كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تُتابع البطريركية المارونية ملف النزوح السوري، وتضعه في خانة الخطر الوجودي. ويحاول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انطلاقاً ممّا يملك من علاقات مع دول أوروبا، القيام بمهمة جديدة هادفة إلى إقناع «القارة العجوز» بالخطر الآتي من استمرار أزمة النازحين.
لدى بكركي أرقام مفصلة مستقاة من بعض الأجهزة الرسمية ومن الإحصاءات التي تقوم بها مراكز دراسات وأبحاث حول خطورة الواقع الديموغرافي في حال استمرّ النزوح على هذا الشكل. وهذا الخطر يُدركه القادة المسيحيون وتحدّث عنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ومسؤولو بقية الأحزاب والقوى المسيحية. ترغب بكركي في حلّ شامل لأزمة النزوح عبر الدولة اللبنانية. ويدعو البطريرك الراعي أجهزة الدولة إلى تحمّل المسؤولية وإلا سنصل إلى وقت سيحصل فيه الإنفجار الكبير والصدام بين اللبنانيين والسوريين.
وهذا الواقع مستند أيضاً إلى أرقام الإنفلاش السوري داخل المدن والبلدات اللبنانية، وأعداد المؤسسات غير الشرعية التي يفتتحونها وتضرب لقمة عيش المواطن اللبناني. وكتأكيد على أنّ الأزمة ليست طائفية، تعاني مدينة طرابلس ذات الأغلبية السنّية من الإنفلاش السوري غير الشرعي وفتح المحالّ المختلفة، الأمر الذي أثّر سلباً على أصحاب المحالّ التجارية من أهل المدينة والجوار.
وأعطى اللقاء الذي عقده الراعي أخيراً في بكركي وبحث مسألة النزوح بحضور وزراء وقادة أجهزة أمنية فكرة عن طريقة عمل بكركي في هذا الملف الوطني الحساس. وإذا كان بمقدور الأقضية ذات الأغلبية المسيحية إنهاء حالة الوجود السوري غير الشرعي خصوصاً بعد مقتل منسّق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان وما أحدثته هذه الحادثة من تعبئة ضدّ الإحتلال السوري الجديد، إلا أن بكركي ترغب بمعالجة جذرية للوضع وفي كل الأقضية والمحافظات وخصوصاً في عكار وطرابلس والبقاع.
وترى بكركي الحل بتطبيق القوانين اللبنانية وبدء عملية ترحيل كل من هو غير شرعي، ونزول الدولة على الأرض وعدم التهاون. فالمسؤولية حسب الكنيسة تبدأ من الفرد ومن ثمّ البلديات والمخاتير وأجهزة الدولة، وإذا الجميع تعاون تصبح مسألة حلّ أزمة النزوح أسهل. لا تهمل بكركي وجود شقّ خارجي يؤثّر على بقاء النازحين، وهذا الشقّ يتمثّل أولاً بوجود مخطط للتغيير الديموغرافي في سوريا ولبنان وعدم وجود قرار دولي لإنهاء الحرب السورية، ووجود مخطط خارجي لإبقاء النازحين أطول مدّة في لبنان وربما توطينهم.
ومثلما اعترضت الدولة والأحزاب على تصرفات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كذلك لدى بكركي غضب من هذه التصرفات، داعية الدولة إلى إتخاذ التدابير التي تحمي سيادة الوطن. وتُعبّر بكركي عن عدم رضاها عن الموقف الأوروبي، وقد ناقش البطريرك سابقاً أزمة النزوح مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمسؤولين الأوروبيين الذين يلتقيهم. وتدخل بكركي على خطّ تغيير نظرة أوروبا، سواء عبر اللقاءات الدورية التي يُجريها البطريرك مع السفراء الأوروبيين، أو عبر العلاقة العضوية التي تربط بكركي بالفاتيكان.
وفي السياق، لم تتوقف محاولات الراعي لإقناع الفاتيكان بوجهة النظر المسيحية واللبنانية من ملف النزوح، ففي السابق كان هناك أساقفة في الفاتيكان يعتبرون الكنيسة المارونية عنصرية لأنها لم تستقبل النازحين، أما اليوم فالنظرة أصبحت أكثر واقعية وتُلامس الحقيقة المرّة التي يعيشها لبنان. يبدو الراعي أمام مهمة جديدة وهي توظيف علاقته المميزة بالفاتيكان لتغيير نظرة أوروبا إلى موضوع النزوح، فإذا كانت «القارة العجوز» لا تريد أخذهم إلى بلادها، فلماذا لا تسمح لهم بالعودة إلى بلادهم؟! وسيُركّز الراعي في المرحلة المقبلة على هذه النقطة، ويراهن على تجاوب فاتيكاني لإقناع أوروبا بالتخلّي عن نظرتها ومساعدة لبنان، وبالطبع سيكون هذا الملف من الأولويات التي سيطرحها الراعي في أول زيارة له إلى الفاتيكان، علماً أن تقارير عدّة وصلت إلى الكرسي الرسولي عبر السفارة البابوية في حريصا تشير إلى خطورة أزمة النزوح على الوجود المسيحي ولبنان كدولة.