كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
فيما المنطقة تبدو كأنها في طورِ معاودة ترسيم النفوذ والحدود… حربٌ مفتوحة في غزة، وحروبُ إسنادٍ في ساحات أخرى، دولٌ أوروبية تعترف بدولة فلسطين، ملاحقةُ الجنائية الدولية لقادة إسرائيليين، صوغُ تفاهم أميركي – سعودي، وتَوَعُّدٌ إسرائيلي بصيفٍ ساخن في لبنان مصحوباً بتحذيراتٍ عربية ودولية من مغبة انفلاتِ جبهة الجنوب… يعيش لبنان حرباً باردة داخلية في كنف الأزمة الرئاسية المتمادية وكأن قواه السياسية تتقاتل على تبديل المقاعد على متن التايتنيك.
هذا المشهد البالغ التعقيد والتشابُك كان محورَ حوارٍ مستفيض أجرتْه «الراي» مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في دارته حيث أطلّ على الأفق اللبناني الصعب والمفتوح على تحولات المنطقة وعصْف حروبها وصراعاتها.
ينطلق باسيل في مقاربته بتأكيد «أن ما يَجْري في المنطقة كبيرٌ ولكنه ليس محسوماً، ولذلك هناك حروب. ويجب عدم إغفال أن حربَ غزة اكتسبت بُعداً استثنائياً بحيث أنها باتت عاملاً أساسياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع ما للولايات المتحدة من حجم دولي كبير ومعروف. ومن هنا، أعتبر أننا لسنا في زمن تسويات كبرى، بل في زمن صراعات كبرى تتبلور اتجاهاتها بعد انتهاء السباق إلى البيت الأبيض.
ولكن لا يمكن التغاضي عن تحولاتٍ كبرى ارتسمتْ على مدى أكثر من 7 أشهر من الحرب، وفي مقدّمها النظرة إلى إسرائيل ومفهوم السامية الذي تحوّل قميص عثمان الذي جرى إلباسنا إياه، ونعيش بسببه ظلماً واعتداء على الحقوق تحت مسمى صراع وهمي، أقلّه نحن في المنطقة لسنا معنيين به. وليس عادياً ما تشهده الجامعات الأميركية وفي أوروبا، وحتى فكرة السلام الذي أُسقط من دون سلام حقيقي بين الشعوب تبيّن أيضاً أنه مجرّد فراغ. كل هذا صار واضحاً كيف يحصل ولكن ليس واضحاً كيف سينتهي».
ويضيف: «نحن في قلبِ صراعٍ كبير، بحجم وجود إسرائيل أو عدمه ودورها في المنطقة الذي اختلف بطبيعة الحال، ناهيك عن أن إيران، اللاعب الأساسي في الإقليم تعيد ترسيم خطوط أين لديها قدرات على التأثير وأين لا.
والمشكلة الكبيرة في ظل كل هذه الصراعات والتحولات أن لبنان متروك بلا رئيس للجمهورية، في حين أن المطلوب أن يكون لديه رئيس كي يلملم وضعه الداخلي ولتعزيز المناعة الوطنية أمام ما يحصل وقد يحصل، والأهمّ أن يكون صاحب رأي وجالساً على الطاولة، لا أن يكون أحد آخر يتحدّث باسمه، فهذا أمر لا يمكن أن نقبل به، وخصوصاً أن الدستور يحصر هذا الأمر برئيس الجمهورية. وتالياً أقلّ الواجب بإزاء هذا المشهد الكبير أن ينتخب اللبنانيون رئيساً».
تحدٍ مزدوج
ونقول له: لكن المفارقة أن لبنان يواجه تحدياً مزدوجاً، الفراغ الرئاسي والحرب التي صار جزءاً منها، وثمة تهديدات إسرائيلية بصيف ساخن، فهل تخشى أن يهرب الإسرائيلي إلى الأمام وإلى حرب أوسع؟ فيردّ: «بمعزل عن الموضوع الإسرائيلي، فإن صيف لبنان ساخن أصلاً. وملف النازحين، وودائع اللبنانيين وحقوقهم والأزمة الاقتصادية الكبيرة، كلها عناصر لصيف ساخن، فكيف إذا أضيف إليها العامل الإسرائيلي، وتالياً من الطبيعي أن تزيد المخاوف.
وإذا قاربنا خيارات إسرائيل بميزان المنطق والعقل، فهي لا تملك القدرة على فتْح جبهة واسعة مع لبنان، هي التي نجد أنها عادت إلى جباليا في الوقت الذي كان كل الترقب لاجتياح رفح. ولكن السؤال هل العقل هو الذي يحكم خطوات بنيامين نتيناهو وحكومة اليمين المتطرف؟ ومن هنا الخشية من أنها يمكن أن تفعل أي شيء، وخصوصاً أن نتنياهو بات يعيش على الحرب، لأن نهايتها تعني نهايته. وبالتالي هل تذهب الحرب من رفح إلى الضفة الغربية، الى جنوب لبنان؟ بإمكان نتنياهو أن ينقلها إلى أكثر من جبهة. واليوم يبدو أنه أطلق معركة كبيرة على رفح، وهو يَعتبر أن دخولها محسوم بالنسبة إليه، ليبقى السؤال أين ستكون المعركة التالية؟ وذلك بمعزل عما إذا كان يحقق أهدافه أم لا. فهذا غير مهمّ وفق تقويمه، بل ما يهمّه أن تبقى الحرب مفتوحةً ليحافظ على بقائه في انتظار الانتخابات الأميركية.
ومن هنا نعم المخاوف موجودة، وهذا سبب إضافي كي يكون لدينا رئيس للجمهورية كي نتمكّن من مواجهة المخاطر والتحديات ولتحصين واقعنا الداخلي».
ونسأله: تربط تحصين المناعة الداخلية بانتخاب رئيسٍ في الوقت الذي دعوتَ تكراراً إلى وقف جبهة الجنوب وأكدتَ رفْض وحدة الساحات قبل أن يؤكد السيد حسن نصرالله أن هذا الربط لا نقاشَ فيه وأن الأميركيين والفرنسيين وحتى الإسرائيليين سلّموا به وبأن انتهاءَ حرب غزة هو الذي يفتح الباب أمام مسار «اليوم التالي» لبنانياً. فهل نفهم عدم الاشارة إلى قفل جبهة الجنوب على أنه تسليم بأن لا كلمة لأحد من اللبنانيين الآخَرين في هذا الملف؟
الربطُ قائمٌ بقوة الأمر الواقع
فيردّ: «الربطُ قائمٌ بقوة الأمر الواقع الذي يَفْرضه حزب الله الذي فَتَحَ المعركة. ولكنني ضد هذا الربط، وما دمتُ لم أرَ أن لبنان حصّل منه عوائد لمصلحته فسأظلّ أعبّر عن أنني ضده. وأنا لستُ في حجم الولايات المتحدة ولا أوروبا، إذا سلّموا به (الربط)، وهؤلاء لا مانع لديهم من أن يُدّمر 7 آلاف منزل في لبنان وأن يتكبّد اقتصاده خسائر بملياريْ دولار، أما أنا فأمانع ذلك. وتالياً موقفنا ليس مرتبطاً بموقف أي طرف أو دولة أخرى. وإذا سلّم هؤلاء بهذا الأمر بقوة الأمر الواقع فنحن لا نسلّم».
وأضاف: «ولو كنا راينا أن هذه الجبهة حققت مكاسب للبنان، أقول أنا معها. أي إذا كانت تكلفة الملياري دولار خسائر تعيد لنا مزارع شبعا المحتلة أو تردّ اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، أو النازحين السوريين إلى بلدهم، أو تؤمّن لنا استثمارات في النفط والغاز تفوق هذا الرقم، فإذا تحقق ذلك، نعم لا مشكلة لديّ. ولكن لديّ مشكلة في أن يكون لبنان وحده، طبعاً غير فلسطين، هو الذي يدفع هذه الضريبة الباهظة، من دون عائد له».
ونستطرد: لكن ماذا يعني موقفك هذا ما دمتَ قلتَ مراراً إنه في حال أي توسيع للحرب من إسرائيل فأنت داعِم للمقاومة؟ فيقول: «طبعاً أنا مع المقاومة في وجه إسرائيل. ونحن أقمْنا ورقة تفاهم مع(حزب الله) أساسها الدفاع عن لبنان من خلال إستراتيجية دفاعية. وهذا لم يتغيّر، ولم نقل في ورقة التفاهم إننا مسؤولون عن تحرير القدس. ومن البدهي أن نكون مع القضية الفلسطينية، وهكذا تقول ورقة التفاهم وانتماؤنا العربي وجيرتنا مع فلسطين ورفْضُنا للغطرسة ولكل ما يمثله الكيان الإسرائيلي من أحادية وإرهاب. وليس عابراً أن نتنياهو ووزير دفاعه باتا في طور الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية. ولكن في كل ما يتعلّق بلبنان، المطلوب أن نقيس الايجابيات والسلبيات».
ومثلاً في ملف الترسيم البحري قلنا إن«مسيّرات(حزب الله)في حينه سرّعت في الحلّ، إلى جانب عوامل أخرى، وإن هذه هي الإستراتيجية الدفاعية كما نراها. لأن الدولة كانت تفاوض وحزب الله كان يُسانِد. وفي حال حصول هجوم إسرائيلي على لبنان كما جرى في 2006، فسنقف مباشرة مع المقاومة ومع لبنان لأن هذا اعتداء علينا. ولكن ما نقوله إن حزب الله هذه المرة هو الذي فَتَحَ النار من دون تَشاوُر مع اللبنانيين الآخَرين، وتالياً من الطبيعي أنني لا أتحمّل مسؤولية هذا الأمر، ومن الطبيعي أيضاً ما دمتُ لا أوافق عليه أن يكون لي رأي فيه، وإذا كان له مردود إيجابي أو سلبي. وفي اعتقادي حتى اليوم أن العائد على لبنان سلبي. وقد يقال لي: استفادت المنطقة، أو أن إيران أثبتت شيئاً – وبالتأكيد أفرح لإيران أكثر من إسرائيل – ولكن في النهاية أقارب الأمر من زاوية مصلحة لبنان».
ونقول له: في ضوء موقفك الضمني الذي يرفض ما حصل من مبادرة إلى فتْح جبهة الجنوب، ألا يحتاج الأمر الى نقد ذاتي لطرفٍ غطّى كل مسار انفلاش «حزب الله» وذهابه إلى سورية والعراق واليمن، والآن تَعتقدون أن دور الحزب a la carte وأن بإمكانكم أن ترسموا أنتم له حدود تدخله هنا وهناك؟
ضدّ تَعاطي لبنانيين في شؤون دول أخرى
يجيب: «لا أوافق على هذا التوصيف. لا حاجة لنقد ذاتي. فهذه المرة نتحدّث عن حرب تحصل على أرض لبنان. وفي اليمن، لم يأت اليمنيون ليخوضوا حربهم من عندنا، علماً أننا لم نغطّ هذا الأمر، ومن على منبر وزارة الخارجية، حين كنتُ وزيراً للخارجية ورئيساً للتيار الوطني الحر، قلتُ إننا ضدّ تَعاطي لبنانيين في شؤون دول أخرى. ولطالما كنا مع تحييد لبنان عن مشاكل المنطقة، وهذا المصطلح كنا مَن أطلقه وسِرنا فيه.
وفي ما خص موضوع سورية، فـ«داعش» كان احتلّ أراضي عندنا، وتالياً هذا موضوع يعنينا، كما يعنينا هل كان سيَحكم سورية أم لا. وكل اللبنانيين حينها أَجْمَعوا على أن ندافع عن أرضنا. أما اليوم فنحن نتحدث عن أمر مختلف وعن حرب وقعت في فلسطين، في غزة، وقرر «حزب الله» تحت عنوان «وحدة الساحات» أن تكون الساحةُ اللبنانية جزءاً من هذه الحرب التي فَتَحَتْها «حماس»، ومع ذلك إذا كان الأمر سيعود بمردودٍ للبنان، فأنا معه. وطبيعي أن أكون مع المقاومة ضد إسرائيل. وفي النهاية الثمن الأكبر يدفعه حزب الله ومقاوموه، وإذا أدى هذا الأمر الى تحرير مزارع شبعا، هل يمكن أن أكون ضدّ؟ ولا مشكلة لديّ في أن يتّضح في النهاية أنني كنت مخطئاً في موقفي، وأن تحصل تسوية نستعيد بموجبها كل حقوقنا، ولكن واقع الأمر اليوم أن التسويات الممكنة واضحة: القرار 1701 وهو موجود، فهل أقوم بحرب لتنفيذه؟ وأن يقال لي، سيصدر قرار دولي آخر يقول بتحرير مزارع شبعا وعودة اللاجئين الفلسطينيين، أقول عندها «بتحرز». ولكن المطروح اليوم قائمٌ (1701) وهل أخوض حرباً لأعود إليه؟ وإذا (كانت) إسرائيل شنّتْ علينا الحرب وحافظتُ عليه أكون انتصرتُ، أما إذا كنتُ أنا دخلتُ الحرب لأعود إلى ما كنتُ عليه في 2006 لا أكون انتصرت.
غطاء مسيحي
ونسأله: لطالما كانت هناك مقاربةٌ ارتكزتْ على أن «حزب الله» يحتاج إلى غطاء مسيحي، سواء لأدوار داخلية أو إقليمية أو لسلاحه. ألا يؤشر موقفك الرافض لوحدة الساحات، وهو موقف غالبية الأطراف المسيحية، إلى أن «حزب الله» بات يتعاطى على أنه لم يعد بحاجة لهذا الغطاء، وألا يرتّب ذلك ضرورة إعادة نظرٍ انطلاقاً من هذا المستجدّ؟
يجيب: «البعض يطرحون أنه لو يعطينا حزب الله ما نريده في رئاسة الجمهورية والحكومة، لكان موقفنا من جبهة الجنوب مغايراً. ولهؤلاء أقول إن الأمور معكوسة. فهذان موضوعان منفصلان تماماً عن بعضهما البعض. والربط الخاطئ الذي يحصل هو ربط جبهة الجنوب بغزة، والربط الخاطئ أكثر هو ربط الرئاسة في لبنان بحرب غزة التي لا نعرف متى تنتهي. وفي رأينا أن لا «حزب الله» ولا أحد في لبنان يمكنه أن يعيش من دون غطاء داخلي.
ويمكن أن تكون له قوته الذاتية التي تعطيه شرعيته وتمثيله، وهذا أمر يتمتع به حزب الله، ولكن لا أحد في لبنان يمكنه أن يعيش في عزلة. وجّرب ذلك بعض المسيحيين ورأينا ما حلّ بهم، والآن إذا جرّب الأمر أحدٌ آخَر فسيصل الى النتيجةِ نفسِها. وفي بلدٍ مثل لبنان الغطاءُ لبعضنا البعض هو حاجةٌ، نظراً إلى تَنَوُّعه وطبيعة تشكيله. ويخطئ مَن يعتقد أنه لم يَعُدْ في حاجةٍ إلى غطاء، لأنه لا يَحتمل في مواجهةِ الخارج أن يكون معزولاً داخلياً، كما أنه لن يكون في مقدوره أن يحقّق شيئاً في الداخل لوحده. ومن هنا إذا انتصر على العالم كله فيما المعادلات الداخلية هي وفق المرسوم حالياً في مجلس النواب، فماذا يمكنه أن يغيّر فيها. ومن هنا أعتبر أن انتظارَ نتائج حرب غزة هو انتظارٌ خاسِر للبنان لأننا نخسر وقتاً من دون مردود إيجابي. وسواء ربح حزب الله أو خسر في الحرب، فأنا لن أبدّل موقفي في ما خص رئاسة الجمهورية، كما أنني سأبقى متمسكاً بأن أعيش معه. وأنا لا أريده أن يخسر، وإذا ربح فسأعاند أكثر لأن لبنان في النهاية يتعيّن أن يعيش في بُعده الداخلي وليس الخارجي فقط. وإذا خسر الحزب فسأعيش معه وسنتشارك الأرض والمآسي والانجازات التي سنقوم بها. وفي رأيي أن من الأخطاء الكبرى في لبنان ربْط الأمور ببعضها البعض. ويمكن أن نختلف حول الجبهة مع الخارج وأن نسيّر في الوقت نفسه ملف الرئاسة لأننا في حاجة الى رئيس للدولة، وهذا لا علاقة به بحرب غزة».
ونقول له: لودريان في بيروت الأسبوع المقبل ولبنان وأزمته الرئاسية مع حرب الجنوب في صلب اتصال بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وسيكون على طاولة لقاء الرئيس جو بايدن – ماكرون في يونيو المقبل، واللجنة الخُماسية حدّدت خريطة طريق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي… كل هذا الحِراك والملف الرئاسي لا يشي بأنه أمام اختراقٍ وشيك في ظل استرخاء القوى السياسية اللبنانية. أين القفل والمفتاح، هل هو بربط الملف بحرب غزة أم في يد الثنائي الشيعي وحال المعاندة والتمسك بخيار سليمان فرنجية؟ فيجيب باسيل: «نحن لا نسلّم باسترخاء ولا باستجمام، ونعتبر أن كل انتظار قاتِلٌ، ولكن لا يمكن لوحدنا أن ننجز حلاً. ونحاول إقناع الآخَرين بأن نتوافق على اسم للرئاسة، أو فلنذهب الى الدورات المتتالية كي نصل في النتيجة إلى الانتخاب إما بالتوافق وإما بالتنافس. وبالتأكيد فإن التوافق هو المستحَبّ والمفضَّل لأنه يؤمن النجاح. فالتنافس يوصل رئيساً ولكنه لا يوفّر ظروف نجاحه. وتالياً نحن لا نسلّم بوضعية الانتظار، وبصراحة نحن نعمل ولكن لا يمكننا أن نتحكّم بمواقف الآخرين. ومن هنا نقول إننا مع تشاوُر علّه إذا كان جامعاً يوصل الى نتيجة. وفي الواقع نحن على تواصل دائم مع كل الأطراف، وأحياناً يكون صامتاً وأحياناً أخرى يتخذ شكل حركة معلنَة أو مبادرة أو غيرها. ونحن في حال تشاور مع الكل، وفي اللحظة التي نرى أن هناك إمكانية لإيجاد دينامية إيجابية معيّنة وتحريك الملف، لن نقصّر».
صراع هندسات
ونستطرد: من الواضح أن هناك صراع هندسات حول المخرج للأزمة: سواء عبر تشاور محدود يفضي الى توافق على اسم أو قائمة قصيرة من المرشحين ثم جلسة مفتوحة بدورات متتالية كما عبّرتْ الخماسية، أو إصرار الرئيس نبيه بري على تشاور برئاسته وجلساتٍ مفتوحة بدوراتٍ متلاحقة، ولهذا الصراع مغزى سياسي كبير. فيجيب: «بصراحة، في رأيي أن كل هذا لتمرير الوقت. والصراع هو: هل هناك إرادة سياسية لانتخاب رئيس أم لا؟ وهل ثمة إرادة لتأمين وصول رئيس ينجح في عهده أم لا. وكل ما عدا ذلك عملية لهو. والواقع اليوم، وقبل غزة وبعدها، أن الثنائي (حزب الله والرئيس بري) لا يستطيع تأمين وصول المرشّح الذي يطرحه، ونحن لوحدنا، وكيفما أُخذنا، كجزء واحد أو أجزاء، لم نتمكّن من إيصال المرشح الذي دعمْناه. فإما الفريقان يسلّمان بعدم قدرتهما على إيصال مَن يطرحان – ونحن نسلّم والمطلوبُ من الفريق الآخَر أن يسلّم بدوره – فنذهب للاتفاق على خيار ثالث، وإما يُفتح البرلمان للتنافس ومَن يتمكّن من تأمين الغالبية المطلوبية يَفُز. وأنا لا أقبل، انطلاقاً من أبعاد سيادية ووطنية ولبنانية أن أربط ملف الرئاسة بأمر آخر. وأكرّر أن نية التوافق موجودة لديّ، وإذا كانت غير متوافرة لدى غيري نذهب الى التنافس».
وماذا يوجد لدى غيركم؟ إنهاك؟ يردّ باسيل: «يوجد انتظار، وهناك مَن يراهن على الانهاك. ولكن مخطئ جداً من يعتقد أن بإمكانه انهاكنا. وسأعطي مثالاً مسألة مجلس النواب وضرورة التشريع فيه. فموقفنا واضح بأنه لا يمكن أن نشارك في جلساتٍ تشريعية بجدول مفتوح وكأن الأمور تسير على طريقة business as usual في غياب رئيس الجمهورية. ولكن في الوقت نفسه عندما نجد أن ثمة ضرورةً تُمْليها قضايا كبرى بحيث أن مشاركتنا تساهم في حلّ أمور كبيرة في البلد، فنحن ننزل الى البرلمان تحت عنوان تشريع الضرورة. وفي موضوع (التمديد) البلديات ولأنه لا يمكن ترْك البلاد من دون بلديات نزلْنا، وفي ملف النازحين أيضاً شاركنا، وفي ما خص الأزمة الاقتصادية بمعناها الاصلاحي الكبير الذي يفتح لنا باب صندوق النقد الدولي وكل ما له علاقة بإعادة هيكلة المصارف وغيرها، لم نقل يوماً إلا أننا جاهزون للنزول وأعلنا ذلك، ولكن الفريق الآخَر لم يُلاقِنا بإنجاز القوانين. وتالياً هذا انهاكٌ على مَن؟ وهل عدم إيجاد آلية واضحة لمعالجة ملف النازحين يؤذي فريقاً دون آخَر؟ وهل الودائع تخص فريقاً دون آخر؟ كل ما من شأنه أن يحل أزمات كبرى للبنانيين نحن نشارك فيه، وكل ما يُعتقد أنه ضَغْطٌ علينا فلن يؤثّر بنا. ومن الوهْم الاعتقاد أن بالامكان انهاك التيار الحر مهما فعلوا ولو بقوا مئة سنة يضغطون ويراهنون على أمور».
الاستحقاق الرئاسي
ونقول له: في موضوع الرئاسة، مطروح سليمان فرنجية وهو أحد الأقوياء الأربعة الذين كرّستْهم بكركي في مرحلة معيّنة فلماذا لا تدعمون وصوله إلى سدة الحكم؟ فيردّ: «الشرعية التمثيلية يعطيها الناس لا المرجعية. المرجعية تعطي الاعتبار، وثمة فارق بين الشرعية الشعبية التمثيلية والاعتبار السياسي. لا ورقة يمكن أن تجعل من أي شخص مرشحاً، ولا أي تسمية كذلك. المرشح ينبغي أن يتوافر فيه واحد من أمرين: إما قوته الذاتية الذي تفرضه مرشحاً كما كان الحال مع العماد ميشال عون وإما ان يحظى بتأييد من القوى التي تتمتع بالشرعية التمثيلية.
وأعتقد ان المشكلة لدى الثنائي (حركةأمل وحزب الله) انه لم يدرك أنه لا يمكنه ان يفرض على مكوّنٍ كالمكوّن المسيحي مرشحاً لا يتمتع بالقوة الذاتية ولا بالشرعية التمثيلية. حتى أن المرشح المعني لا يسعى إلى امتلاك واحدة من هاتين الخاصتين. وأنا أتحدث هنا بكل صدق سعياً إلى إيجاد حل، وتالياً أسأل الثنائي كيف يمكن ان ينجح مرشحك في عهدٍ يستمر ست سنوات من دون ان تكون لديه لا القوة الذاتية ولا قوة الدعم؟ وكيف إذا كان المرشح المعني وقبل الانتخابات غير مستعدّ أن يتكلم مع أحد فكيف الأمر بعد الانتخابات. وطرحنا ان نجلس معاً في بكركي ولم يقبل، وطُرحت وثيقة من بكركي ولم يشارك. نحن لا نفتئت عليه لا في حيثيته واعتباره ومكانته واحترامه، لكن هذا شيء والشرعية التمثيلية شيء آخر».
ونسأله: تقول إنه لنجاح عهد أي رئيس ينبغي أن تتأمن بشخصه القوة الذاتية أو دعم القوى ذات الشرعية التمثيلية والأمران توافرا في العماد ميشال عون الذي يسود الانطباع بأن عهده لم يكن ناجحاً، أليس كذلك؟ ألا يمكن إعادة النظر بمعايير من النوع الذي تتحدث عنه؟ فيجيب: «دعني أقول بصراحة… في المعادلة الكبيرة لا شك في ان (دونالد) ترامب وأميركا حجمهما التمثيلي أقوى من الحجم التمثيلي للعماد عون. ما فعلتْه أميركا لم يكن يستهدف الرئيس فقط في لبنان بل هي انتهجت سياسة في المنطقة ارتدت آثارها السلبية على لبنان وعلى نحو أكثر بكثير مما يتمتع به الرئيس من قوة تمثيلية لمواجهة تأثير الولايات المتحدة بطبيعة الحال. وهذا ما يجعلنا نقول انه يمكن مجيء رئيس تتوافر فيه جميع شروط النجاح ولا ينجح لأنهم«طربقوا البلد على راسو».
ويمكن في المقابل مجيء رئيس لا تتأمن في شخصه المعايير المطلوبة وأن تساعده الظروف، والبدهي في هذا السياق أن يسعى المرء إلى تأمين ما يراه ملائماً لمجيء رئيس تتوافر فيه شروط النجاح بمعزل عن الظروف التي لا يمكن التحكّم بها.
والعماد عون لم ينتخب إلا عبر تأمين دعم كتل أخرى وهو أَنْجَزَ تفاهمات مكّنته في مطلع عهده من تحقيق إنجازات كبيرة… ومن موقعه التمثيلي الخاص استطاع المجيء بحكومة متوازنة وإقرار قانون انتخاب متوازن، وتسيير الإدارة عبر تشكيلات وتعيينات متوازنة وكانت الأمور تتجه نحو الأفضل إلى أن جاءت العاصفة الخارجية».
ونقول له: «من المرشحين الجديين للرئاسة، قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي يستمد شرعيته لا سيما المسيحية من كونه على رأس المؤسسة العسكرية، التي استند العماد ميشال عون نفسه كما الجنرال فؤاد شهاب وغيره من جنرالات انتُخبوا رؤساء، إلى شرعية هذه المؤسسة. فلماذا ترفضون وصوله إلى القصر؟
يجيب باسيل: «العماد ميشال عون كسب شرعيته الشعبية لاحقاً، وفي إمكان العماد جوزف عون أن يفعل الشيء عينه، يغادر الجيش ويعمل على كسب شرعية شعبية ويصبح من حقه الترشح وربما ندعمه ساعتئذٍ. وعند انتخاب العماد ميشال سليمان كان الأمر يحظى بإجماع بغض النظر عن رأينا فيه. وموقفنا مبدئي إذ ينبغي احترام الدستور والحفاظ على مؤسسة الجيش، ولا يمكن في كل مرة أن نكسر الدستور ولا أن نقول كل قائد جيش جرى تعيينه هو مشروع سياسي… ومن حرصنا على الجيش نريد حمايته وإبعاده عن السياسة وعدم جعله منصة رئاسية. فكيف يمكن أن نحمي وحدته وفعاليته ونبعده عن الأذى السياسي حين يجري التسليم بأن كل قائد جيش هو مشروع رئيس”؟
ونستطرد بأن «الانتقال من اليرزة (قيادة الجيش) إلى بعبدا (القصر الجمهوري) تحول ظاهرة يرى فيها البعض دليلاً على ترهُّل القوى السياسية المسيحية التي تعجز في كل مرة عن إنتاج مشروع رئيس جمهورية… ألا تعتقد ذلك؟ فيجيب: “لا… المسألة ترتبط بالتعاطي مع القوى السياسية المسيحية أو المكوّن المسيحي على قاعدة ان ما يجوز لغيرهم لا يجوز لهم. ويُفترض ان يقال دعونا نرى مَن هو الأكثر تمثيلاً عن المسيحيين للسير به رئيساً، أو على غرار ما اقترحناه لجهة إجراء انتخاب مباشر لمعرفة الأكثر تمثيلاً بين المسيحيين ومن ثم إجراء دورة انتخاب ثانية على المستوى الوطني.
وعندما يقول «الثنائي الشيعي» أريد فلاناً لرئاسة البرلمان يجري التسليم بالأمر، أما التسليم بالأكثر تمثيلاً للمكوّن المسيحي فيعاد النظر فيه كل مرة، وهو ما يؤدي ليس إلى مشكلة تمثيلٍ بل مشكلة عدم اعتراف بالتمثيل المسيحي. ويقال اليوم إن هناك أزمة في التمثيل السني، ليس لأن هذا المكوّن لا تمثيل له بل لأن تمثيله مشتت، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول ان ثمة خللاً على المستوى الوطني بسبب هذا التشتت، ومن أجل ذلك دعمنا «كتلة الاعتدال» ووقفنا إلى جانب مبادرتهم. أردْنا ان نقول من خلال ذلك كم هو المكوّن السني فاعلاً وأساسياً ولا يمكن تغييبه أو استضعافه. وعند المسيحيين كتل كبيرة وأساسية «وفارقة كثير عن غيرها». والمشكلة انه لا يتم الاعتراف بها.
وأقول بصراحة لو لم يكن عهد العماد عون واجه ما واجهه ولا نريد في ظرف سيئ تكرار التجربة التي نخشى ألا تكون ناجحة، لَما كنا تنازلنا عن هذا الحق بالتمثيل والترشح.ونسأله: يعني كنت ترشحتَ، يجيب:«بالتأكيد لكن نحن اعتبرنا ان البلاد تمر في ظرف أكثر من استثنائي، انهيار كامل للاقتصاد. سرقة كل أموال الناس، حرب ونزوح و… و…. قلنا لأن الرئاسة أولوية مطلقة لمعاودة النهوض بالبلاد تنازْلنا، وإلا لَما كنا تخلينا عن حق أعطاه الناس لنا».
وهل يعتقد أن ثمة محاولة لاستضعاف المسيحيين، وما حقيقة ما ينسبه البعض إليه عن أنه قال يوماً إن المسيحيين أصبحوا يمثلون 19.5 في المئة؟
يردّ: إطلاقاً… أولاً لم أقل يوماً مثل هذا الكلام، وثانياً الأرقام لديّ «مش هيك» وجداول الشطب واضحة. وثالثاً بالنسبة إلى دور المسيحيين فهو غير مرتبط بعددهم. وإذا أردنا الحفاظ على لبنان وعلى صيغته الفريدة، يجب الحفاظ على المسيحيين بدورهم الكامل مهما كان عددهم لأن في ذلك قيمة لبنان، وما من أحد يغلب أحداً لا لعدد في لبنان، وما من أحد يغلب أحد بتغييبه. وهذا الشيء يعني الكل، وسبق ان طال الشيعة، ثم طال المسيحيين والآن يطول السنة. وهذا لا يجوز في لبنان، والجميع يدفع ثمنه. لذا من غير الوارد ان أكون قلت ذلك (19.5) أو ورد في تفكيري. لكن هذا يعيدنا إلى المشكلة الأساسية، فالبعض يعتقد أن اتيان المسيحيين برئيس قوي أمر لا يناسبه، لأنه أخذ من حصتهم ووزّعها على أفرقاء آخَرين، ويريدون استعادتها، وتالياً فإن ما يناسب هذا البعض هو رئيس ضعيف… والسؤال كيف تريد جمهورية قوية برئيس ضعيف».
أزعور الأصلح
وما صحة ما يقال عن دعمكم للمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري كمرشح رئاسي؟ يجيب باسيل: «لا مرشح رسمياً لدينا إلا ونعلن عنه. لدينا موقف واضح من بعض المرشحين الذين نقول عنهم لا، ولدينا موقف واضح من المرشح الذي دعمْناه وقلنا نعم له رغم ان كثيرين شككوا».
أي ما زال دعم ترشيحكم لجهاد أزعور قائماً؟ يردّ: «طبعاً، وما زلنا عند رأينا بأنه الأصلح للمرحلة المقبلة، وثمة مرشحون ليس لدينا موقف مسبق حيالهم ولسان حالنا ان الأمر قابل للدرس، وعندما تصبح الأمور جدية نعلن موقفنا».
ونقول له: «من اللافت في توصيفك لأزمة العلاقة مع «حزب الله» قولك إنها صارت محكومة بخيط رفيع، في وقت تحرص على مد قناة دافئة مع الرئيس بري الذي لطالما شكل الموقف منه أحد الأسباب الرئيسية لخلافكم مع الحزب في شأن بناء الدول، ماذا يجري؟ فيجيب:”أولاً الخيط الرفيع لا يعني بالضرورة انه هش أو سهل الانقطاع، وما يحدد «رِفْع الخيط» هو حجم ما بقي من التفاهم. فعندما يتعلّق الأمر بالتفاهم حول حماية لبنان يكون الخيط قوياً جداً وهذا أمر قائم. ويمكن على أمور أخرى أن يكون هشاً وندفع ثمنه في بناء الدولة والشراكة وغيرها.
أما مع الرئيس بري فما من يوم كان سعْينا للخلاف معه بل كان الخلاف هو حول الأمور المعروفة. وفي الوقت عيْنه نحن ندرك انه إذا أردنا العمل في البرلمان وأن ننجز قوانين إصلاح وننتخب رئيساً فيجب أن نسعى إلى التفاهم معه. وهذا عَمِلْنا من أجله دائماً، والرئيس بري إيجابيّ ونحن نلاقيه بالإيجابية عينها. وعندما أنجزنا التفاهم مع «حزب الله» صُوّرنا على اننا على تَعارُض مع السنّة في لبنان وهذا غير صحيح. وهل يعقل ان نضع أنفسنا اليوم في تَعارُض مع المكوّن الشيعي؟ نريد أن نكون على تفاهم مع الجميع ضمن مفهوم بناء الدولة والشراكة. وهذا ما يحكم تقاربنا وابتعادنا مع هذا أو ذاك.
وضع التيار
ونسأله: في ما خص الوضع الداخلي في «التيار الوطني الحر» ثمة انطباع بأنكم تحاولون نقْله من العونية إلى الباسيلية عبر إبعاد المعاندين، وما مصير «ملف» النائب آلان عون وهل اتخذتم القرار بالنسبة إلى بقائه أو فصله؟
يردّ: «عندما نقرر الحديث عن هذا الأمر في الإعلام نوضح الأمور. القصة لا علاقة لها بنقل التيار من مكان إلى مكان. المسألة اننا حزب ومَن يكون منضوياً فيه يجب أن يكون ملتزماً بنظامه وقراراته السياسية، ومَن لا يريد الالتزام يكون هو من لديه مشكلة مع الحزب وليس العكس».
ونبادره: لكن في أحد مؤتمراتك الصحافية قلتَ إنه «منافٍ للأخلاق» التدخلُ في البيت الداخلي للتيار، وكنتَ تتوجّه في كلامك للثنائي الشيعي، ما أوحى وكأن ثمة ودائع داخل التيار… فيقول: «نحن نتحدث عما واكب جلسة 14 يونيو الرئاسية، وكنتُ أشير حينها إلى تدخلٍ داخل التيار، لأن هذا أمر حصل. ولكن لا يوجد ودائع في التيار وثَبُتَ هذا الأمر.
فالناس الملتزمون ثبت التزامهم. كما أن هناك تعمُّد في تصوير وكأنه في الانتخابات النيابية في ضوء التحالف الانتخابي تم إعطاؤنا أصواتاً لمرشحينا. وبالتأكيد في ظل قانون الانتخاب الحالي، يمكن للتحالفات الانتخابية أن تؤمّن مقاعد لفريق أو آخَر، وكما نحن استفدْنا في هذا الإطار فهذا ينطبق أيضاً على غيرنا. و«القوات اللبنانية»هل كانت لتأخذ مقعدين في جزين من دون الصوت السني في صيدا، أو مقعداً في طرابلس؟ ونحن أيضاً من دون الصوت الشيعي لَما أَخَذْنا نائباً في بيروت الثانية أو البقاع الغربي، أي الأمر نفسه وحتى العدد نفسه. ولكن نحن في أي دائرة لم نطلب أو حصل أن أخذْنا صوتاً شيعياً، فمرشحونا فازوا بأصواتهم، مع الحاصل الذي تم تأمينه للائحة، وهذه طبيعة قانون الانتخاب. ويوم لا يكون التحالف مع فريقٍ يكون مع آخَر. وتالياً تصوير وكأن أحداً أعطانا نواباً أو أن لدينا نواباً «بالإعارة» فهذا غير صحيح، ولا حزب الله تصرف مع هؤلاء النواب على هذا الأساس. إذ من الظلم القول إن الحزب يتعاطى بهذا المنطق. أما في جلسة 14 يونيو الرئاسية، فحصلت محاولات من أطراف للتدخل بأطراف آخَرين، وهذا ما وصفتُه بأنه غير لائق. وأتأمل أن يكون الكل فهموا الحدود التي ينبغي أن تحكم التعاطي بين الأطراف وألا يتكرر الأمر».
النزوح السوري
ونسأله: في ملف النزوح التأم البرلمان وأصدر توصية، وكان لافتاً موقف السيد نصر الله الذي دعا لفتح البحر، وثمة انطباع بأن النازحين باتوا عبئاً على لبنان وكأنهم قنبلة موقوتة يتحكّم بها المجتمع الدولي الذي لا يساعد على إعادة السوريين ودعمهم في بلدهم، كما النظام في سورية الذي يَعتبر أن إعادة السوريين تستوجب رفع عقوبات «قيصر» وإعادة الإعمار، فكيف ترى أفق الملف؟
يردّ باسيل: «مقاربتي قانونية وترتكز على القانون اللبناني والقانون الدولي اللذين لا يتعارضان في هذا الشأن. ومعلوم أن لدينا سوريين موجودين على الأراضي اللبنانية بطريقةٍ غير شرعية، لأن نزوحَهم اقتصادي ولم يعد أمنياً، وحتى لو كان أمنياً فإن سورية باتت كلها تقريباً مناطق آمنة ويمكن للسورييين العودة إليها. وكل مَن لا يملك إجازةَ عملٍ أو إفادة سكن، أو حالة قانونية تَثبت أن هناك استحالة لعودتها لأسباب سياسية أو أمنية، يجب أن يستوفي هذه الشروط، وساعتها يجب أن يبقى لأن السوري شعب شقيق ويساعدنا في اقتصادنا وممنوع التعدي على كرامته. وتالياً الموضوع يجب أن يراعي القانون والكرامة الانسانية، ويجب عدم التعرض لكرامة السوريين، تماماً كما ينبغي ألا ينتهكوا قوانين لبنان. ومن الواضح أن هذه المقاربة لا تعالج موقف الدول الخارجية التي إما قسم منها يموّل بقاءهم في لبنان، وإما في ما خص سورية فهي غير قادرة على تمويل إعادتهم إما مباشرة أو عبر إيجاد فرص عمل في الداخل. وتالياً نحن أمام استعمال للمال الدولي لإبقاء النازحين في لبنان».
ونسأله: «لماذا لا يُفتح البحر لهم كما قال السيد نصرالله؟
يجيب باسيل: «لم أكن مرة مع الترحيل، وأنا أريد لهم أن يعودوا الى سورية لا أن يصبح السوريون شعباً مهجراً. وتالياً لستُ مع فتح البحر لهم، ولكن في الوقت نفسه (لستُ مع) أن أقوم في البحر بأكثر مما أقوم به في البرّ. وما يحصل في ملف النازحين هو لمصالح سياسية صارت معروفة، أي هكذا يريد المجتمع الدولي، فنقوم بما يريده أمنياً، ونقفل البحر ونفتح البر (لدخولهم). وإذا أردتَ إقفال البحر، فليُقفل البر أيضاً».