كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
يبدو الرئيس نبيه بري مطمئناً إلى مَسار المعركة السياسية التي يخوضها على جبهة الجنوب لضمان حقوق لبنان ومصالحه الاستراتيجية في مواجهة العدو الاسرائيلي.
والمفارقة انّ هذه المعركة على صعوبتها ودقتها تكاد تكون أسهل من تعقيدات المأزق الرئاسي حيث يكثر اللاعبون المحليون والخارجيون وسط اجتهادات متضاربة في تفسير قواعد اللعبة!
لأنّ غزة هي مفتاح باب الاستقرار المفقود، يقول الرئيس بري لـ«الجمهورية» ان المقترح الذي عرضه الرئيس الأميركي جو بايدن يبدو مقبولاً، ويمكن البناء عليه وإن تكن هناك مجموعة ملاحظات عليه، لافتاً الى انّ بايدن بات بحاجة إلى توقف الحرب على غزة لحسابات تتصل بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو يشعر بأنّ استمرار هذه الحرب بات يشكل عاملا ضاغطا عليه خصوصا مع التحول المستجد في مزاج المجتمع الأميركي، كما يُستدل من التظاهرات الطالبية غير المسبوقة في الجامعات.
ويلفت بري الى ان هناك بنودا في المقترح تشكل انجازا للمقاومة الفلسطينية وترجمة لصمودها، مشيرا الى ان «الكرة باتت الآن بكاملها في ملعب بنيامين نتنياهو الذي أصبح مُحرجا ومحشورا في الزاوية الضيقة».
ويؤكد بري انه «وبمجرد ان تتحقق التهدئة في قطاع غزة فهي ستسري تلقائيا على الجبهة الجنوبية، وفي اليوم التالي سيكون الموفد الأميركي آموس هوكشتاين هنا لاستكمال التفاوض حول مستقبل الوضع على الحدود مع فلسطين المحتلة».
ويكشف بري أنه كان قد قطع شوطا في التفاهم مع هوكشتاين على بعض الأسس التي سيستند إليها ايّ اتفاق نهائي، لا سيما بالنسبة الى ما يخص انسحاب العدو الإسرائيلي من النقاط الحدودية التي لا يزال يحتلها، داعياً «بعض المنظّرين إلى التمييز بين مسألة استعادة حقوقنا البرية وبين مسألة ترسيم الحدود التي هي خارج اي نقاش كونها مثبّتة ومنتهية».
ويشدد رئيس المجلس النيابي على التمسك بالقرار 1701 كناظم وحيد لـ»اليوم التالي» بعد الحرب على الجبهة اللبنانية، قائلاً: هذا القرار صُنع هنا في مكتبي ونحن متمسكون به على قاعدة التطبيق المتوازن له، إذ ان الكيان الاسرائيلي خَرقه عشرات آلاف المرات منذ صدوره عام 2006، والمطلوب منه بموجب مندرجات القرار ان يتوقف كلياً عن خرق سيادتنا في البر والجو والبحر وان ينسحب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، ونحن كذلك سننفذ ما يتوجّب علينا.
ويؤكد بري انه يفاوض من موقع المتسلح بقوة الحق والميدان على حد سواء، مضيفا: لا يمكن أن نقبل بأن نهزم أنفسنا فيما نحن اقوياء، والحمدالله كل المؤشرات توحي بأن لبنان سيخرج من هذه المواجهة منتصراً لحقوقه المشروعة.
اما على مستوى الملف الرئاسي، فإنّ بري يؤكد أنه كان مَرناً ومتجاوباً مع مسعى اللجنة الخماسية، موضحاً «انهم تمنّوا عليّ استبدال الحوار بالتشاور، فلم أمانع وأبلغتهم كما أبلغتُ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بأن التشاور والتواصل والتلاقي والتداول، كلها مرادفات للحوار ولا مشكلة».
ويلفت بري الى انه سبق له أن نظّم في عين التينة جلسة مشاورات بين القوى السياسية قبل الذهاب إلى موتمر الدوحة عام 2008، وبالتالي توجد تجربة في هذا المجال.
ولكن بري يشدد في الوقت نفسه على أن هناك ثوابت لا يمكنه التساهل حيالها، «وهي ليست شكليات كما قد يتهيأ للبعض بل قواعد مؤسساتية»، مشيراً الى ان «المكان الطبيعي لأي تشاور هو مجلس النواب، والمجلس مؤسسة لها رئيس، والرئيس أيّاً يكن اسمه هو المعني بأن يترأس جلسة التشاور بين الكتل»، معتبراً انّ «هذا الحق ليس ملكا شخصيا لي حتى أتنازل عنه وإنما يرتبط بالموقع وصلاحياته».
وعن تعليقه على الإتهامات المتكررة التي يوجهها اليه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بأنه يتحمل مسؤولية تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، يجيب بري: لقد أصبح واضحاً بأن جعجع لا يريد الحوار ولا انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك في محاولة منه للدفع نحو اعتماد الفيدرالية التي لم يتخلّ عنها، وللأسف لا يزال الرجل يقيم في «حالات حتماً».
وتعليقاً على اعتراض رئيس «القوات» على قرار الحكومة بمنح تعويضات مالية الى الجنوبيين المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية، يَستهجن بري هذا الموقف الغريب، لافتاً إلى أن أهل الجنوب يستحقون تلك التعويضات التي لا تتجاوز قيمتها المليون دولار، «لأنهم يدفعون ثمن مواجهة العدو الاسرائيلي نيابة عن كل لبنان، بالتأكيد من واجب كل لبنان ان يساهم في إعادة الإعمار وتعويض الخسائر».