كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يشهد الملف الرئاسي حركة لافتة، ويحاول البعض إمرار هذا الإستحقاق أو سرقة اللحظة. وتدلّ المؤشرات كلّها على عدم وجود عوامل قد تؤدّي إلى تصاعد الدخان الأبيض قريباً. وفي انتظار ما ستأتي به اللقاءات يزور لبنان الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان هذا الأسبوع لمحاولة دفع عجلة الاستحقاق الرئاسي.
تتوزّع الحركة الرئاسية بين لبنان والخارج، وإذا كانت اللجنة الخُماسية تعقد اللقاءات وينسّق بعضها مع بعض، إلا أنّ كل دولة من هذه اللجنة تحاول فعل شيء، أو أقلّه الحصول على شرف المحاولة. ولا يوجد في الداخل اللبناني سوى مبادرة تكتّل «الاعتدال الوطني»، وهذه المبادرة سلكت طريقها وحقّقت خرقاً مهماً، لكن الثنائي الشيعي عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي فرملها باشتراط ترؤّسه الحوار وتمسّك «الثنائي» بمرشحه رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية.
نالت مبادرة «الاعتدال» دعم اللجنة الخُماسية، لكنها توقّفت في انتظار تغيير موقف الثنائي الشيعي. وما هو جديد على الساحة محاولة دول «الخُماسية» تحقيق خرق ما. وفي هذا الإطار، تُكثّف قطر حراكها ولقاءاتها، وهي تقوم بجولة إتصالات مع المسؤولين اللبنانيين، إما بواسطة سفيرها في بيروت أو بالزيارات التي يقوم بها مسؤولون لبنانيون إلى الدوحة، وكان أبرزها زيارة النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط.
وسجّل دخول سعودي جديد على خط الأزمة الرئاسية تمثّل بمحاولة السفير السعودي وليد البخاري إجراء مشاورات مكوكية بين الأطراف المتخاصمة. ويعطي هذا الأمر دفعاً أو مؤشّراً بقرب تسهيل انتخاب رئيس، خصوصاً أنه ترافق مع اتصال بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وتحاول باريس البحث عن إنجاز رئاسي جديد، وتسبق زيارة لودريان إلى بيروت محاولة ماكينات الثنائي الشيعي الترويج لأخبار تُفيد بعودة باريس إلى تبنّي ترشيح فرنجية مقابل أن يكون رئيس الحكومة من فريق 14 آذار. وتنفي أوساط مطّلعة على الإتصالات الجارية تبنّي باريس أو أي دولة من «الخُماسية» مثل هذا الخيار، بل إن الأمور تذهب في اتّجاه دعم الخيار الثالث، وهذا الأمر بات الثنائي الشيعي وبقية الأطراف على اطّلاع به.
يزور لودريان بيروت في محاولة للدفع بالإستحقاق الرئاسي قُدماً، وإذا كان يأتي لهدف نبيل، إلا أنّ المخاوف تنبع من كثرة الطبّاخين ومحاولة كل فريق أو دولة تجيير أي مبادرة لمصلحتها. فالتجارب مع الفرنسيين لا تُشجّع ودخولهم على الخطّ قد لا يؤتي ثماره. وإذا كانت المعطيات تؤكّد محاولة لودريان الدفع في اتجاه الحوار، أو العمل على عقد لقاء شبيه بلقاءات «سان كلو» الحوارية، فهذا الأمر سترفضه المعارضة، لأنّ موقفها واضح وهو احترام الدستور والإلتئام في مجلس النواب لإنتخاب رئيس، لا مخالفة الدستور والذهاب إلى حوار من أجل فرض مرشّح أو أقلّه فرض شروط الممانعة وتكريس أعراف جديدة.
من جهتها، لا يُعتبر موقف بكركي بعيداً عن موقف المعارضة، فالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كان من أول رافضي الحوارات التي لا توصل إلى مكان، مطالباً النواب بالقيام بواجبهم بالاجتماع في المجلس لإنتخاب رئيس، وإذا كان هناك من داعٍ للحوار فيعقد برئاسة رئيس الجمهورية بعد انتخابه.
وعلى رغم الموقف المبدئي لبكركي، إلا أنّ البطريرك سيتعامل بإيجابية مع زيارة لودريان من ضمن المبادئ التي يُنادي بها، وهو لن يُقفل باب الحلول، ومثله ستفعل كتلة «الاعتدال» التي حاولت القيام بشيء ما لكنها اصطدمت بحائط الثنائي الشيعي.
تُعتبر باريس من أركان اللجنة الخُماسية، وبالطبع قد تعطي زيارة لودريان بعض الإيجابية بعد محاولة فصل ملف الرئاسة عن حرب غزة وأزمات المنطقة، لكن إذا لم تحسم واشنطن موقفها، فكل ما يحصل من مشاورات وحوارات لن يوصل إلى نتيجة.