كتب حبيب البستاني في “اللواء”:
الحرب طويلة وقد تطول وتطول إلى ما بعد بعد نهاية العام، فموضوع غزة لم يعد يتعلق بالجغرافيا ولا بقوة الأسلحة ومداها من حيفا إلى ما بعد بعد حيفا، حتى أن هذه الحرب وعلى قذارتها وعدد المدنيين الذين يسقطون يومياً خلالها لم تعد تهم أحداً فالجميع يعلن شيء ويضمر سيئاً آخر، وباتت مناشدة أقطاب العالم بضرورة وقف إطلاق النار وكأنها تأتي في سياق «الضحك على الدقون». فهل من يصدق أن الدول العظمى هي فعلاً عاجزة عن فرض وقف لإطلاق النار؟ وهل هذه الدول لا سيما تلك التي تموّل وتسلّح الآلة العسكرية الإسرائيلية لا تستطيع أن تأمر الدولة العبرية بالكفّ عن اعتداءاتها وغطرستها وغيّها في استباحة القتل والدمار، إذ إن عدد الضحايا تجاوز الـ 36000 قتيل وأكثر من 80000 جريح ومعاق منذ السابع من أكتوبر 2023 بينهم حوالي الـ 70 بالمئة من النساء والأطفال.
وجاءت القرارات الأممية لا سيما قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أدانت نتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وكأنها لم تكن بالنسبة لعدد كبير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا التي ضربت عرض الحائط بهذه القرارات واعتبرت المحكمة غير ذي صلاحية بإصدار مذكرات باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه، حتى أن البعض في هذه الدول يطالب بمحاكمة القضاة وإصدار عقوبات بحقهم. فإذا كان القرار بوقف النار هو بعيد المنال وحتى لأسباب إنسانية بحتة تؤدي إلى تسهيل مرور المواد الغذائية كي لا تشهد مناطق القطاع مجاعة غير مسبوقة، فيبدو الحديث عن إنشاء الدولتين مجرد أضغاث أحلام، فمن لا يقبل بالحلول الإنسانية فكيف يقبل بالحلول السياسية للمعضلة الفلسطينية، وذلك على قاعدة من لا يقبل بالقليل كيف يمكنه أن يقبل بالكثير.
هكذا وعلى وقع الحرب الدائرة في المنطقة يبدو لبنان وكأنه موضوع في مربع الانتظار، فالحرب الرابضة على حدوده لا سيما الجنوبية منها ممنوع عليها من تجاوز قواعد اشتباك مرسومة سلفاً تقاس بدقة متناهية وفقاً لميزان العطار، وأن من يوقف هذه الحرب ويمنعها من التوسع لتشمل كل لبنان ليست القرارات الدولية أو قوات الطوارئ ولا حتى القرار 1701 الذي كانت إسرائيل أول من خرقه إن في البر أو في البحر أو في الجو. حتى أن قوة الردع المتبادلة وإن كانت تشكل سبباً بالنسبة للبعض للحد من توسعة الحرب، فإن انضباط المعارك يعود لسبب رئيسي وهو أن اتساع الحرب لا تصبّ في مصلحة الدول الكبرى لا سيما تلك التي تسيطر على قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ولنكن أكثر وضوحاً فإن جميع اللاعبين الكبار يعمل على إبقاء النازحين وتوطين الفلسطينيين وجعل لبنان «الوطن البديل» وبالتالي فإن الاضطرابات الكبيرة واتساع رقعة الحرب قد تؤدي إلى تطفيش النازحين واتجاههم لمغادرة لبنان بصورة قسرية، فلبنان الآمن يجذب النازحين للبقاء والفلسطينيين لاختيار لبنان وطناً بديلاً لهم، وأن تفجير البلد يؤدي حتماً إلى هروبهم إلى بلدان أكثر آماناً واستقراراً.
وهكذا تبدو الأزمة اللبنانية «راوح مكانك» فلا تحركات الخماسية على تفاؤلها تعطي نتائج ملموسة ولا التصريحات الداخلية تؤدي إلى اختراق جدار الأزمة، فالداخل يتلهّى بالقيل والقال وهو لا يتقدّم ولا خطوة واحدة في اتجاه الحل، والحل يتطلب حواراً بين مختلف الأطراف السياسية قبل كل شيء، والحوار يعني سلسلة تنازلات وإلّا كيف يكون الحوار، أما للذين يعتقدون أنه لا مجال للحوار وأنه ينبغي الذهاب إلى إجراء الانتخابات الرئاسية فهو إما حالم وإما واهم، وهو ربما يعتقد أنه يعيش في بلد آخر لا يشبه بلدنا لا من قريب ولا من بعيد.
من هنا فالمطلوب من الأفرقاء اللبنانيين اليوم وقبل الغد الذهاب باتجاه الحوار سبيلاً وحيداً لإتمام الانتخابات الرئاسية وعدم انتظار الخارج، وإذا كنا نعلم فتلك مصيبة وإذا لا فالمصيبة أعظم.