كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
للمرة الثانية يجلس رئيس النظام السوري، بشار الأسد على “كرسيه العربي” في قمة البحرين منذ إعادة العضوية لدمشق في الجامعة العربية، بعدما كان شارك للمرة الأولى في القمة العربية التي عقدت في الرياض في تشرين الثاني الماضي. لكن حضوره الثاني اقتصر على “الاستماع” ولم يخصص له وقت لإلقاء الكلمة أمام الزعماء العرب، فاقتصرت مشاركته على البحث والنقاش مع القادة المشاركين في الملفات المطروحة ضمن جدول الأعمال، لا سيما العلاقات العربية-العربية وتطورات الوضع في غزة.
إلا ان التساؤلات ارتسمت حول الأسباب التي حالت دون السماح له بإلقاء كلمة والمرجح أنها جاءت لصالحه لأنه لن يستطيع أن يتخذ أي موقف معاد من إيران، وعما يكون ارتكب من أخطاء أبرزها عدم الإلتزام بالشروط التي وضعت امامه للعودة إلى الحضن العربي وإمكانية وضع سوريا على سكة التطبيع العربي ومن أبرزها استمرار تهريب المخدرات من سوريا.
حدث تهميش الأسد في قمة البحرين ظللته الزيارة التي قام بها إلى إيران الخميس الماضي لتقديم واجب العزاء بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حيث استقبله المرشد الأعلى علي خامنئي وحملت كلمات الأخير التي وجهها للأسد “رسائل وتوجيهات”، ترسم إلى حد ما شكل العلاقة الآنية والمستقبلية التي تجمع “الحليفين”. إلا ان أبرز الرسائل جاءت في إحدى تغريدات خامنئي بحيث اشار إلى ماهية “الدور الإقليمي” الذي تلعبه سوريا وكذلك “الوعود”، كما أكد في سلسلة تغريدات لاحقة على “هوية المقاومة التي تتميز بها سوريا”، وأنه “ينبغي الحفاظ عليها”.
وبين عودة الأسد إلى الحضن العربي وكلام خامنئي الحاضن للنظام ورئيسه يطرح السؤال هل تجوز المقاربة؟
المحلل السياسي المتخصص في الشأن الدولي خالد زين الدين ينطلق في قراءته لهذه المشهدية من زاوية الأهداف التي حققتها الولايات المتحدة في الحرب السورية وتتمثل بالتالي: أولا تدمير البنى العسكرية والإقتصادية والإجتماعية من خلال قتل ألاف المفكرين وسجن العديد الباقي وإبعاد المعارضة بقرار أميركي بدليل أنه عند وصول الجيش السوري المعارض إلى ساحة الأمويين في دمشق وصلت رسالة أميركية تطلب فيها من المعارضة التراجع لأنه “ممنوع إسقاط النظام”. واستتبع ذلك بوقف الدعم الأميركي للمعارضة بالسلاح والعتاد وإلزام الجيش السوري المعارض بالعودة إلى الشمال السوري وسحب النصرة من جرود عرسال في شمالي لبنان.
الهدف الثاني يتمثل بفصل الشمال السوري الذي يحتوي على ثروات باطنية من يورانيوم وغاز عن سوريا وسيبقى الأمر كذلك بحسب عز الدين.
ثالثا قطع أجزاء من الأراضي لإنشاء دولة كردستان الكبرى وتحريك أبناء الطائفة الدرزية للمطالبة بدولة مستقلة عن سوريا.
ويضيف عز الدين لـ”المركزية” “ثمة اتفاق أميركي –روسي برعاية إسرائيلية يهدف إلى تقليم أظافر إيران مقابل غض نظر الولايات المتحدة عن الأعمال العسكرية التي تشنها روسيا على أوكرانيا. وفي السياق، يلفت إلى توقف الضربات الإسرائيلية على سوريا بعد قصف المبنى المحاذي للسفارة الإيرانية في سوريا والذي أسفر عن استشهاد قياديين في الحرس الثوري الإيراني وتوازيا ارتفعت وتيرة الضربات والقصف الروسي على أوكرانيا بعد فترة طويلة من الهدوء الحذر.
على خط الدول العربية، يؤكد عز الدين ان هدفها الوصول إلى صفر مشاكل مع إيران “وهذا ما رأيناه في مسألة تسريع الإنفتاح الإيراني-السعودي وفتح السفارات في البلدين” ويشير إلى ان “الدول العربية تتحرك تجاه بشار الأسد بضغط أميركي وهي ملزمة في الإنفتاح على الأخير لتقليم أظافر إيران ومواجهة المشروع الإيراني الذي يمتد من إيران مرورا بالبصرة في العراق وصولا إلى لبنان في مقابل تقوية مشاريعها. إنطلاقا من ذلك سنشهد على تحول جذري في المستقبل القريب في سوريا ومن أولى بوادره عودة القنوات العربية التي كانت مناهضة للنظام السوري”.
مشروع إنهاض سوريا وعودة حركة الإستثمارات فيها وإعادة إعمارها لن يتحقق إلا ببقاء بشار الأسد ولن يكون ذلك إلا من خلال الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. من هنا يتابع زين الدين ” سيعود بشار الأسد إلى الحضن العربي عاجلاً أم آجلا، لكنه لا يستطيع أن يخرج من الحضن الإيراني دفعة واحدة خصوصا ان هناك التزامات وديونا يجب أن يسددها قبل ان يخرج من عباءة النظام الإيراني وسيبقى كلام بشار المؤيد للنظام الإيراني من باب الدعاية لأن روسيا هي من يحكم سوريا اليوم وليس الأسد، وهو يخضع للقرارات الروسية والإتفاقات الموقعة مع الولايات المتحدة، ومن أبرز معالم هذا الإتفاق تصفية كبار القياديين في الحرس الثوري الإيراني أو استبدالهم بآخرين يعملون تحت أمرة روسيا” يختم زين الدين.
آخر زيارة قام بها بشار الأسد لإيران كانت في أيار 2022. قبل ذلك زارها في العام 2019. لكن بعد العام 2022 طرأت تغيرات كثيرة في المنطقة، أبرزها إعادة دول عربية علاقاتها مع نظام بشار الأسد، في تحوّل كبير لما كانت عليه سياستها عندما تحول الحراك السلمي إلى مسلح في البلاد.
فهل تكون زيارة الأسد إلى إيران للتعزية برئيسها ابراهيم رئيسي الذي قتل في حادث تحطم مروحيته بقرار أميركي- روسي، ويعود متكلما لا مستمعا وحسب في القمم العربية المقبلة؟