كتب منير الربيع في “المدن”:
يتوازى مسارا التصعيد من جهة، والبحث عن حلول ديبلوماسية وسياسية من جهة أخرى، على مستوى المنطقة. كل الملفات أصبحت مرتبطة ببعضها البعض، من التصعيد الإسرائيلي في رفح إلى التصعيد في جنوب لبنان، وما بينهما استئناف المفاوضات للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ينسحب على وضع الجنوب، ومنه فتح مسارات البحث عن تسوية سياسية داخلية.
يجري البحث عن التهدئة في المنطقة، بتركيز من قبل عواصم عدة، منذ اجتماع اللجنة الوزارية العربية في باريس، إلى اجتماع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع رئيس المخابرات الأميركي وليم بيرنز، ورئيس المخابرات الإسرائيلي ديفيد برنياع. في مقابل، تحضير الولايات المتحدة الأميركية وإيران لاستئناف المفاوضات بينهما، بالإضافة إلى استمرار التفاوض الأميركي السعودي، والحرص على التقارب السعودي الإيراني. وهو ما تجلى في الإتصال الهاتفي الذي أجراه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقائم باعمال الرئاسة الإيرانية محمد مخبر، للتعزية في وفاة الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
الاتفاق على نتنياهو
بالنسبة إلى المسار الإيراني الأميركي، لا تزال مصادر ديبلوماسية تتحدث عن إمكانية رؤية ضوء في نهاية النفق، وسط إصرار الطرفين على عدم التصعيد وتحول الحرب في غزة إلى حرب إقليمية، بالإضافة إلى خلق تفاهمات متعددة، نووياً وعلى مستوى المنطقة، وسط معلومات قريبة من الإيرانيين تفيد بأن هناك تقاطعاً إيرانياً أميركياً على مسألة وجوب وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند حده، ومنعه من مواصلة الحرب، بممارسة ضغوط كبيرة عليه، وصولاً إلى التفكير الجدي في محاولة إسقاط حكومته من خلال الضغوط الداخلية. تعتبر طهران أن إسقاط حكومة نتنياهو هو مدخل لوقف الحرب في غزة ولبنان، وبعدها ينطلق المسار السياسي.
المسار السعودي
لبنانياً، وفي ظل ترقب ما ستفضي إليه كل هذه التحركات الدولية والديبلوماسية، ثمة مراقبة للمسار الذي تسلكه المملكة العربية السعودية، في سبيل وقف الحرب في غزة، بالانطلاق من التفاوض مع الأميركيين، وفي استمرار التقارب مع إيران بالمباشر، بالإضافة إلى التطور المتصل بتعيين السعودية لسفير جديد في دمشق، كمؤشر على تطور مسار العلاقات السعودية السورية، وكيف يمكن لها أن تنسحب على لبنان، خصوصاً أن الكثير من اللبنانيين ولا سيما حلفاء دمشق الذين ينظرون إلى ما جرى بإيجابية، وباعتباره سينسحب على لبنان، وهم يطرحون تساؤلات إذا كان ذلك سينعكس على ملف رئاسة الجمهورية. بعض من في قوى الثامن من آذار يسأل عن السبب الذي قد يمنع السعودية من الموافقة على انتخاب سليمان فرنجية في ظل تقاربها مع إيران وسوريا؟
الخيارات الإسرائيلية
وسط كل هذه المسارات، فإن إسرائيل حتى الآن، وتحديداً حكومة نتنياهو، لا تتخلى عن سلاح التصعيد ومواصلة العمليات العسكرية الموسعة، سواء في غزة وتحديداً في مدينة رفح، أو في جنوب لبنان. إذ أن الأيام القليلة الماضية شهدت تصعيداً إسرائيلياً كبيراً في مسار العمليات واستهداف الدراجات النارية وإلحاق خسائر بشرية كبيرة، وسط تضارب في الاستنتاجات إذا كان هذا التصعيد قد يسبق وقفاً لإطلاق النار وإرساء تفاهمات معينة، أم أنه مقدمة لتصعيد أكبر، خصوصاً في ظل الضغوط التي تتعرض لها حكومة نتنياهو من قبل سكان المستوطنات الشمالية، الذين يعتبرون أن الحكومة تخلت عنهم ويرفضون استمرار التواصل والتنسيق معها. وقد دعوا الجيش إلى مغادرة مناطقهم لأنه لا يمتلك خطة لمعالجة الوضع في الشمال وتغيير الوقائع.
واللافت أن ذلك يأتي بعد زيارة أجراها نتنياهو الأسبوع الفائت إلى الشمال، وتوعد بوضع خطط جديدة تتسم بالمفاجآت. في موازاة تصعيد السكان ضد الحكومة ومطالبتها بتغيير الوقائع، أعلن الجيش الإسرائيلي عن إجرائه مناورة عسكرية تحاكي شن حرب برية على لبنان. هي ليست المرة الأولى التي يجري فيها الجيش الإسرائيلي مثل هذه المناورات، تماماً كما هو الحال منذ أشهر بالنسبة إلى التهديدات المتكررة، التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون باتجاه حزب الله ولبنان. تعود الوقائع إلى حالة من التسابق بين المساعي السياسية والديبلوماسية، وبين التصعيد التدريجي الذي يمكن أن يسبب انفجاراً أكبر.