أقيم مؤتمر بعنوان ” اللغة العربية وآدابها، أسس تطوير العلم والتأليف: قراءات في الواقع والرّؤى”، الثلاثاء 7 أيار 2024 في حرم جامعة سيدة اللويزة.
حضره كل من الأب بشارة الخوري، رئيس جامعة سيدة اللويزة مستضيف هذا اللقاء محاطاً بنوابه، ومساعديهم، والعمداء، والمدراء، والهيئة التعليمية والإدارية، وأسرة الجامعة، الى جانب الدكتورة ماريا بوزيد، عميدة كلية الإنسانيات في جامعة سيدة اللويزة.
استهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، من ثم كان لمدير الشؤون العامة والبروتوكول في الجامعة الأستاذ ماجد بو هدير كلمة افتتاحية قال فيها: “مؤتمركم الكريم سوف يستفيض علما، تعمقاً، وتمحّصاً بعنى اللغة العربية فما رأيكم في هذه المقدمة أن نتحاكي بلغة القلب، من قلب جامعة مريمية، تنبض في هذه الصبيحة، بقلوبكم جميعاً ممثلين لعائلة الجامعات اللبنانية، ومراكز البحوث ودور النشر، والدوائر الرسمية، والطلاب، تتحلّقون في القاعة الأحلى فيها، في دائرية تشبه القلب، أنتم تشكلون شرايينه، ونبضاته، في سابع من أيار، يتكامل مع نصر وكمال، وشهر مريمي وربيع”.
بعد مقدمة بوهدير، كانت كلمة للدكتورة ماريا بو زيد عميدة كلية العلوم الإنسانية في جامعة سيدة اللويزة قالت فيها: ” إن كلية العلوم في الجامعة أخذت على عاتقها تعزيز اللغات بمفهومها الحضاري كاداة تفاهم وتقارب بين الشعوب”.
وأضافت: ” اللغة العربية ذات أهمية كبيرة؛ إذ تعبر عن ارتباطنا العميق بالتراث والثقافة والأرض. فهي لغة تُجسد تاريخنا وهويتنا، وتعكس رسالتنا وقيمنا”.
وأكملت د. بو زيد: “بالتأكيد، تحمل اللغة العربية وزناً كبيراً خاصة في هذا العصر الممزوج بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. فالأمر يتطلب مقاربة تربوية جديدة تضع اللغة العربية في مركز الاهتمام، من خلال تطوير مناهج تعليمية مبتكرة تعزز فهمها واستخدامها في عصرنا الحديث. وهذا يتطلب تكامل الجهود بين القطاعين الحكومي والخاص، واستثماراً في تطوير التكنولوجيا التعليمية لتعزيز تعلم اللغة العربية وتوفير بيئة تعليمية تفاعلية ومحفزة”.
وختمت العميدة: ” هذه النهضة التربوية هي خشبة الخلاص للبنان في خضم الازمات التي يعيشها لبنان”.
بدوره، قال الأب بشارة الخوري رئيس جامعة سيدة اللويزة: ” أَغْلَبُ ظنّي أننا متفقون على أن لغتنا العربية في ورطة وفي مواجهة أزمات وتحديات وربما تهديدات ذات صلة بديمومتها ومستقبلها مع كل ما في الأمر من خطر على الهوية…
وهذه المسألة، في اعتقادي، تتطلب ما هو أكبر وأبعد من مؤتمرٍ، مَعَ العِلْمِ أَنَّ المقاربات التي ستطرح اليوم بحسب ما هو مدرج في برنامج مؤتمرنا، تلامس المشكلة أسباباً وحلولاً؛ غير أن الخروج من المشكلة بحاجة إلى عمل جماعي وطني شامل إذ إنَّ اللغة العربية لا تعني فرداً أو جهة أو مجموعة، بل تعني شعباً كاملاً في تاريخه وتراثه ومخزونه الثقافي كما في مستقبله وعد هوية أجياله”.
وتابع الأب الرئيس: ” البداية، تكون في المدرسة الإبتدائية قَبْلَ الثانوية وقبل الجامعة، في البيت قبل المجتمع والناس، في عدم خجل الآباء والأمهات بلغة الأجداد فلا ينهون أولادهم عن استخدامها في التعبير، مع معلمة أو إستاذ يحبون التعليم واللغة العربية ويُتقنوها، وليس في معلمة أو إستاذ التحقوا بمدرسة لأنهم لَمْ يُوَفِّقوا بعمل آخر … تكون في كتاب مُبسط لا في مجلدات وأجزاء حُشِيَتْ بما لا فائدة منه سوى تجارة الورق، في مدرسة تبين أهمية اللغة العربية وغناها وتتشدد في تعليمها. وتكون البداية في مدرسة تعمل على اكتشاف ميول تلامذتها اللغوية والأدبية وتوجههم منذ الصفوف المتوسطة، لا في مدرسة تُدرس اللغة والأدب في الصفوف الثانوية رفعاً للعتب.
وَكَمْ هو غريب أن نرى أن معظم مدارس القطاع الخاص وربما أهمها، قد أقفلت الصف الثانوي الثالث المخصص للآداب والإنسانيات… وإصلاح اللغة العربية ونهضتها تكونان أيضاً في الإعلام والإعلان، وعلى السنة خطباء هذا الزمان والمصرحين والمتشدقين بلغة لا تمت إلى العربية السليمة بصلة”.
وختم الأب الخوري: ” أرجو أن يُحقق هذا المؤتمر أهدافه ولتصل توصياته وأصداؤه إلى البعيد وبخاصة إلى مَنْ هُمْ في السلطة ومراكز القرار من حكومة وبرلمان من وزراء معنيين ونواب وقيمين على المدارس والجامعات. ولعل منبر جامعة سيدة اللويزة يبقى الصوت الصارخ في وجه الجهل واللامبالاة في زمن بات بحاجة إلى نهضة، لا بل إلى إعادة تصويب بوصلة الأولويات على جميع الأصعدة.”
ثم ألقى الفنان جهاد الأطرش قصيدة في هذه المناسبة.
تضمن هذا المؤتمر محورين:
المحور الأول: واقع تعليم اللغة العربية وآدابها، والرؤى المطروحة التي قدمته الدكتورة نهال الخوري الشمالي قائلة:” اليوم، ينبغي الوقوف عند التي ترزح هذه اللغة تحت وطأتها، بسبب منافسة اللهجات العامية وما تُنتجه من ازدواج لغوي، واللغات الأجنبية كالإنكليزية والفرنسية، أضف إليها هذا اللغوي الهجين الذي اقتحم يوميات العربي، واحتل صفحات تواصله الافتراضي.
وأضافت: ” لقد أثبتت التجارب الدولية المعاصرة، بما لا يدعو مجالا للشك، أن بداية التقدم الحقيقية للأمم، بل الوحيدة، هي التعلم. فهو يمثل الاستراتيجيات القومية الكبرى لدول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، نظرًا لما يؤديه من أدوار محسوسة في العمليات التنموية”.
أما المحور الثاني فتطرق الى واقع تأليف اللغة العربية وآدابها: تحديات وآفاق، حيث اشارت الدكتورة الشمالي الى أنّ: “الكتابة هي إحدى وسائل الاتصال اللغوي. وهي تتمتع بالخصائص والمميزات التي تجعلها تحتل مكانة عظمى بينها. ومع أن الكلمة المنطوقة أخذت تجد مكانتها اليوم عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الكلمة المكتوبة تبقى راسخة، فهي مرتبطة بالبقاء الأطول. والكتابة، إلى جانب كونها وسيلة اتصال لغوي، فهي وسيلة لحفظ اللغة والأدب، ونقل تراث الأجيال، ووسيلة لحفظ العهود والمواثيق”.
تجدر الإشارة الى أنَّه تم عرض على خشبة المسرح في قاعة عصام فارس، مهارات لغوية من قبل الطلاب، ومن اعداد د. سلمى عبد الله أستاذة مشاركة في جامعة سيدة اللويزة ومنسقة دائرة اللغة العربية فيها التي بدورها قالت: ” المسرح التعليمي يُعتبر دعامة مهمة من دعائم التربية والتعليم، لأنَّه يُثري المناهج التربوية، ويحولها من سياقها التقريري، إلى بنية جمالية ناطقة. وهو يُخرج المادة الدراسية، من المجالات الضيقة المحدودة، إلى صور متحركة شيقة، ما يجعلها أكثر حيوية وإقناعا، وأيسر فهما وترسيخا في الأذهان… فالمتعلم، عبر المسرح، هو إنسان آخر، إنسان انعتقت فيه اللغة..”
وتابعت:” إنَّ ما سنعرضه أمامكم من مشاهد مسرحية، هو تحت عنوان: مهارات لغوية على خشبة المسرح”، وقد حاولت في هذه المشاهد، أن أمسرح ثلاث مهارات لغوية. بكلام آخر، لقد سعيت إلى تعليم قواعد اللغة العربية من خلال المسرح. وهذه المقاربة يمكن اعتمادها، في عملية التعلم، كتمهيد للمهارة، أو كتمكين لها، أو حتى كشرح لها”.
في الختام كان للدكتورة مايا طوني الحاج، رئيسة قسم اللغة الإنكليزيَّة والترجمة كلمة شكر وتوصيات جاء فيها: ” تحديات لغتنا اليوم كبيرة ولا تقتصر فقط على تراجع الزخم والاندفاع لدى طلاب الجامعات لتعلّمها، ولا على طفرة الذكاء الإصطناعي التي تهدد بإقصائها عن ساحة التطوّر والحداثة، بل هي أكبر وأعمق من ذلك بكثير. إذ تبرز الحاجة الماسة إلى تضافر الجهود بين المعنيين في القطاع التربوي لتفعيل الربط بين اللغة واحتياجات المجتمع المستجدة. كما ينبغي معالجة الفوضى ومواطن الضعف والخلل في المناهج التربوية عبر دعم المعلّمين وتحسين أدائهم وكفاءتهم وتحديث أساليب التدريس وتبسيطها في ذات الوقت”.
وختمت الحاج: “إيمانًا منّا بدورِنا للاضطِلاعِ بالمسؤوليةِ الملقاةِ على عاتقنا، نودُّ إبلاغَكُم بأنَّ المبادرةَ التي أطلَقناها اليومَ، سوفَ تكونُ مرفقةً بإجراءاتٍ عمليةٍ، على غرارِ ورشِ الأعمالِ المعنيةِ بطرقِ التدريسِ المبتكرةِ للغةِ العربيةِ بالتعاونِ مع المدارسِ التي شاركَت في هذا المؤتمرِ المثمر”.