كتب منير الربيع في “المدن”:
بالنظر الى تاريخ لبنان على ما يزيد عن خمسين سنة يتضح تكرار أحداث متشابهة بشكل دائم وإن بأشكال أو سياقات مختلفة. فحوى هذا المأزق هو ربط البلد بالإضطراب الدائم في الشرق الأوسط، من دون احتساب الكلفة والمخاطر. دافع هذا الربط الأول في كل مرة محاولة طائفة أخذ الغلبة لها على حساب الآخرين. هذا ما يجعل النظام السياسي اللبناني غير مستقر ومعرض دائماً للاهتزاز أو الإنهيار أو التعطل الكامل.
غلبة طائفة
اليوم، بكل بساطة ووضوح، يركن الدستور جانباً، وتتعطّل الإستحقاقات لا سيما انتخاب رئيس الجمهورية، ويُغّيب الرئيس بما يعنيه من ازاحة المسيحيين عن صياغة القرار الوطني، ومحاصرة الحكومة وتقييدها، وضمناً ازاحة الطائفة السنية عن صياغة القرار الوطني؛ وهو ما يستدعي اعتراضات لدى القوى المسيحية تتجلى في الموقف من رئاسة الجمهورية أو من مقاربة كل الملفات الأخرى التي تضع عصبة البت بالقرارات الإستراتيجية بيد الثنائي الشيعي، من الحدود والتفاوض مع القوى الدولية حول الجنوب الى رئاسة الجمهورية. هذا يؤدي بنا الى تشخيص مخيف وغير مستحب. اذ هناك طائفة، وهي الطائفة الشيعية التي ربطت لبنان بما يسمى محور المقاومة بغرض داخلي أيضاً، وهو تحصيل الغلبة على الطوائف الأخرى.
تجربة 1969
معضلة أخرى يواجهها لبنان اليوم وهي قد تكون أصعب مما حدث عام 1969، حين خرج اللاجئون الفلسطينيون من مخيماتهم ليقرروا هم مصير لبنان، ودوره وسياسته. اليوم هناك ما ينهاز المليون ونصف المليون لاجئ سوري يشكلون تقويضا ضخما للتوازنات الديمغرافية الهشة وللهوية الإجتماعية الثقافية، لهذا البلد. وهذا ما لا يفهمه بعمق الكثير من الدول، ولا سيما الدول الأوروبية. فلنتخيل أن أي بلد أوروبي قد أصبح فيه اللاجئون في فترة زمنية قصيرة ثلث عدد السكان. هذه المعضلة قد تتحول من مشكلة انسانية اقتصادية الى مشكلة أكبر سياسياً وعسكرياً وهوياتياً لجهة تعيين ما الذي بقي من لبنان، خصوصاً أن الحدود أصبحت سائبة، والإقتصاد الأسود هو الأوسع من الإقتصاد الفعلي في كل القطاعات. وليس من المعروف بأي طرق خبيثة سيستغل النظام السوري هذه المعضلة مستقبلاً. فمن الواضح أنه يبتز الجميع في ملف اللاجئين لإعادة تعويم نفسه وكسب دور سياسي، في مقابل تهجير هؤلاء الناس لتغيير التوازنات الديمغرافية في سوريا واحتفاظه بتوازن متجانس في سوريا المفيدة التي يريدها.
تجربة 1976
يعيش لبنان حروباً متناسلة لا نهاية لها، في مراحل تكون عسكرية وفي مراحل أخرى تكون سياسية. هو صراع بين التوجهات السياسية، وتعزيز الوجود والحضور لدى الطوائف والمذاهب، فتكون الصراعات أو الحروب ذات أبعاد سياسية داخلية، أو ذات أبعاد إقليمية، أو ذات أبعاد طائفية ومذهبية. منذ اتفاق العام 1969 أصبح لبنان مرتبطاً بالقضية الفلسطينية، ومنذ العام 1976 ودخول الجيش السوري الى لبنان أصبح لبنان مرتبطاً تماماً بتلازم المسار مع سوريا. حصلت قطيعة مع ذلك في العام 2005 لكن حزب الله رفض وأعاد احياء معادلة الإرتباط مع سوريا ومع فلسطين. والدليل هو ما حصل بعد سنوات من خلال الإنخراط بالحرب السورية، وحالياً المشاركة في اسناد المقاومة الفلسطينية في مواجهة الحرب على غزة.
صراع حول هوية البلد
حالياً، يعيش لبنان أسوأ أزمة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وصراع حول وجهة البلد وهويته بين من يريده قريباً من العرب والغرب، ومن يريد الإتجاه نحو الشرق. هذا الصراع تتفرع منه نزاعات سياسية في الملفات الداخلية، وخصوصاً حول انتخابات رئاسة الجمهورية، أو ردود الفعل على انهيار الواقع الأمني الإجتماعي اذ تحمل أطراف حزب الله مسؤولية كل هذه الإنهيارات، ويرفضون سيطرته على القرار السياسي، ولذلك هم يدعون إلى الإنفصال أو الفيدرالية أو اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والتي تعني جميعها، ضمناً، انفصالاً عن الدولة المركزية التي يسيطر عليها حزب الله.