كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
كافية كانت كلمة الممثل السامي للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزف بوريل في ختام مؤتمر بروكسل الثامن الذي عُقد يوم أمس على وقع تظاهرة لبنانية أمام قصر العدل رفضاً لإبقاء النازحين السوريين. فبالمباشر قال بوريل” أن الظروف غير مكتملة لعودة السوريين إلى بلادهم وعلى النظام السوري العمل كي يتسنى لمواطنيه العودة إلى سوريا”.
وكما كان متوقعا، فإن نتائج المؤتمر كانت على حد الخيبة وأكثر أقله بالنسبة للبنانيين. فهمُّ المشاركين كان مصوبا على “التحذير من مغبة نسيان سوريا وملايين النازحين فيها داخلياً واللاجئين إلى البلدان المجاورة”. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتخصيص أكثر من ملياري دولار لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة، ورفض أي حديث عن عودة محتملة إلى وطنهم، لأن ظروف العودة الطوعية والآمنة ليست مهيأة”!.
عن أية ظروف تحدث بوريل، وبالتالي ما هي الظروف المؤاتية لعودة النازحين ومتى تدق ساعة العودة؟ لا جواب أقله من جانب بوريل والإتحاد الأوروبي. وباستثناء حرصه العميق على ضرورة “تعميق الحوار بين جميع الأطراف المعنية بالوضع في سوريا وإن التزامنا لا يمكن أن ينتهي بالتعهدات المالية وحدها ولا بد أن نعيد مضاعفة جهودنا لإيجاد حل سياسي للصراع” لا كلام عن عودة النازحين.
موقف بوريل لاقى اعتراضا من قبل نواب تكتل الجمهورية القوية الذين كانوا يقفون في صفوف المعتصمين أمام قصر العدل .أما في الداخل وفيما كانت الغالبية تتكلم عن أن الوضع غير مهيأ بعد في سوريا لعودة من خرج منها، قال وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب “إن لبنان بكل أطيافه السياسية والدينية والاجتماعية قد وصل إلى نقطة اللاعودة في قضية اللاجئين مطالباً بتسريع عودتهم الآمنة والكريمة، وبترحيل الذين تتعذر عودتهم لأسباب سياسية إلى بلدان ثالثة، وفقاً لمبدأ تقاسم الأعباء. واعتبر أن تصرف مفوضية اللاجئين هو للمماطلة وشراء الوقت، وأنها أصبحت جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل”
الأكيد أن واقع الحال بين لقاء العام الماضي في بروكسل وهذه السنة ازداد سوءا . وتحول لبنان إلى سجن كبير ولم يعد قادراً على تحمل هذا الكم من النزوح إلى حين تنضج الظروف في سوريا.
رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوات اللبنانية” الوزير السابق ريشار قيومجيان يؤكد لـ”المركزية” أن نتائج مؤتمر بروكسل كانت متوقعة وتحديدا في ما خص موقف الإتحاد من عودة النازحين إلى سوريا و جمع الأموال لمساعدتهم في لبنان وتركيا والأردن. وقد بلغ مجموعها حوالى ملياري دولار، ولا نعلم ما هي القيمة المخصصة للبنان. لكن الأكيد أن الجزء الأكبر منها سيذهب إلى النازحين في كل من تركيا والأردن”.
إذا ما حصل كان متوقعا وبغض النظر عن كلام بوريل “فنحن نؤمن بحتمية عودة النازحين سواء إلى مناطق النظام أو المعارضة، أيضا نحن مستمرون في عملنا وفقا للقوانين المعمول بها سواء لجهة تطبيق قانون العمل والحصول على إقامات شرعية. بالتوازي سيصار إلى مزيد من الضغط على أجهزة الدولة لضبط الحدود ومنع عودة النازحين الذين يخرجون من لبنان بطريقة غير شرعية. كذلك الأمر بالنسبة إلى البلديات التي بدأت تتحرك على مستوى تنظيم النزوح، كل في إطاره المحلي والسلطات المحلية وتحديدا وزارة الداخلية والبلديات وكل هذا يصب في إطار تطبيق القوانين واحترام السيادة، من هنا لن نتراجع خطوة واحدة إلى الوراء”.
مطلبان رئيسيان وضعتهما كتلة الجمهورية القوية أمام الإتحاد الأوروبي “الإقرار بوجود مناطق آمنة داخل سوريا وإرسال المساعدات إلى السوريين داخل سوريا “. ويضيف قيومجيان “بوريل يقول أن ظروف العودة الطوعية غير آمنة فهل نفهم من ذلك أن على لبنان أن ينتظر إلى ما شاء الله حتى تتحسن الظروف السياسية في سوريا ويعود النازحون إلى بيوتهم؟ وهل المطلوب أن ينتظر اللبنانيون عامين أو أكثر حتى يكتشفوا آنذاك أن عدد السوريين بات يوازي عدد الشعب اللبناني وربما أكثر؟
بالتوازي مع موعد انعقاد المؤتمر كانت جلسة لحكومة تصريف الأعمال في السراي، صدرت عنها سلسلة مقررات أبرزها تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي للتواصل مع الحكومة السورية، وعضوية بعض الوزراء يقررها المجلس في جلسته المقبلة، لمتابعة مسألة عودة السوريين إلى بلدهم.
رب قائل إن التاريخ يعيد نفسه لكن “ما يهمنا هو النتيجة ” يقول قيومجيان مضيفا: “على الحكومة اللبنانية أن تكون أكثر جدية في طرح مسألة عودة النازحين مع الحكومة السورية وأن تواصل الأجهزة الأمنية عملها في مسالة ضبط الحدود وترحيل النازحين غير الشرعيين. وإذا رفض النظام السوري هذين الطرحين فهذا يعني أنه مستمر في ابتزاز ورقة النازحين وهو يساوم على بقائهم مقابل إعادة إعمار سوريا ورفع العقوبات وهذا الأمر واضح لكننا نعطي فرصة للحكومة اللبنانية ونترقب النتائج”.
” ما يعنينا أن مسألة النزوح باتت تشكل خطرا على هوية لبنان ووجودنا، ومصرون على إيجاد الحلول وتطبيقها وفقا للقوانين وسنعمل يما يمليه عليه ضميرنا الوطني. ومصلحتنا الوطنية تقضي بأن نمضي قدما وفق القوانين المرعية ونمد أيدينا للأجهزة الأمنية والبلديات شرط ان يلاقينا الشعب اللبناني ويفهم أن حفنة دولارات مقابل بدل إيجار محل تجاري أو منزل لنازح سوري هو بداية مشروع احتلال ديمغرافي. علينا أن نكون أكثر وعيا. وإذا ما خُيرنا بين وجودنا وهوية بلدنا وبين إرضاء النازح السوري تفاديا لاستعلاء روح الكراهية والعنصرية لديه فنحن حتما مع الخيار الأول شاء من شاء وأبى من أبى” يختم قيومجيان.