كتب منير الربيع في “المدن”:
لم يخرج مؤتمر بروكسيل المخصص لبحث الملف السوري، بأي نتيجة عملية تشير إلى القدرة على إنتاج حلّ سياسي للأزمة السورية، ولا تقديم حلّ عملي للتعاطي مع ملف اللاجئين، الذين لا تريد اوروبا لهم أن يتسربوا إلى أراضيها، فيما المجتمعات المضيفة في جوار سوريا تعاني وتضغط في سبيل العمل على إعادتهم إلى بلادهم.
جدد الأوروبيون نظام عقوباتهم على النظام السوري لسنة إضافية. وهذا يعني تأجيل حل الأزمة، في موازاة استمرار مفاعيل قانون قيصر الأميركي. وذلك يحيل الأزمة السورية إلى ما هو أعمق بكثير من أن تتمكن دول عربية أو غربية في إرساء معالم الحل السياسي للأزمة السورية.
ثلاث أزمات
اجتمع لبنان على موقف موحد تجاه ملف اللاجئين السوريين، لكن ذلك يحتاج إلى مسار طويل، وسط مساع مع دول مضيفة أخرى، كمصر والأردن وتركيا، للدفع في اتجاه البحث عن حلول. أما في أوروبا، فالانقسام يزداد على أبواب انتخابات البرلمان الأوروبي، وسط ضغوط من قبل دول في أوروبا الشرقية للانفتاح على دمشق والتنسيق معها، وتقديم مساعدات، لمنع المزيد من موجهات الهجرة، وللبحث في إمكانية إعادة أعداد من اللاجئين من الدول المضيفة.
أمام هذه الوقائع، يواجه لبنان ثلاث أزمات أو استحقاقات كبرى، لا قدرة له على حلّها، وهي تبدو خارج نطاق صلاحيات الدولة فيه.
أولاً، ملف تطورات الوضع في الجنوب والمواجهة المفتوحة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. وهي مرتبطة بمسار الحرب على غزة، وبتصور إقليمي شامل، وبمفاوضات أميركية إيرانية، ومفاوضات بين الأميركيين والثنائي الشيعي.
ثانياً، ملف الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي، وسط عجز لبناني عن إنتاج أي حل أو صيغة لبرامج الإصلاح وإعادة الهيكلة. وهذه ستكون مرتبطة بتسوية شاملة بين الداخل والخارج على وضع تصور لتلك الخطط، التي ستكون بحاجة إلى مسار طويل جداً.
ثالثاً، ملف اللاجئين السوريين. إذ لا يبدو لبنان قادراً على حلّ هذه المشكلة، التي أصبح غالبية اللبنانيين ينظرون إليها باعتبارها مشكلة وجودية، لا سيما أن التخوف اللبناني يقوم على فكرة “كل مؤقت يصبح ثابتاً”.
الحفاظ على الوجود
يصعّد اللبنانيون من مواقفهم المعترضة على إبقاء اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، تحت عنوان الحفاظ على الكيان اللبناني، ومنع تغير ملامحه، أو ديمغرافيته. في المقابل، فإن عملية تهجير السوريين جاءت في سياق إعادة رسم معالم سوريا سياسياً وديمغرافياً، وكنوع من تهديد النسيج الاجتماعي السوري. ما يجعل المصلحة العليا للاجئين هي في العودة إلى سوريا، لا البقاء في لبنان، ولا الهجرة إلى أوروبا أو التشتت في أصقاع العالم.
صحيح أن ما يجتمع عليه اللبنانيون، يتصل بـ”الحفاظ على الوجود”، أو بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والمالية السلبية لملف اللجوء. إلا أن المشكلة الأكبر، تتصل بمسار مفتوح من الحروب ممتدة منذ عقود، تسهم في تغيير الخرائط الجغرافية والديمغرافية، وتحديداً منذ حرب العراق في العام 2003، وسط مسار لا يزال مستمراً لتحقيق الفرز الاجتماعي والديمغرافي، وعمليات التهجير الممنهج التي حصلت للعراقيين. الأمر نفسه ينطبق على سوريا والتهجير الممنهج الذي تعرض له السوريون، ليس باتجاه لبنان فقط. علماً انه على الصعيد اللبناني يمكن إطلاق مواقف متناقضة حيال اللاجئين، بعضها يصفهم بأنهم أكثرية سنّية، وبعضها الآخر يصفهم باللاجئين الاقتصاديين، وبعض ثالث يصف الكثير منهم بأنهم من مؤيدي النظام، الذي تم إخراجه من لبنان عسكرياً في العام 2005، فعاد بشكل اجتماعي ديموغرافي ولا يزال قائماً.
المشرق العربي وسكانه
ما يجري يندرج في سياق إعادة تشكيل المشرق العربي اجتماعياً، سياسياً، اقتصادياً، ديمغرافياً. إذ لا يمكن فصل ما جرى في سوريا والعراق، عن ما يجري اليوم في فلسطين، وقطاع غزة تحديداً، من خلال عملية التهجير الممنهجة التي يريد الإسرائيليون تحقيقها وتكريسها، باستخدام القوة وارتكاب المجازر. وكان الإسرائيليون في غاية الصراحة عندما تحدثوا عن وجوب إخراج سكان قطاع غزة إلى سيناء أو إلى دول أخرى.
هنا لا يمكن اغفال النخبة الفلسطينية في الضفة الغربية التي هاجرت، بالإضافة إلى الخطط الإسرائيلية المنهجية التي تهدف إلى تهجير المزيد من فلسطينيي الضفة، والعودة إلى اعتماد سياسة الاستيطان في موازاة حرب التهجير التي تخوضها في غزة.
لبنان في قلب هذا الخطر، وهو الذي يشهد حرباً مدمرة في الجنوب، تسعى من خلالها إسرائيل إلى تهجير مناطق الشريط الحدودي وعلى امتداد مسافة 5 كلم من خلال عمليات التدمير الممنهج، في مقابل الهجرة الكبيرة التي شهدها لبنان في السنوات الماضية وتكاثرت منذ العام 2019 إلى اليوم.