IMLebanon

هل تفتح عملية رفح أبواب جهنّم؟

كتب طوني جبران في “المركزية”:

مما لا شك فيه أن العملية العسكرية في رفح التي تريثت اسرائيل في فتحها حتى الثامن من ايار الجاري على وقع مجموعة التحذيرات الدولية ولا سيما الاميركية منها قد فتحت الابواب مشرعة امام خيارين متناقضين: أولهما إنهاء فصول المواجهة. وثانيها إمكان تحولها بوابة إلى سلسلة من التطورات التي يمكن ان تنقل المواجهة المفتوحة في قطاع غزة وعلى الساحات التي تردد فيها صداها من جنوب لبنان الى ما بين مضيقي هرمز وباب المندب واليمن وسوريا والعراق وصولا الى ايران ومعها القوى التي تورطت في مسلسل الحروب على أنواعها بما فيها مهمة التصدي للضربة الايرانية في 13 نيسان الماضي التي ادخلت القوى الحليفة لاسرائيل في المعركة بشكل من الاشكال.

على هذه الخلفيات، كشفت مصادر دبلوماسية لـ”المركزية” عن مجموعة من الملاحظات التي تثير القلق ممزوجا بالغموض تجاه ما هو متوقع من تطورات في المرحلة المقبلة. وهي استندت في قراءتها السلبية الى سلسلة من المؤشرات التي دلت إليها تقارير دبلوماسية متعددة وردت من أكثر من عاصمة غربية وعربية وتلاقت على التحذير مما هو غامض يساوي بين امكان ان تكون آخر المعارك او توسيع رقعة الحرب واحتمال تمددها لاشهر عدة قد تطيح ببعض الاستحقاقات الكبرى في المنطقة والعالم.

وتأسيسا على هذه المعادلات – أضافت المصادر الدبلوماسية – أنه لا بد من التوقف عند بعض هذه الدلائل والمؤشرات المتناقضة ومنها:

– لم تخرج تل أبيب عن عباءة الرعاية الاميركية في شكل عملياتها العسكرية التي أطلقتها في رفح على أبواب دخولها مدار الانتخابات الرئاسية. فعمليات تهجير المدنيين ودفعهم إلى النزوح في ظروف مأساوية من منطقة الى اخرى عبرت عن التزامها بتمنيات الادارة الاميركية بتجنب وقوع مجازر شبيهة بتلك التي ارتكبت في مدن فلسطينية اخرى. ولكن ذلك لم يحل دون ظهورها متمردة على التحذيرات التي صدرت من واشنطن ولا سيما تلك التي لم يتردد مسؤولو البيت الابيض في الحديث عنها من خلال تسريب ردات الفعل السلبية التي عبر عنها الرئيس جو بايدن، وما حملته من عبارات الاستياء من مواقف وتصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو وخصوصا في أعقاب كل اتصال هاتفي كان يجري بينهما.

– لم يكن خافيا على احد استياء نتانياهو ووزراء حكومة الحرب من تصريحات المسؤولين الاميركيين وفي مقدمهم وزيرا الدفاع لويد اوستين و الخارجية أنتوني بلينكن وسخريتهم من التحركات الطلابية التي شهدتها الجامعات الاميركية. وقد ظهر جليا أن تل ابيب كانت على يقين ان كل هذه المظاهر لن تقدم ولن تؤخر في برامج الدعم العسكرية التي خصصت لها الادارة الاميركية العميقة عشرات المليارات من الدولارات من اموال المكلف الاميركي وخصوصا عقب الضربة الايرانية التي استفادت منها تل ابيب لتستعيد نوعا من العطف الدولي الذي كان قد تراجع لفترة محدودة أعقبت مجازرها في القطاع والتي توجتها بقتل المتطوعين الدوليين في مجالات دعم النازحين عدا عن تلك التي استهدفت المجمعات السكنية ومراكز الأونروا والمستشفيات.

– لم يشكل رفض اسرائيل تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الذي أصدر قرارا بوقف النار قبل فترة، ولا بقرارات محكمة العدل الدولية التي من المحتمل ان تأمر بوقف إطلاق النار في غزة بعد طلب جنوب أفريقيا الأخير، في إطار الدعوى التي قدمتها ضد إسرائيل حول الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، اي مفاجأة كما بالنسبة الى التهديدات التي يمكن ان تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة كبار المسؤولين الاسرائيليين فقد قدمت أكثر من نموذج لتمردها استنادا الى ما يوفره لها الفيتو الأميركي وقدرتها على استيعاب مظاهر الغضب الدولي وتجاهله الى مرحلة ما لتجاوز ما يمكن ان تقود إليه مثل هذه القرارات.

– لم يظهر ان هناك اي جبهة دعم متينة ومستدامة للمقاومة في غزة سوى الجبهة اليمنية في شكلها ومضمونها واهدافها. فالمواجهة القائمة على ساحتي العراق وسوريا “موسمية” وباتت محكومة بالمزاج الايراني الى درجة لا يرقى إليها الشك. أما الجبهة الجنوبية فقد اقتربت من مرحلة الفصل بين ما يجري فيها وما في غزة من تطورات. فعلى وقع الربط الاعلامي بين اي عملية وما يجري في غزة باتت العمليات العسكرية المتبادلة على طول الجبهة أسيرة اللعبة الجارية على جانبي الحدود بمعزل عما يجري هناك. فكلما وفق الحزب بتوجيه ضربة موجعة في شمال اسرائيل كان الرد قاسيا والعكس صحيح.

– لم يعد هناك اي شك بان جبهة “المساندة والإلهاء” لم تحل ولو للحظة دون تدمير غزة ولم تثن عن ارتكاب اي مجزرة، وما كان متوقعا ان دخل الإسرائيليون مدينة رفح بأن تتفجر قد تراجعت الى حدود الصفر بعدما بدأت مساعي الفصل بين الحربين. وقد تبين ان هذه العمليات على طول الجبهة باتت محكومة بمعادلة جديدة مرتبطة بما يمكن استثماره في الداخل اللبناني ولم تعد مرهونة بغزة سوى بموعد وقف النار لينكفىء الحزب بـ”الثنائية الشيعية” من بعده الى تحديد موقفه من الحرب والآليات المطروحة لتنفيذ القرار 1701 وانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية بعيدا من الإصرار الطبيعي والمطلوب لتجيير “أي انتصار” لصالح الفلسطينيين ودولتهم الذين دفعوا ثمنا غاليا لها في المواجهة الاخيرة يوازي حصيلة عدة حروب سابقة.

والى هذه الملاحظات، يبدو ان المراجع الديبلوماسية تنتظر ما يمكن ان يجنيه نتانياهو من “عمليات القضم” الجارية في رفح سعيا وراء نصر ولو كان محدودا سواء بالوصول الى مخبأ لمجموعة من الاسرى في المنطقة بعد معلومات تحدثت عن وجود عدد منهم في شمال ووسط المدينة وقد بوشرت العمليات العسكرية فيهما، اذ انها تصر ان آخر قتلاهم من الاسرى ليسوا من بين مصابي المرحلة السابقة وخصوصا ان احد الاسرى من حاملي الجنسية البريطانية قد قتل في ثاني أيام دخول رفح ولم تنفع رواية حماس عن اصابته قبل شهر تقريبا في تغيير مجرى البحث عن رفاق له في هذه المرحلة.

وقياسا على ما سبق من مؤشرات وقراءات متناقضة، يبدو للمصادر الدبلوماسية ان تجدد العمليات العسكرية في رفح له هدف آخر لم يعلن عنه بعد، وقد يشكل في غياب اي رد فعل كان محتملا على اكثر من جبهة مصرية كانت ام لبنانية أو عربية محطة فاصلة بين مرحلة يشكل فيها سقوط رفح آخر محطات المواجهة في معركة القطاع او أنها ستفتح “أبواب جهنم الواسعة”.