كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
يكاد لا يمرّ يوم واحد من دون أن تتعرّض عيتا الشعب للغارات والقصف الإسرائيلي، ما جعلها البلدة الأكثر تضرّراً في القطاع الغربي، وقد ذاع صيتها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز العام 2006، إذ منها اخترق مقاتلو «حزب الله» الحدود في منطقة خلّة وردة وعادوا بأسيرين.
والبلدة التي تقع عند أطراف رامية والقوزح، رميش ودبل، تقابلها ثلاثة مواقع إسرائيلية هي: الراهب، شتولا وبرانيت، وقد تحوّلت عنواناً للصمود الجنوبي، نالت حصة الأسد في حرب الإسناد اليوم، دمّرت أحياء بكاملها ومعها مقوّمات الحياة. ومنها محطات الوقود ومعصرة للزيتون ومحلات تجارية، كما أحرقت أشجار السنديان وتعطّل إنتاج مواسم الزيتون والتبغ وزيت الغار.
وأكد رئيس البلدية محمد سرور لـ»نداء الوطن» أن «البلدة منكوبة بكل المعايير»، مشيراً إلى أنّ إسرائيل «تعمد إلى تدمير منازلها وحرق أشجارها المثمرة، لأنها تقصف البلدة من دون أن يطلق أي مقاوم النار منها، إنها تهرب من المواجهة العسكرية باستهداف المدنيين وقطع أرزاقهم». وأضاف «في عيتا نحو 3000 منزلٍ، دمّر 80% منها بشكل كامل أو جزئيّ، وعلى طول الطريق الرئيسي من مدخل البلدة في رميش إلى حدود راميا، غالبية المنازل دمّرت، والذي ظلّ صامداً يحتاج إلى جرف وبناء من جديد، لقد بات غير صالح للسكن».
ورأى أنّ إسرائيل «تعمّدت أيضاً القضاء على مواسم الزيتون وأشجار السنديان وشتول التبغ وعلى كل البنى التحتية، تريد أن تجعلها بلدة غير قابلة للحياة مجدّداً، لكننا سنعود إليها ونعيد بناء ما تهدّم»، ودعا الدولة إلى «القيام بواجباتها والتعويض على أصحاب الأراضي التي كانت تزرع بالتبغ لأنها مصدر عيشهم».
وطالب سرور الريجي بالتعويض على المزارعين «وفق معادلة عن كل دونم 100 كيلو، وهكذا دواليك، لأنّ أبناء عيتا يعتمدون على التبغ بشكل رئيسي»، محذراً من «كارثة الحرائق التي يمكن أن تندلع في البلدة صيفاً بسبب الأعشاب اليابسة وطولها وعدم قطعها من الأهالي». وقال: «إن ّما يتوق إليه أهالي عيتا الشعب هو وقف العدوان الإسرائيلي، حتى يتمكنوا من العودة إلى البلدة. ينتظرنا عمل طويل من البناء والإعمار وإعادة الزراعة والحياة من جديد، لقد خرّبت إسرائيل كل شيء وأحرقت الأرض والزرع».
الدخول إلى عيتا الشعب اليوم يعتبر مخاطرة كبرى، ولكن تشييع ابنيها حسين يوسف صالح ورفيق حسن قاسم، أتاح للمئات من النازحين إلى مناطق أكثر أمناً في صور وبيروت بتفقدها لساعات، «كانت البلدة تلملم جراحها وتجمع أبناءها التائهين في قرى غير قريتهم، لكنها تشبهها»، كما تقول الحاجة زينب قاسم. وتضيف: «الحمد لله بقينا أحياء بفضل من يدافع عنّا، انهم يسقطون فداء للأرض، والواجب علينا حملهم والمسير بهم في شوارع الضيعة». نحو ألف شخص بين قاطن ونازح قسري مشوا في مسيرة التشييع ليتفقدوا بيوتهم وينتشلوا ما بقي من أثاث منازلهم.
وعلى مرّ العقود السابقة ارتبطت عيتا الشعب بالمقاومة منذ نكبة فلسطين العام 1948 وكانت قبلة العمل الفدائي والثوري واليساري، واليوم هي «أم العزّ» كما يصفها حسن باجوق وهو من سكانها، إنها عيتا، قلعة الشعب فدخانها (تبغها) الذي يشك في أرضها يعمي العدو.
ويقول نضال قاسم الذي عاد للمشاركة بالتشييع، «لا نترك فرصة سانحة للعودة إلى البلدة إلا ونفعل، لكن هذه المرة الأضرار كبيرة جداً، تكاد لا تخلو دسكرة ولا زاروب ولا شارع رئيسي إلا وبصمة العدو عليها، مساكن تحوّلت من قصور وفلل إلى أكوام من الردم، ولكننا لا نأسف، إنها فداء للمقاومة، والمهم إننا هنا لا نتزحزح وسنعود». ويروي قاسم أن ابن عمه الذي قتل في غارة إسرائيلية وجرى تشييعه، «كان يمثل صوت البلدة وصورتها، ينقل أخبار الاعتداءات إلى الناس ويطمئنهم الى بيوتهم وأرزاقهم، ويقدّم المساعدة من طعام وشراب إلى الحيوانات التي بقيت صامدة، وتحديداً القطط والكلاب». ويقول رامز سرور «إنّ الغارات الإسرائيلية الهمجية أجبرت غالبية سكان البلدة على النزوح قسراً، ولكننا توّاقون للعودة، وسنعيد بناء ما تهدّم في إرادة تحدّ للعدو الذي لا يتورّع عن ارتكاب المجازر والانتقام من المدنيين بسبب خسائره من المقاومة».
وسط البلدة، استغل الطفلان أحمد ومحمد حيدر الهدوء الموقت، كانا يلعبان بالكرة قرب منزلهما المتصدّع والمتضرّر جزئياً، جذبا عدسات المصورين، يرفع محمد الكرة ويقول «بدي إرجع للعب باطمئنان هنا».