرية في رفح، أو في شرقها، وتكريس واقع عسكري جديد، هو بهدف ممارسة أقصى أنواع الضغوط على حركة حماس وتحسين الشروط الإسرائيلية، ولإيصال رسائل بأن هناك قدرة إسرائيلية على مواصلة القتال وتجزئة رفح إلى مربعات بشكل تدريجي.
الشارة الحمراء الأميركية
أمام هذه الوقائع، فإن ما جرى يؤشر إلى الدخول في مرحلة جديدة، لا بد فيها من ترقب رد الفعل الأميركي. ففي حال فرض الأميركيون على الإسرائيليين القبول بالاتفاق، سيكون ذلك مؤشراً على تغير حقيقي في الوجهة الدولية. ولن يكون نتنياهو قادراً على الاستمرار بنهجه طالما أن الموقف الأميركي جدّي. وهذا يعني أن واشنطن لن تسمح لإسرائيل بالانتقال إلى لبنان وتوسيع الجبهة. فالهدنة المراد تطبيقها في غزة يراد لها أن تطبق على مستوى المنطقة ككل، لأن الشارة الحمراء التي سترفع بوجه إسرائيل في غزة، ستُرفع أيضاً بوجهها في لبنان.
أمام هذه الوقائع، لا بد من الرهان الأساسي على تفاقم الخلاف الأميركي الإسرائيلي. لأن أي خلاف إسرائيلي أميركي ومع المجتمع الدولي، من شأنه أن يخفف من الاندفاعة الإسرائيلية. دون ذلك، فلا بد للبنان من ترقب مسار غزة. وهنا تتنوع القراءات أيضاً، بين من يرى أنه في حال كان التصعيد بهدف تكريس اتفاق بشروط جديدة، يفترض أن ينسحب ذلك على لبنان. فيما آخرون يقولون إن هناك احتمالاً بتوجّه نتنياهو إلى التصعيد مع لبنان بعد الهدنة في غزة. وجهة نظر أخرى تقول إن التصعيد مع لبنان سيكون قائماً، بغض النظر عن مصير الوضع في غزة، سواء تم الاتفاق على الهدنة أو لم يتم. ولكن بكلا الحالتين فإن توسيع المواجهة مع لبنان سيكون متأخراً.
كل هذه الوقائع تقود إلى خلاصة حول تغير طبيعة الجبهة اللبنانية. فهي التي كان يريدها حزب الله أن تبقى في إطار الإسناد والمشاغلة، إلا أنها لم تعد كذلك، بل أصبحت جبهة لها ظروفها وسياقها الخاص. إذ لن يكون بإمكان الإسرائيليين الارتضاء بالعودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول. وهذا ما ينقله الكثير من الديبلوماسيين إلى لبنان، الذين يعتبرون أن الخطر سيكون بعد معركة رفح، وأن التصعيد العسكري آت بغض النظر عن ظروفه وتوقيته وسياقاته.