كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
حدد سفراء اللجنة الخماسية في بيانهم المشترك نهاية شهر أيار مهلة حثّ لانتخاب الرئيس الجديد، معطوفة على خريطة طريق تنفيذية من المشاورات إلى جلسات الإنتخاب المتتالية. هي خطة عمل واضحة المعالم لمشاورات محدودة النطاق والمدة، تنتهي حكما بتحديد مرشح متفق عليه بشكل واسع، أو قائمة قصيرة من المرشحين، على أن تُختتم هذه المشاورات بجلسة انتخابية مفتوحة تتضمن جولات متعددة حتى انتخاب الرئيس.
ينمّ هذا السلوك الخماسي عن تحوّل في عمل المجموعة على مستوى العواصم، لا فقط على مستوى عمل السفراء في بيروت. إذ ثمة قرار بجعل نهاية أيار مهلة حاسمة في الجهد الدولي لإنهاء الفراغ الرئاسي. لا يعني ذلك أن الانتخاب الرئاسي صار في المتناول، لكنه يعكس نمطا دوليا متحوّلا صوب التشدّد العملي، إنطلاقا من بيان الدوحة في تموز 2023.
يحمل البيان الدبلوماسي المشترك توجيهات للعمل الذي ستقوم به المجموعة الخماسية في الأسبوعين المقبلين حتى نهاية أيار، لكنه أيضاً يضع القادة السياسيين أمام مسؤولياتهم الدستورية والسياسية والوطنية.
1-خريطة المشاورات تعني مباشرةً رافضيها، وتحديدا القوات اللبنانية التي لا تزال على تمسّكها برفض أي تحاول او تواصل جماعي، مع معرفتها بأن هذا الرفض يلاقي استهجانا دوليا، وتحديدا أميركي. إذْ سبق للسفيرة ليزا جونسون أن نقلت موقف واشنطن الداعي إلى تواصل لبناني على شاكلة مشاورات محدودة المدة مباشرة إلى القيادة القواتية. كما ان السفيرة انتقدت في أكثر من مجلس سياسي الموقف القواتي، معبرة عن استغرابها الشديد.
2-أما التذكير بمبادرة كتلة الاعتدال الوطني فيعني تحديدا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرى أكثر من سفير أنه تولى عملية إجهاضها بطلب من حزب الله، بعدما كان يفاخر أنه كان في أساسها، لا بل هو الأب الروحي لها. كما يعني بري حضّ الخماسية على جلسة انتخابية بجولات متعددة، باعتباره يتحمل مسؤولية الدعوة إلى التشاور (لا الحوار) وإلى الجلسة الانتخابية التي يجب أن تنتهي باختيار الرئيس التوافقي، أو ما أطلق عليه السفراء «المرشح المتفق عليه على نطاق واسع»، وهو التعبير الذي يعني مفهوم المرشح الثالث الخارج عن أي اصطفاف، بما يستبعد حكماً كل مرشح خلافي.
3-وهنا، يبدو حزب الله هو المعني الأول باستبعاد المجموعة الخماسية أي شخصية لا تحظى بأوسع توافق لبناني، حيث يتمسك بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بما يعاكس المناخ الدولي والإتجاه الداخلي المسيحي الرافض لفرنجية كما لأي مرشح لا يمثل وجدان المسيحيين من جهة، ولا يشكّل فرصة لإخراج لبنان من الأزمة. ولا يخفى أن تقطّع أوصال لبنان الخارجية لا تعينه في مسعاه الخروج من الأزمة البنيوية المركبة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.
4-هذا الواقع يجعل من المفيد ترقّب رد فعل الثنائي الشيعي باعتباره المعني الأول ببيان السفراء الخمسة. فتمسكه بفرنجية يعني الخروج عن المسعى الدولي لإنهاء الفراغ الرئاسي، في حين أن التخلي عنه، الذي لا يبدو وارداً (حتى الآن على الأقل)، لن يحدث بلا الثمن الكبير، وهو ثمن لا بد أن يأتي من ضمن الصفقة الإقليمية الكبرى القائمة أساسا على الحوار الأميركي – الإيراني بالوساطة العُمانية، والتي لمّا تزل في مسار متحرك ومضّطرب.
5-في انتظار موقف الثنائي، يُرتقب كذلك المسار الذي ستكون عليه الدينامية الخماسية في حال انتهى أيار من دون تنفيذ خريطة الطريق المقترحة. ويظهر ان التلويح المتجدّد بعصا العقوبات على كل من يُتهم دولياً بتعطيل انتخاب الرئيس، سيكون من ضمن عدّة الضغوط القصوى. ومرة جديدة لا بد من العودة إلى بيان الدوحة (17 تموز 2023)، وتحديدا «نظر الممثلون في الخيارات العملية فيما يخصّ تطبيق تدابير بحق الذين يعرقلون إحراز أي وجه من أوجه التقدم على هذا الصعيد»، لتلمّس ما حجم ما هو متوقع دوليا طالما لم تتحقق بنظر المجتمع الدولي «الضرورة الملحة المتمثلة في انتخاب القادة اللبنانيين رئيسًا جديدًا للجمهورية بسرعة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الموجبة لتحمل مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم. ويرتهن إنقاذ الاقتصاد اللبناني وضمان مستقبل أكثر ازدهارًا للبنانيين بأعمال هؤلاء القادة».