كتب أحمد الايوبي في “نداء الوطن”:
مع انفجار ملف اللجوء السوري في لبنان إثر اغتيال القيادي في «القوات» باسكال سليمان، انطلقت سلسلة تحرّكات وخطوات نيابية باتجاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، ثم حضرت «هبة المليار» لتزيد النقاش سخونة لتأخذ بُعدها البرلماني من خلال الجلسة النيابية الخاصة التي جرى تحديدُها يوم الأربعاء المقبل، وذلك بالتوازي مع انطلاق حملات للأمن العام في مختلف المناطق لتطبيق القانون والقرارات الصادرة عن وزارة الداخلية، مع ملاحظة لافتة في السياسة وهي أنّ الأحزاب ذات الطابع المسيحي بدأت تتقارب بتعاونها لتنظيم الوجود السوري في مناطقها ما أدّى إلى انزياح كُتل بشرية سورية نحو المناطق السنية حيث لا يزال الموقف رمادياً والبلديات جامدة عن اتخاذ ما يلزم للبدء في تطبيق الحدّ الأدنى من التنظيم للسوريين وخاصة في الشمال.
لمواكبة ما يجري في الشمال إطّلعت «نداء الوطن» من مصدر في الأمن العام على ما يقوم به الجهاز من خطوات لتطبيق القانون بخصوص السوريين الموجودين بشكل غير شرعي، فأفاد بأنّه يسيّر دوريات من شعبة المعلومات التابعة لدائرة الأمن القومي في المديرية العامة للأمن العام في جميع المناطق اللبنانية حيث يقوم عناصر الدوريات بالتّثبُّت من إقامات السوريين الذين يديرون محلات ومؤسسات، وفي حال التأكد من عدم حيازتهم إقامات عمل فئة أولى يجري سحب مستنداتهم ومخابرة القضاء المختص وتُختَم المحلات والمؤسسات بالشمع الأحمر، وفي حال لم يقدم السوري أيّ مستند يُثبت هويته يجري توقيفه لترحيله لاحقاً، وفي حال عرض أيّ مستند، ولو كان مخالفاً لنظام الإقامة، يُعطى إيصالاً لمعالجة إقامته في المديرية العامة للأمن العام ولكن شرط أن يستحصل على إقامة وإجازة عمل فئة أولى كونه يدير محلاً.
يضيف المصدر: لا يجري ترحيل السوري الذي يدير محلاً أو مؤسسة إلا إذا لم يعرض أي مستند رسمي له، وبعد إخراج السوري المخالف من المحل يحقّ للمالك اللبناني مراجعة النيابة العامة فيحصل على إذن بإعادة فتحه شرط التعهّد بعدم تشغيل سوريين لديهم إلاّ بعد الاستحصال على إقامات وإجازات عمل فئة أولى.
عن الإجراءات الجديدة المتخذة من قبل الأمن العام لتطبيق القانون بخصوص السوريين غير الشرعيين قال المصدر: كل سوري يدخل خلسة إلى لبنان ولا يحمل أي أوراق ثبوتية يجري ترحيله فوراً. أما السوريون الذين لديهم إقامات منتهية الصلاحية فيجري إبلاغهم بضرورة تسوية أوضاعهم بشكل فوري تحت طائلة الترحيل.
ضغط كبير على الشمال: أين البلديات؟
تتعرض المديرية العامة للأمن العام لضغوطاتٍ كبيرة من ناحية كثافة النازحين السوريين القادمين من خارج الشمال باتجاه المناطق الشمالية مقارنة مع عديد وقدرة المديرية على ضبط الكثافة الكبيرة للنازحين السوريين القادمين نحو الشمال، ما يوجب على جميع البلديات الشمالية العمل بشكل فوري وجدّي والتعاون مع الأمن العام لناحية تنظيم لوائح بأسماء وأعداد النازحين السوريين الداخلين الى نطاقاتها البلدية.
يلفت المصدر في الأمن العام إلى أنّ تحرّك أعداد كبيرة من السوريين من بيروت والمتن وجبل لبنان نحو الشمال يعود لأربعة عوامل:
ــ ما تلا جريمة باسكال سليمان من تداعيات سياسية وشعبية.
ــ البيئة السنية الشمالية هي الأقرب لبيئة النازحين السوريين ولأنّ الحدود مع سوريا غير مضبوطة نسبياً ويستطيع السوري التوجّه إلى بلده والعودة ساعة يشاء.
ــ المعارك في الجنوب اللبناني والخشية من اتساع نطاق المواجهات.
ــ يتقاضى العامل السوري اليومي (العادي) عموماً في الشمال ما لا يقلّ عن 20 دولاراً يومياً وهو مبلغ كبير وهام بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا، وهذا المبلغ يقوم بإعالته وإعالة عائلته بشكل مريح. أمّا في حال ترحيل السوري إلى بلده فهو لن يستطيع أن يجني هذا المبلغ هناك وهذا ما يؤدّي إلى عودة جميع من جرى تقريباً ترحيلهم إلى الشمال.
لذلك فإنّ عدد النازحين السوريين يرتفع بشكل شبه يومي ولا قُدرة على ضبط أعدادهم ولو بشكلٍ تقريبي مما يشكل عبئاً على الساحة اللبنانية السنية الشمالية خصوصاً.
لبنانيون يغطون مخالفات السوريين
لاحظ المصدر أنّ المالكين اللبنانيين يقومون بالتغطية على السوريين الذين يديرون مؤسسات في عقاراتهم لمنافع مالية حيث يقوم عدد من اللبنانيين بتنظيم عقود إيجار وهمية لتغطية السوري المخالف، ولكن دوريات معلومات الأمن العام تتجاوز هذا الالتفاف على القانون وتقوم بختم المحل لأنّ السوري يديره فعلياً. لوحظ من خلال تنفيذ الدوريات أنّ أكثر من 80% من السوريين يحملون إقاماتٍ منتهية الصلاحية أو أنّهم ممن صدرت بحقهم قرارات للسفر أو دخلوا البلاد خلسة، و20% فقط لديهم إقامات مجاملة أو إقامات تعهُّد مسؤولية أو إقامات مسجلة لدى الأمم المتحدة.
ملاحظة أخرى هامة هي أنّ الحالة المادية للسوريين الذين يديرون محلات ومؤسسات هي أكثر من جيدة وهم يستطيعون تنظيم إجازات عمل وإقامات فئة أولى ولا يكترثون للتكلفة المادية، ويقوم السوريون بدورة مالية اقتصادية في ما بينهم بيعاً وشراءً ونادراً ما يستفيد منها اللبنانيون. لا بل وصلت الأمور إلى حدود التحكّم ببعض المفاصل مثل سوق الخضار الجديد الذي يسيطر عليه السوريون ويفرضون الأسعار المرتفعة على اللبنانيين ويتمتعون بالأسعار المنخفضة فتسقط المنافسة لصالح البائع السوري في طرابلس.
أمّا التحدي الإضافيّ الذي واجهه الأمن العام، فهو التدخلات والوساطات ومحاولات الرشوة التي واجهها المدير العام اللواء الياس البيسري بتوجيهات صارمة إلى جميع ضباط وعناصر الجهاز بمنع قبول أيّ تدخّل في عملهم لتطبيق القانون على السوريين في لبنان.
لا تكفي إجراءات الأمن العام وحدها لمعالجة الفوضى المستشرية في المناطق السنية بشكل خاص، لأنّ البعض ينظر إلى الملف نظرة انحياز مبنية على وهم وحدة الانتماء السني بين مسلمي الشمال والسوريين، وهذا ينعكس على مواقف النواب والبلديات، بينما حلّ أغلبهم مشاكلهم مع النظام السوري وتفرّغوا لإقامة دورة اقتصادية محصورة في ما بينهم ومع الداخل السوري، وأولى خطوات الحلّ هي الوعي الاجتماعي الوطني الصحيح بما يجب فعله بناء على القانون والعدالة، بحيث تبقى القلة المطاردة من النظام ويعود كلّ من دخل الأراضي السورية فوراً.