كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
الحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبناني فرضت على كثير من أصحاب المصالح والمؤسسات التجارية والاقتصادية من القرى الحدودية نقلها إلى مناطق أكثر أمناً، وتحديداً نحو منطقتي صور والنبطية، وقلّة نحو بيروت، فيما أجبرت بعض أبناء القرى ذاتها على البحث عن عمل بديل.
ويروي أبناء القرى في مجالسهم الخاصة والعامة أنهم لم يتوقّعوا إطالة أمد الحرب، فللمرّة الأولى يستمر العدوان أكثر من ثمانية أشهر، كل الاعتداءات السابقة استمرّت أياماً أو أسابيع، وأطولها في حرب تموز 2006 التي بقيت نحو 33 يوماً، اليوم يواجه هؤلاء تحدّيات جمّة في الحفاظ على أرزاقهم أو البحث عن مصدر رزق بديل ليعيشوا بكرامة من دون انتظار المساعدات الشحيحة.
ويتداول هؤلاء بأسماء أصحاب مصالح ومؤسسات نقلوا أعمالهم من القرى والبلدات الحدودية التي تتعرّض بشكل دائم إلى قصف لغارات إسرائيلية، نحو مناطق أكثر أمناً، ومنهم قبلان الذي نقل مؤسسته من ميس الجبل إلى سنتر الساحلي في صور، وجمعة من بنت جبيل وطحينة من عيتا الشعب إلى صور كذلك، إضافة إلى أطباء نقلوا عياداتهم إلى مناطق مختلفة من الجنوب.
بالمقابل، انخرط كثير من أبناء هذه القرى في أعمال جديدة في أماكن نزوحهم لكسب قوت يومهم بعدما صرفوا مدّخراتهم المالية ولم يتمكّنوا من جني محاصيلهم الزراعية للعام الثاني على التوالي، أو لاقوا صعوبة في تصريف إنتاجهم بعدما شهدت الأسواق الشعبية، التي تقام عادة في بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا وحتى النبطية، ركوداً كبيراً بسبب تراجع حركة التوافد إليها.
محمد صولي نازح من بلدة الطيبة، واحد من عشرات أبناء القرى الذين خسروا أعمالهم في مجال البناء أو الزراعة فبحثوا عن عمل بديل، وقد حطَّ رحاله على الطريق بين تول والكفور في منطقة النبطية، وافتتح بسطة لبيع الخضر بعدما صار بحاجة إلى مورد رزق ليعيش بكفاف. يقول «لا أخجل من البيع على بسطة، أفضل من انتظار المساعدات، والعيش في المدن يختلف عن القرى لجهة المصاريف المالية والاحتياجات، كنا في البلدة نأكل ممّا نزرع ونتدبّر معيشتنا بمقوّمات بسيطة»، متمنّياً أن تنتهي الحرب قريباً ويعود إلى بلدته لتعود حياته الطبيعية.
حالة صولي لا تختلف كثيراً عن «أبو محمد» سرور، الذي يملك حافلة لنقل الركاب من القرى الحدودية إلى صيدا، وقد أدّى التصعيد العسكري إلى وقف عمله على خط النقل إليها، يقول لـ»نداء الوطن»: «كنت أنقل الطلاب يومياً إلى الجامعات والمدارس في المدينة ولكن الآن تغيّر الحال مع النزوح، فأصبحت أعمل على خط مدينتي صيدا – صور خشية على حياتي».
ويشكو نازحو القرى الحدودية من قلّة التقديمات الإغاثية بسبب ضعف الإمكانات الرسمية والأهلية، فيما أعدادهم بتزايد مستمر، وقد وصل إلى ما يقارب 100 ألف، وفق تقرير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) والذي أكد بأن نحو 80% من النازحين يقيمون عند عائلات مضيفة، أي أنهم لا يستفيدون من أي خدمات أو مساعدات.