كتبت كارول سلوم في “اللواء”:
بين مجلس النواب وبكركي، تتنقَّل هبة المليار اليورو من الاتحاد الأوروبي، فيتم تشريحها بأهدافها ومقاصدها لاسيما أنها اتخذت توصيف «الرشوة» لبقاء النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية. فالبلبلة التي خلَّفتها جعلت منها الحدث الأول على الساحة المحلية، مع العلم أن هذه الساحة كانت بحاجة إلى هذه الهبة كي تقوم القيامة على ملف النازحين مرة جديدة ولا تقعد، وفي الأصل لم يهدأ بال القوى المعترضة على هذا الوجود لأنهم سعوا وراء جعل الملف أولوية خصوصاً بعد مقتل منسِّق القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان.
تحركت قضية النزوح من زاوية هذا الاغتيال واعقبتها مسألة الهبة، وفي الحالتين، لم يعد هناك إمكانية من استمرار الوضع على ما هو عليه بالنسبة إلى تبعات النزوح، فالقرارات المتعددة التي صدرت عن الحكومة باءت بالفشل بعدما اصطدمت باللاءات الاوروبية لإيجاد الحل، في حين بقي التواصل مع السلطات السورية خجولا ومقتصرا على وعود كلامية من دون وثائق. اما ترحيل السوريين غير الشرعيين فيجري بين حين وآخر والمسافة بينهما طويلة. لكن اليوم جاء ملف الهبة ليطرح الهواجس من تحويل النزوح إلى «توطين» أو ما هو أقل منه، أما مفتاح الحل فلبناني سوري غربي، والمعالجة لم تتقدم سواء بإجراءات تحمل توقيع مجلس الوزراء أو الجهات الأمنية المعنية، فمعضلة المعابر غير الشرعية على حالها والأوراق والمستندات الرسمية المطلوبة مرة تتم مراقبتها ومرة ترحّل مراقبتها، على أن جلسة مجلس النواب المخصصة للهبة والاستفسار عنها أو «تشريحها» لن تناقش ملف النازحين بالتفصيل، فلا سلطة تنفيذية للبرلمان ودوره هنا رقابي كما بات واضحاً، فأي سيناريو مرتقب؟.
وفق المعلومات المتداولة فإن ما من سيناريو محدد، فإما أن يُصدر المجلس النيابي توصية أو موقفاً، إذ أن الحكومة ممثلة برئيسها نجيب ميقاتي تُبرز ما لديها من تفاصيل، بعدما يسأل النواب ويبادر بعضهم إلى رفع السقف والى الدعوة للاحاطة بالملابسات، وفي هذا السياق ترى مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» أن هذه الجلسة هي جلسة تضاف إلى سجل جلسات الاستيضاح،إلا أنها جلسة مشروعة يتحضر فيها النواب لتوجيه شتى انواع الاستفسارات عن الهبة وغرضها الحقيقي، في حين أن فريقا نيابيا يعتبر أن الهبة قديمة، وتؤكد أن القرار حول أحقية استخدامها ليس لب المشكلة والقصة أعمق من ذلك، وتتصل بحجم النزوح، في الوقت الذي لم يعد لبنان يملك القدرة على التحمل، ملاحظة أن الإجماع على هذه الرؤية من ملف النزوح وتداعياته يتيح للمجلس النيابي بالخروج بموقف موحد.
وتشير هذه المصادر إلى أن أي سيناريو هو ملك المجلس، إنما أي توجه يصدر قد يلزم الحكومة،وليس الهدف الدخول في أي سجال أو الاغفال عن الموضوع الأساسي إلا وهو فرض الاتحاد الأوروبي على إبقاء النازحين في لبنان، وهذا محور رفض سياسي واسع، وتكرر التأكيد أن هناك من يعتبر أن هناك موازنة مرصودة من الاتحاد الأوروبي لكنها لا تصل إلى الخزينة إنما إلى جمعيات معنية، وما يناقشه المجلس هو الملف برمته بهدف تصويب البوصلة ،أما بالنسبة إلى القوى المسيحية فإن هذه الهبة لا يمكن « بلعها» كما لا يمكن الموافقة على أن تمرِّرها الحكومة بشخطة قلم، مشيرة إلى أنه متى استمر التحرك في هذا الملف على أكثر من صعيد، فإن الضغط لمعالجة الملف كما يجب يتزايد، على أن الأساس يبقى استكمال المعركة إلى النهاية، فالنفس الطويل مطلوب والسير بالاجراءات المشددة هو المنشود.
أما لقاء بكركي، فكان ضرورياً وفق المصادر نفسها التي لم تتخذ لونا واحدا، فكان الاجتماع للمعنيين من وزراء واستشاريين، وهدفه جعل الملف يدخل في مرحلة الحل، والتأكيد على ما تقرر سابقا لجهة العودة الطوعية واعتماد السبل الآيلة إلى هذه المعالجة كما يجب،والالتزام بما تقرر سابقا حيال وضع النازحين والمعابر والترحيل وغير ذلك، في حين يبقى لمجلس النواب والحكومة التقرير.
والى حين انعقاد مجلس النواب، فان اتصالات تشق طريقها تفاديا لأي اشتباك داخله أو فرز المواقف، فلا يراد لمناقشة الملف أن يتحول إلى نقطة خلاف وإبرازها إلى العلن في الوقت الذي يحتاج الملف إلى توافق كبير قبل أي أمر آخر، فهل تُرفض الهبة بالإجماع؟