كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
يحتاج تبوؤ قيادات إيرانية منصبي الرئاسة ووزير الخارجية مكان الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لوقت غير قصير. قد يتعدى إرساء أسس لسياسات طهران المستقبلية بعد مقتل الرجلين، مهلة الخمسين يوماً كحد أقصى حددها الدستور لانتخاب الرئيس الجديد. لكن ما تتوافق عليه معظم التقديرات هو أنّ السياسات السابقة على الحدث الإيراني ستستمر على حالها لفترة، والسؤال يتعلق بمدى تسريع خطوات الانفتاح التي كانت قائمة قبله.
ما يعني لبنان في هذا الخضم ترقب ما إذا كانت محاولات الاندفاعة التي ظهرت على تحرك اللجنة الخماسية من أجل تسريع انتخاب رئيس الجمهورية ستنتج جديداً يسمح بإحداث اختراق ينهي الشغور الرئاسي. وهل يمكن للخماسية أن تحقق ما تأمله من حماس أعضائها الأخير بعد اجتماعها في السفارة الأميركية في 15 الجاري، بالدعوة لإجراء مشاورات «محدودة النطاق والمدة، بين الكتل السياسية… لتحديد مرشّح متفق عليه على نطاق واسع، أو قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة»، تمهيداً للذهاب إلى جلسات انتخاب قبل نهاية الشهر الحالي؟
المصادر الفرنسية تشير إلى أنّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان سينطلق في زيارته إلى بيروت الثلثاء المقبل من البيان الأخير للخماسية الذي عاد فذكّر بالمواصفات والمعايير التي وضعها بيانها بعد اجتماعها في الدوحة في تموز 2023. ومع رصد أوساط متصلة باللجنة مدى تأثير الحدث الإيراني على المضي في تسريع انتخاب الرئيس، واعترافها بأنه قد يؤخر اندفاعتها، فإن مجيء لودريان سيسمح بالإجابة عن السؤال حول مدى ربط جهود إنهاء الشغور به. إذ كانت المصادر المتصلة باللجنة تأمل، قبل حادث سقوط مروحية الرئيس الإيراني، أن يسلم لودريان الفرقاء المحليين المعايير التي وجد أن هناك إجماعاً عليها، من الكتل النيابية التي طلب منها أن تزوده بها في زيارته الأخيرة في شهر شباط الماضي وقبلها في كانون الأول من العام الماضي.
الظروف المحيطة بزيارة لودريان، وفي مقدمها الحدث الإيراني، قد تدفعه إلى حصر مهمته بنقل تقرير مفصل عن آخر المعطيات حول ملء الفراغ الرئاسي وحول التهدئة في الجنوب إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، قبل اجتماعه المقبل في فرنسا مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يزور باريس في 5 حزيران المقبل للمشاركة في ذكرى معركة النورماندي في الحرب العالمية الثانية، والتي تحييها الدولتان كل سنة.
فبموازاة تحرك الخماسية تشهد أروقة الرئاسة الفرنسية نشاطاً ومداولات حول الخطوات الممكنة لإنهاء الشغور، نظراً إلى استشعارها خطورة الوضع في لبنان، سواء على الجبهة الجنوبية أو لجهة ترهل أجهزة ومؤسسات الدولة اللبنانية جراء الفراغ الرئاسي والذي سيحرم استمراره حضور لبنان في المداولات الدولية حول إيجاد حلول لحرب غزة ومتفرعاتها ومنها الجبهة الجنوبية اللبنانية، التي تزداد مخاطر انزلاقها إلى حرب مفتوحة، على رغم نجاح الجهود لمنع ذلك حتى الآن.
اندفاعة ماكرون الراهنة كانت أدت به إلى التشاور مع كل من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ثم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حول إمكان زيارته لبنان من أجل الاجتماع إلى الفرقاء اللبنانيين مجدداً من أجل دفعهم لتسريع انتخاب رئيس الجمهورية. والإثنان نصحاه بتأجيل الفكرة إذا لم تكن مضمونة النتائج. وذهب ماكرون إلى حد سؤال جنبلاط عما إذا كان يرى مفيداً دعوة رؤساء الكتل النيابية إلى باريس للغرض نفسه فكانت النصيحة بعدم الإقدام على الخطوة إذا كانت حظوظ نجاحها في تغيير مواقف الفرقاء ضئيلة.
أفكار ماكرون جاءت بعد اعتذار رئيس البرلمان نبيه بري عن تلبية دعوته لزيارة قطر وكذلك رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، للبحث في سبل تحريك الملف الرئاسي.
ماكرون لم يستسلم للأفق اللبناني المسدود على ما يبدو، وسيبقى يحاول. وهذه الاندفاعة أدت به إلى التواصل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أول من أمس حول لبنان. إيفاد لودريان، الذي كان تردد أنه لن يعود إلا إذا وجد تطوراً يسمح بالخرق المطلوب، متصل باندفاعة رئيسه الشخصية لإنجاز تقدم في ملف الرئاسة وحماية لبنان من المخاطر في جنوبه، بقدر ما هو متصل باندفاعة الخماسية الأخيرة.
ما الذي سيضيفه بحث ماكرون أزمة لبنان بشقيها الجنوبي والرئاسي مع بايدن؟
بعض الأوساط يشير إلى احتمال الإفادة الفرنسية من الحوار المستجد الأميركي الإيراني في سلطنة عُمان، الذي سبق مقتل رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، لعله يفتح باباً لتليين موقف «حزب الله» حول الرئاسة في لبنان، ويؤدي إلى خفض التوتر في الجنوب ويجدد البحث في المعالجات للمواجهات فيه التي كان بدأها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، والوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.