Site icon IMLebanon

لودريان الآتي بحقيبة ممزّقة: “الثنائي” قد ينتظر برلمانًا جديدًا

كتب منير الربيع في “المدن”:

قبل سنة إلا عشرة أيام، تم تعيين وزير الخارجية السابق، جان إيف لودريان، مبعوثاً رئاسياً فرنسياً إلى لبنان. أوكل الرجل بمهمة العمل على إيجاد تسوية سياسية بين اللبنانيين، تفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية.

في النصف الثاني من حزيران الماضي زار لودريان بيروت، وجال على مختلف القوى والمسؤولين لتقريب وجهات النظر. وبدأ يومها مسار البحث عن “مرشح ثالث”، لا سيما بعد فشل جلسة 14 حزيران في انتخاب رئيس، على الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان قد أبلغ يومها البطريرك الماروني بشارة الراعي بأن جلسة 14 حزيران ستنتج رئيساً ولن يتم تعطيل نصابها، إلا أن ما حصل هو العكس.

من غير المعروف إذا كان ماكرون استند في موقفه على تمنيات أو وقائع أو مواقف فعلية تبلغها من الثنائي الشيعي حيال عدم تعطيل نصاب الجلسة واستمرارها إلى حين انتخاب الرئيس.
حالياً تتكرر الأحداث والظروف وتتشابه. لبنان ينتظر زيارة لودريان في النصف الأول من شهر حزيران، في محاولات جديدة “لإنقاذ” اللجنة الخماسية، والوصول إلى تصور سياسي لعقد جلسات تشاور أو نقاش، تفضي إلى إبقاء المجلس النيابي مفتوحاً. إلا أن الإختلاف في المقاربات بين الخماسية والثنائي الشيعي لا تزال على حالها.

ينطلق الثنائي من التركيز على المضمون، خصوصاً بعد الحرب على غزة وانخراط حزب الله فيها، بينما ينظر إلى ما تقوم به الخماسية بأنه نوع من التلهي بالقشور، كمثل السجالات المفتوحة حول عدد الدورات المتتالية التي ستعقد قبل رفع كل جلسة، وحول الطرف الذي سيدعو إلى النقاش أو الحوار أو التشاور.

بعد الحرب على غزة، يتشدد حزب الله أكثر ويتمسك بموقفه وبمرشحه. بينما الآخرون يعتبرون أن هناك فرصة جدية لدفع الحزب إلى التخلي عن مرشحه، والانتقال إلى البحث عن المرشح الثالث. لكن ذلك ليس وارداَ بعد في حسابات برّي والحزب. قبيل التحضير لزيارة لودريان، عقدت اجتماعات تنسيقية عديدة في فرنسا، وجرى تواصل مع المسؤولين اللبنانيين بما فيهم رئيس المجلس نبيه برّي. كان ماكرون يفكر بإمكانية إجرائه زيارة إلى بيروت، ولكنه تلقى نصائح بتأجيلها إلى ما بعد نضوج الظروف المؤاتية لإنتاج تسوية. كما أن برّي نصح الفرنسيين بتأجيل لودريان لزيارته، لأنها لن تؤدي إلى أي نتيجة. لكن المبعوث الفرنسي أصرّ على الحضور.

منذ أكثر من سنة، نجح الثنائي الشيعي في البقاء على موقف واحد، فيما اضطر الفرنسيون، وهم الأكثر انخراطاً إلى جانب الخماسية، إلى تغيير الكثير من المقاربات، من جلسة 14 حزيران إلى الاجتماعات الخماسية في باريس والدوحة وصولاً إلى حركة السفراء في الداخل. تتضارب المعطيات في ما يحمله لودريان، وهل سيبلغ المسؤولين بالمواصفات التي سلموها له في جولات سابقة، أم أن مسألة المواصفات قد سقطت؟ هل سيصل إلى تصور مشترك مع الثنائي حول آلية الدعوة إلى الحوار أو النقاش أو التشاور، أم أن الانقسام سيبقى على حاله؟ وهل فعلاً فرنسا تفكر في عقد حوار لبناني لبناني في بيروت أو باريس، لا يشمل فقط ملف رئاسة الجمهورية بل أيضاً ملف الحدود؟

من بين الأفكار المطروحة هي خلاف على الجهة التي ستدعو إلى الحوار، فيما تبرز فكرة أن تدعو كتلة الاعتدال إلى مثل هذا التشاور أو النقاش، سواء كان ثنائياً أم أكثر اتساعاً.

ذلك مرفوض بشكل كامل من قبل رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، وحزب الله، وتم إبلاغه للسفراء ولكل الجهات المعنية، بأن للمجلس رئيس وهو الذي يدعو إلى الحوار. ما يعني إسقاط فكرة “التداعي” إلى المجلس، أو أن تتولى كتلة الاعتدال الدعوة إلى الحوار، فيما يسعى البعض إلى استخدام لغة التلويح بالعقوبات على رئيس المجلس لدفعه إلى تغيير موقفه، إلا أن الموقف الأبرز يبقى لدى حزب الله، الذي يرفض المشاركة في أي جلسة حوار أو نقاش لا يكون رئيس المجلس هو الداعي لها والذي يترأسها، انطلاقاً من الحفاظ على صلاحيات رئيس المجلس، وأن الحزب غير مهتم بالعقوبات والتهديد بها، فهو أساساً خاضع لها منذ سنوات طويلة.

بالنسبة إلى تقييم الحزب وبرّي معاً، كل هذه الطروحات تبدو غير جدية وغير قابلة للوصول إلى أي نتيجة، لا بل هناك من يذهب أكثر من ذلك في توصيف هذه التحركات، بأنها محاولة للهو والتسلية، وأن الحزب غير جاهز لها. توصيف الحزب لما يجري بأنه تسلية ولهو، يعود إلى مجموعة اعتبارات، أولها تغير وتبدل الموقف الفرنسي على أكثر من خط منذ المبادرة الفرنسية لتسوية رئاسية، وصولاً إلى البحث الفرنسي عن دور لبناني انطلاقاً من الجنوب. فكانت الأوراق الفرنسية التي جرى تقديمها ورُفضت بسبب مضامينها، ما أظهر أن فرنسا لا تزال عاجزة عن قراءة المشهد والوقائع اللبنانية.

يعتبر الثنائي الشيعي أن التعاطي الأميركي يبقى الأكثر واقعية في مقاربته للملف اللبنانية، رئاسياً وحدودياً، لا سيما أن واشنطن تنظر إلى المدخل للحلول اللبنانية هو بحصول تفاهم أو تقاطع مع الثنائي. ومن يعرف حزب الله عليه الإدراك بأنه ليس الطرف الذي يلجأ إلى تقديم أوراق أو اتخاذ مواقف وقرارات في ظل خوضه للحروب. ما عدا ذلك، يندرج في خانة اللهو والذي يقول الحزب بشأنه أن غير متفرغ له، وإن طالت الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية أو إلى تكريس مبدأ فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس والوصول إلى انتخابات برلمانية جديدة.