كتبت جوانا فرحات في “المركزية:”:
عشية انعقاد الجلسة النيابية العامة المقررة غدا للبحث في مسألة الهبة الأوروبية جاء كلام أمين عام حزب الله حسن نصرالله بمثابة التوصية النهائية وعلى نقيض تام من عناوين الجلسة. إذ دعا إلى فتح البحر أمام النازحين للمغادرة الجماعية إلى أوروبا، وطالب السلطات اللبنانية التنسيق مع سوريا والعمل معاً على رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن نظام بشار الأسد”.
سبق كلام نصرالله موقف للكاتب السياسي الياس الزغبي حيث كتب على صفحته “واضح جدا ومحسوم أن نظام الأسد يبتز لبنان والعرب وسائر المجتمع الدولي في قضية النازحين. من لبنان يريد تطبيعا سياسياً أشبه بالإذعان…ومع العرب والعالم يستجدي مالا ورفع العقوبات مع براءة ذمة عن كل ما اقترف …”.
فهل ” تضع الكتل السيادية غدا هذه الحقيقة الساطعة وتفكر بالسياسة الناجعة لمعالجة هذا الإبتزاز “؟. ولماذا تحول ملف النزوح السوري إلى مادة ابتزاز عشية الجلسة النيابية العامة غدا؟.
يوضح الزغبي “أن المقاربات السياسية اللبنانية لملف النزوح السوري بلغت مرحلة متقدمة جداً خصوصاً من بكركي والفاعليات المسيحية مع مرجعيات ذات وزن في الطوائف الأخرى. لكن هذه المقاربات تركز على الوجه الظاهر من هذه المعضلة والمتجسد بموقف أوروبا تحديداً والمجتمع الدولي بما فيه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين”.
ويقول لـ”المركزية”، “هذه المقاربة صحيحة وصائبة، لكنها في عرف المراقبين المتابعين بدقة ناقصة من جهة أساسية وهي موقف نظام بشار الأسد. فالقوى السياسية التي تضع يدها على هذا الجانب الجوهري من المشكلة تقتصر على بعض القوى المسيحية التي تتمتع بالشجاعة الوطنية الكافية كي تسمّي الأشياء بأسمائها وهي قوى معارضة في العمق لكل هذا الثقل السياسي والفكري الذي يضغط على المسألة اللبنانية سواء من قبل إيران عبر حزب الله أو من قبل النظام السوري نفسه. ولا يمكن لصاحب عقل سياسي وطني سليم أن يُغفِل عما يقوم به نظام الأسد على مستويات عديدة لمنع عودة النازحين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام بالشراكة مع الإيرانيين والروس”.
الموقف المفاجئ الذي سجله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ليل السبت بحسم مسألة عدم مشاركته في مؤتمر بروكسل وذلك بعد اتصال الرئيس نبيه بري ومناقشته إياه حول تمثيل لبنان بوفد يرأسة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب كان مفاجئا، لكنه يعبّر ضمناً عن رفض غياب سوريا عن المؤتمر وموقف الإتحاد الأوروبي تجاه مسالة النازحين في لبنان.
بالتوازي يشير الزغبي إلى أن “رفض النظام عودة النازحين يأخذ بعدين:الأول سياسي إبتزازي بمعنى أن بشار الأسد يستخدم هذا الملف للضغط على السلطة اللبنانية، ولو كانت محسوبة عليه بشكل أو آخر، لإخضاعها لمصالحه بما يصل إلى حد الإذعان من قبل هذه السلطة، علما أن مسؤولين لبنانيين على درجات عالية يزورون تباعاً ومنذ بضع سنوات دمشق للتنسيق معها في مسالة النزوح.
أما البعد الثاني فهو ديمغرافي لأن النظام يدرك أن غالبية النازحين من مناطقه يعارضونه بشدة ولو استدرج عدداً كبيراً منهم تحت الضغط لإعادة انتخابه كما حصل سابقا وكما سيحصل قريبا بالنسبة إلى الإنتخابات التشريعية في منطقة النظام السوري”.
ويلفت الزغبي إلى ضرورة أن “تتقاطع المواقف السياسية والروحية والدينية اللبنانية عند هذه المسألة بصورة جدية كي يتم توحيد الموقف اللبناني ليس فقط تجاه أوروبا ومفوضية اللاجئين وسائر المجتمع الدولي، بل أيضاً في مواجهة هذا الإستغلال من قبل النظام لأنه في الواقع لا يبتز اللبنانيين وحسب، إنما أيضا العرب وأوروبا وكل مرجعيات ذات وزن في مسألة العقوبات الإقتصادية خصوصا قانون قيصر ومسألة المساعدات وما سيتبعها من إعادة إعمار في المناطق السورية المهدمة”. فهل يرضح المجتمع الدولي أو يتجاوز سيف الإبتزاز؟
“لا يبدو أن نظام بشار الأسد قادر على اختراق الموقف الدولي في مسألة العقوبات، لكنه يراهن على الإنقسامات اللبنانية بحيث أن أتباعه أو على الأقل أتباع المحور الأوسع سيتصدون لأي محاولة من قبل القوى السيادية في مجلس النواب لإعطاء المشكلة بعدها السوري الحقيقي وعدم الإكتفاء بإدانة الموقف الأوروبي أو ما يسمّى بالهبة الأوروبية وغيرها من المساعدات. مشيراً إلى أن “مشكلة النزوح السوري الخطير في لبنان تتخطى مسألة المساعدات أو حتى فكرة توطين النازحين لتصل إلى عمق التغيير الديمغرافي الذي قام به الحرس الثوري الإيراني بمساعدة ومساندة من نظام بشار. وهذا المحور سيستمر في تعميق الفرز الطائفي أو المذهبي في سوريا تحت عناوين العقوبات والمساعدات والعجز المالي للنظام”.
في الموقف الذي كتبه الزغبي على صفحته يتوجه إلى النواب الذين سيشاركون في الجلسة النيابية العامة قائلا:” ضعوا أيديكم على هذه الحقيقة الساطعة وفكروا كيف تعالجون هذا الإبتزاز إن كنتم تتمتعون بالشجاعة الوطنية الكافية”. الرسالة وصلت سواء تلقفتها الكتل المشاركة في جلسة الغد أم لا ويشرح ” تتحمل القوى المعارضة السيادية مسؤولية مباشرة في طرح هذا الجانب الخطير من قضية النزوح خلال الجلسة، وعدم الإكتفاء بتحميل المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة. وفي حال طرح هذا الجانب من الأزمة من المتوقع أن تنبري قوى المحور الإيراني -السوري لمنع الوصول إلى توصية في هذا الشأن تحت ستار التوافق والإنسجام وتوحيد الموقف اللبناني .ففي عرف هؤلاء لا تكون الوحدة اللبنانية إلا بغض النظر عن المسؤولية المشتركة لنظام بشار وحزب الله في الحرب السورية التي أدت إلى نزوح أكثر من مليوني سوري إلى لبنان”.
التوصية المقرر صدورها غدا في ختام الجلسة يرجح الزغبي أن تُحمِّل الإتحاد الأوروبي والمفوضية العليا للاجئين المسؤولية، وأن يصار إلى قبول الهبة لكن تحت عنوان استحقاقات متراكمة سابقة لمعالجة قضية النازحين ودعم المؤسسات الأمنية لامتصاص الحملة على ميقاتي، وإحالة مسؤولية تنفيذ القوانين الصادرة عن وزارة الداخلية على البلديات والقائممقامين”.