كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لم تحمل زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان جديداً. ومن كان يراهن على دور فرنسي لإحداث خرق سقطت رهاناته. وبين انتظار متغيّر خارجي ومحاولة القيام بمبادرات داخلية، تستمرّ الجمهورية بلا رئيس وسط استحقاقات مالية وسياسية وأمنية وأزمات لا أحد يعرف كيف تنتهي. حطّ لودريان في بيروت الأسبوع الماضي، وأجرى جولة اتصالات ومشاورات، وقال بعض من التقاه إنّ جولته استعراضية أكثر ممّا هي للبحث في حلول جدّية أو طرح مبادرة جديدة. أما الموقف الحاسم الذي قاله لودريان فهو ما تؤكّد عليه اللجنة الخُماسية، أي الذهاب إلى الاسم الثالث.
وإذا كان فريق المعارضة والوسطيين مقتنعين بهذا الخيار، تبقى العقدة عند «حزب الله» وحركة «أمل» على الرغم من الإيجابية الظاهرة التي أبدياها أمام لودريان، في حين كان اللقاء بين الأخير والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أساسياً، وعمد البطريرك إلى تصويب الأمور والتشديد على احترام الدستور.
إذاً، قالت بكركي كلمتها منذ مدة ولم تنتظر لودريان أو أي موفد آخر من أجل الإفصاح عن موقفها. وإذا كان لودريان مقتنعاً بالخيار الثالث أو بالخيار الجديد غير الوزير السابق جهاد أزعور ورئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، فإنّ بكركي مع هذا الخيار.
وتُعرب بكركي وسيّدها عن رفض الدخول في لعبة الأسماء، فمحاولة راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم كانت لفتح طريق الحوار أمام القوى المسيحية والوطنية، وكل قوة وفريق سمّى مرشحاً أو أكثر، لكن أن يُحشر الراعي في تقديم لائحة مرشحين ويعرف أن لا نية لانتخاب رئيس في الوقت الحالي فهذا فخّ لن يقع البطريرك فيه، خصوصاً بعد ربط مصير لبنان بما يجري في غزة والمنطقة.
وهذا الموقف وصل إلى مسامع لودريان والإدارة الفرنسية، حيث يعتبر البطريرك أنّ مجلس النواب سيّد نفسه، والشعب اختار النواب وانتخبهم للقيام بواجباتهم، وأبسط واجب هو انتخاب رئيس، فالبطريركية المارونية لن تحلّ مكان المؤسسات الشرعية.
وإذا وصلت الأمور إلى حائط مسدود، فبكركي مستعدّة للتشاور وتقريب وُجهات النظر، لكن كما يظهر لا نيّة لفريق معيّن في انتخاب رئيس قبل جلاء الصورة الإقليمية، إضافةً إلى ربطه لبنان بحرب غزة وأزمات المنطقة، لذلك تعرف بكركي جيداً مكمن الخلل، وتؤكد وجود نخبة من الأسماء المتداولة، لكنّ المشكلة في النوايا.
عام 1988 قدّم البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير لائحة أسماء ولم يؤخذ بها، ورغم عدم اقتناعه بتكرار التجربة، وتجنّباً للفراغ قدّم لائحة أخرى لباريس فلم تصل الأمور إلى نتيجة، وعام 2013 وضع البطريرك الراعي 4 أسماء رئاسية وأخذ وعداً من القادة المسيحيين بعدم تعطيل النصاب، لكنّ المسيحيين حلفاء «حزب الله» عطّلوا النصاب ولم يحترموا إرادة الراعي وبكركي.
وأمام كل هذه الوقائع، يتردّد الراعي في اختيار مرشح أو لائحة مرشحين، وهو لا يزال على موقفه من نزول النواب إلى المجلس واختيار الأفضل وسيبارك لمن يفوز، وليست لديه مشكلة مع أحد، أما استمرار التعطيل وفرض أعراف جديدة مثل الحوار والتشاور فهذا أمر لا ترضى به بكركي وتعتبره مخالفاً للدستور، وإذا كان هناك لزوم للتشاور فليحصل في أثناء جلسات الانتخاب وبين الدورة والأخرى لا أن تذهب الأمور إلى حوارات عقيمة لن توصل إلى أي نتيجة.
لم يستطع لودريان تغيير رأي بكركي في قبول الحوار برئاسة الرئيس نبيه برّي، ولم تستطع باريس أو أي دولة جرّ بكركي إلى تجربة اختيار الأسماء، لأنّ التجارب السابقة لا تُشجّع والنيات ليست صافية.