IMLebanon

لودريان أمام البحث عن بدائل الفراغ

كتب محمد شقير في “نداء الوطن”:

أنهى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان زيارته السادسة إلى لبنان، من دون أن يتمكن من تحقيق اختراق يمكن التأسيس عليه لإخراج انتخاب رئيس للجمهورية من التأزم، على مشارف انقضاء عام على تعذّر عقد البرلمان الجلسات المخصصة لانتخاب الرئيس، في ظل تخبط الكتل النيابية في انقسام حاد يحول دون فتح نافذة في جدار الأزمة الرئاسية.
ومع أن لودريان تحدث بإيجابية عن الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس المجلس النيابي نبيه بري، بموافقته على استبدال دعوته للحوار بالتشاور، فإن تفاصيل التشاور بقيت عالقة على خلفية تعذّر التوافق على الآلية الواجب اتباعها لوضعه على نار حامية، خصوصاً وأن التشاور، من وجهة نظر مصدر بارز في حزب «القوات اللبنانية»، ما هو إلا الوجه الآخر للحوار الذي يصرّ بري على رعايته، ويتعارض مع المنطوق الدستوري الذي ينص على الدعوة لجلسة مفتوحة بدورات متتالية إلى حين انتخاب الرئيس، وهذا ما يضع لودريان أمام البحث عن بدائل لوقف التمديد للفراغ الرئاسي.

تحذيرات لودريان
وعلى رغم أن لودريان أطلق مجموعة من التحذيرات في لقاءاته برؤساء الكتل النيابية، في محاولة لدفعها للتلاقي في منتصف الطريق لتسهيل انتخاب الرئيس، بدعم ومساندة من سفراء اللجنة «الخماسية»، فإن تحذيراته، كما يقول مصدر سياسي بارز مواكب للقاءاته لـ«الشرق الأوسط»، لم تلقَ التجاوب المطلوب، ولم يؤخذ بها كما يجب، وإن كان ركّز في معظم اجتماعاته على أن الحل للمعضلة الرئاسية يكمن في ترجيح الخيار الرئاسي الثالث، في مقابل تمسك الثنائي الشيعي بدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؛ وذلك بالتناغم مع جزم الأخير، أي فرنجية، كما أبلغ لودريان، بأنه ماضٍ في ترشحه حتى لو بقي وحيداً.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن لودريان، عندما تحدث عن الخيار الرئاسي الثالث، لم يأتِ على ذكر دعوته لفرنجية ومنافسه الوزير السابق جهاد أزعور إلى الانسحاب من السباق الرئاسي، كما أنه لم تُعرف الدوافع التي أملت عليه استثناء النواب المنتمين إلى «قوى التغيير» من لقاءاته، في حين عزت السفارة الفرنسية السبب إلى أن لقاءاته اقتصرت على الكتل التي تضم أربعة نواب فما فوق.

وكشف المصدر السياسي، أن لودريان أطلق مجموعة من التحذيرات ركز فيها على أن هناك فرصة تجب الإفادة منها لانتخاب الرئيس قبل حلول فصل الصيف، لئلا يطول أمد الفراغ الرئاسي لسنة أو أكثر، وهذا يعني أن لبنان السياسي سينتهي ولن يبقى منه سوى لبنان الجغرافي، أي «أرض بلا دولة».

لا منافسة مع «الخماسية»
وشدد لودريان، بحسب المصدر نفسه، على أن الأزمة اللبنانية ستُدرج على جدول أعمال القمة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأميركي جو بايدن، التي تُعقد في باريس في السادس من شهر يونيو (حزيران) المقبل، وقال إن هناك ضرورة إلى تمرير رسالة سياسية إليهما من قِبل الكتل النيابية، تنم عن رغبتها بالتلاقي بانتخاب رئيس للجمهورية، لما سيكون لها من صدى إيجابي يترتب عليه توفير الدعم للبنان للانتقال إلى مرحلة التعافي، ورأى أن مقاربته للملف الرئاسي هذه المرة تأتي بالتزامن مع انعقاد القمة للتأكد من مدى استعداد هذه الكتل لتبادل التسهيلات لوقف تعطيل انتخاب الرئيس.

ولفت لودريان إلى أن مهمته هذه تتكامل مع الدور الذي يقوم به سفراء «الخماسية»، وقال إنه لا صحة لما يشاع، من حين لآخر، بأنه يدخل في مبارزة معهم، وأن تكليفه بهذه المهمة من قبل الرئيس ماكرون لا يعني الالتفاف على دور السفراء، بمقدار ما أنه يشكّل دافعاً لتسهيل انتخاب الرئيس.

وأكد لودريان، كما يقول المصدر السياسي، أنه استبق زيارته للبنان بالتواصل مع كبار المسؤولين في الدول الأعضاء في «الخماسية»، وتداول معهم ما آلت إليه المشاورات، أكانت دولية أو إقليمية، لحث النواب على إنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد؛ لأن لا مصلحة للبنان بإدراجه على لائحة الانتظار، وسأل: ما الجدوى من عدم التجاوب مع دول «الخماسية» بتسهيل انتخاب الرئيس، خصوصاً أن لهذه الدول ثقلاً سياسياً يتجاوز الإقليم إلى المجتمع الدولي، ولا يمكن إدارة الظهر لها أو الاستخفاف بها؟

دور لجنبلاط الأب والابن
لكن الجديد في زيارة لودريان يكمن في أمرين: الأول يتعلق، كما يقول المصدر السياسي، في حثه الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ونجله تيمور، رئيس «اللقاء الديمقراطي»، على ضرورة تكثيف اتصالاتهما برؤساء الكتل النيابية لإنهاء الشغور، كونهما يتموضعان في منتصف الطريق بين محور الممانعة والمعارضة، ولديهما القدرة على التواصل.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن جنبلاط (الأب والابن) أبديا استعدادهما للتجاوب مع رغبة لودريان للقيام بمروحة من الاتصالات، إنما على قاعدة ترجيح الخيار الرئاسي الثالث.

وتردد أن لودريان أبدى رغبة مماثلة عندما التقى كتلتي «الاعتدال» و«لبنان الجديد»، وطلب من الأولى أن تعاود تواصلها بالكتل النيابية استكمالاً لمبادرتها التي كانت أطلقتها لتسهيل انتخاب الرئيس.

إيجابية حيال موقف بري ورعد
وعلى رغم أن لودريان تجنب الدخول في أسماء المرشحين أو في تكرار الأسئلة التي كان طرحها على النواب في زيارته السابقة، والمتعلقة بالمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس، فإنه أبدى إيجابية حيال الموقف الجامع للرئيس بري ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد، وخلاصته عدم ربطهما انتخاب الرئيس بالوضع في الجنوب، مع تمسكهما بدعم فرنجية.

فـ«حزب الله»، بلسان النائب رعد، جدّد تأكيده أن الرئيس بري هو من يدعو إلى الحوار ويرعاه، وأن فصل الرئاسة عن الوضع المشتعل في الجنوب لا يعني امتناع الحزب عن مساندة «حماس» والاستعداد للدخول في مفاوضات لإعادة الهدوء إلى الجنوب بتطبيق القرار 1701 ما لم توقف إسرائيل النار على الجبهة الغزاوية، مع أن لودريان نأى بنفسه عن التطرق إلى تصاعد المواجهة جنوباً؛ لأن الوسيط الأميركي أموس هوكستين هو من يتولى ملف الجنوب، وبالتالي فإنه ليس في وارد الدخول معه في منافسة.

ويبقى السؤال: كيف سيتصرف سفراء «الخماسية» من الآن وصاعداً؟ وهل من رد فعل أميركي – فرنسي على المراوحة التي اصطدم بها لودريان لإخراج انتخاب الرئيس من التأزم؟ أم أن باريس وواشنطن تفضّلان أن يأتي الرد من ممثلي الدول الأعضاء في «الخماسية»؟