كتب منير الربيع في “المدن”:
إن كان مصادفة أن يتزامن الموقف الذي أطلقه المبعوث الأميركي، آموس هوكشتاين، حول وساطته لمعالجة الوضع في الجنوب بين لبنان واسرائيل، مع مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، لبيروت، من دون تحقيق أي خرق جدّي على طريق المساعي الفرنسية لانتاج رئيس للجمهورية.. إلا أن المضمون يشهد تضارباً على وقع المساعي الفرنسية للتقاطع مع الأميركيين، خصوصاً في ظل التحضير للقمة الأميركية- الفرنسية بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون.
في الموازاة أيضاً، كان وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب يزور باريس ويلتقي نظيره الفرنسي، في إطار استكمال المباحثات مع فرنسا حول الورقة التي قدّمت لمعالجة الوضع في الجنوب.
الحرص على الدور الفرنسي
يتعاطى الفرنسيون بإيجابية تتضمن إصراراً على استمرار الاضطلاع بدور لبناني، إما رئاسياً وإما حدودياً. وقد أعلنت فرنسا أن التعديلات والملاحظات التي قدمها لبنان على الورقة الفرنسية تُظهر أن لبنان يتعاطى بإيجابية معها، بخلاف إسرائيل التي لم تقدم أي إجابة. لبنان حريص على استمرار الدور الفرنسي، وخصوصاً على المستوى الحدودي، باعتبار أن باريس يمكنها أن تكون عنصراً مسهلاً ومتضامناً، ومنعاً لترك الساحة وحدها أمام واشنطن، التي يعتبرها رأي لبناني أنها غالباً ما تراعي المصالح الإسرائيلية. في هذا الإطار، شهد لبنان نقاشات تخللتها نصائح الى المعنيين بضرورة استعادة الاهتمام الفرنسي حدودياً، خصوصاً أن باريس في مقترحها تشير إلى استعادة تفاهم نيسان 1996. وهو التفاهم الذي شرعن المقاومة ووضع قواعد الاشتباك. هذه النصائح تلقفها الحزب، باعتبار أنه يريد المحافظة على قواعد الاشتباك وشرعنة عمل المقاومة.
مقترح هوكشتاين
في مقابل هذه المساعي الفرنسية الدائمة، فإن الأنظار تتجه نحو ما سيقوم به المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. فالقناعة اللبنانية لا تزال تعتبر انه فور انتهاء الحرب في غزة سيتوجه هوكشتاين إلى لبنان، لمباشرة المساعي وفق المقترح الذي تقدم به، وأشار فيه إلى أنه سيكون على ثلاثة مراحل، والتي أصبحت معروفة. إذ قال هوكشتاين “إن البداية ستكون بالسماح لسكان المجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم، ولسكان المجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى منازلهم”. وأضاف، “إن جزءاً من ذلك سيتطلب تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد وتدريب وتجهيز القوات”، من دون أن يوضح كيف سيتم ذلك. أما المرحلة الثانية فستشمل حزمة اقتصادية للبنان “والتأكد من أن المجتمع الدولي يظهر للشعب اللبناني أننا نستثمر فيه”. ولفت إلى أن المرحلة الأخيرة ستكون اتفاق الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. وقال إنه إذا استقر الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، فقد يساعد ذلك في تقليص نفوذ إيران هناك.
ما بعد “الخماسية”
إلى جانب محاولة لبنان الاستفادة من المساعي الفرنسية، رغم اجهاض مساعي باريس رئاسياً، يراهن بعض اللبنانيين على مسارات مختلفة عن مسار الخماسية لإنتاج تسوية سياسية ورئاسية. وهذه المسارات ستكون في الكواليس الديبلوماسية بين الدول، فرادى ومثنى، وقد تتسع الدائرة إلى ثلاث دول مثلاً، تتقاطع وتعمل مع بعضها البعض على إنضاج الحل، الذي سيكون مترابطاً بمسارات المنطقة ككل، من المفاوضات الإيرانية الأميركية، إلى المساعي القائمة في سبيل وقف إطلاق النار في غزة وانسحابها على جنوب لبنان.
وهنا التقاطع سيكون بين الجهات المعنية بإنجاز وقف إطلاق النار، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، إيران، ودولة قطر. وربما يكون ذلك جزءاً من المسارات التي ستتكامل، ولا بد لها أن تنعكس في لبنان، في ظل المعلومات التي تشير إلى أن سفراء الدول الخمس لن يعاودوا اجتماعاتهم لمواكبة الملف الرئاسي، حسب ما ينقل مصدر بارز نقلاً عن أحدهم.