جاء في “الراي الكويتية”:
من خلْف دخانِ الحرائق المشتعلةِ على مقلبيْ الحدود اللبنانية -الإسرائيلية وصولاً إلى الجولان السوري المحتل والتي استعرتْ على وقع الالتهاب الأقوى لمواجهاتِ حافة «الحرب الكبرى» بين «حزب الله» وإسرائيل والتي بدت في سِباقٍ مع محاولةَ إطفاء كرة النار التي حوّلت غزة كتلةً من دم ودمار، استعيدَ وبأوضح صورةٍ «مسرحُ العمليات» السياسي الذي انفجر عليه «طوفان الأقصى» وشكّل «صاعقَه الخفي»، بما أوحى بأن الأبعادَ العميقةَ لدورةِ القتال الأطول التي انخرطتْ بها إسرائيل في تاريخها بعد حَدَث 7 تشرين مازالت تَحْكُم المسارات النهائية للحلول التي يُراد استيلادها.
وفيما كانت جبهةُ الجنوب تشتعل بمواجهاتٍ متبادَلة بمختلف أنواع الصواريخ والقذائف وبغاراتِ الطيران الحربي والمسيَّرات، مع توغُّلِ إسرائيل في استهدافاتها في اتجاه قضاء صيدا والبقاع الغربي واستئنافها «اغتيالات الدراجات» والسيّارات وتفعيلها المتدرّج لسلاح «جدار الصوت» الذي يُخشى أن يكون دويّه بدأ يطرق أبواب بيروت وضاحيتها الجنوبية، عادتْ إلى الواجهة «الأسبابُ الموجبة» لضغطِ «حماس» على زناد «حرب الـ لا عودة» في 7 تشرين الاول وذلك بعد انكفاءٍ على وقع هدير آلة الموت الإسرائيلية التي حوّلت غزة محرقةً زجّتْ فلسطينيي القطاع فيها تحت عنوان «قطع رأس الحركة».
ولم يكن عابراً أنه «تحت طبقات» المياه الدافئة التي تشكّلت في قلب بحر الدم في غزة مع التقاطع والتخادم الأميركي – الإيراني تحت سقف هدف عدم الرغبة في تفجير حرب إقليمية تملك طهران أزرار «التحكّم» بها في مختلف ساحات محور الممانعة، أطلّ المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي، ليعلن أن «طوفان الأقصى» نَسَفَ «خطة واسعة ومفصّلة لتغيير معادلات المنطقة»، داعياً لعدم عقد «الآمال على مفاوضات التسوية».
وجاء كلام خامنئي، كأحد خلفيات ضرب «محور الممانعة» بيده على الطاولة لقطع الطريق على «جِدار مصالح» أنْذَر بتطويق طهران وقوس نفوذها، في وقت كان السفير الأميركي لدى إسرائيل جاك لو، يصرح لصحيفة «جيروزالم بوست» بأن «حلّ الدولتين» من شأنه فتح الطريق أمام تفاهماتٍ في المنطقة «تضع إسرائيل في تحالف إقليمي بوجه إيران».
ومؤدى كلام خامنئي والسفير الأميركي أنّ الصراع الذي تتطاير شظاياه في مختلف الاتجاهات منذ 8 أشهر مازال مفتوحاً على مزيد من العصْف رغم محاولاتِ التهدئة، وأن الحلول المستدامة التي يُراهن على إبرامها ليست بالسهولة المفترَضة، لا في غزة ولا في «جبهتها التوأم» أي جنوب لبنان الذي ترتفع مَخاطر انزلاقه إلى الحرب الواسعة رغم توازن الردع الذي يسعى «حزب الله» لإرسائه بمعادلاتٍ لا ينفكّ يطوّرها بحسب مقتضيات الميدان وبما يتماثل مع التصعيد الإسرائيلي، وإن كان ثمة مَن يعتقد أنه في ظلّ جاهزية «مشروع اتفاق» برعاية أميركية للجبهة اللبنانية ما أن يتم بلوغ وقف نار في غزة يصعب تَصَوُّر أن يغامر بنيامين نتنياهو نحو حربٍ كبيرة مفتوحة على أسوأ السيناريوهات.
وأتى «التشخيص الصريح» من خامنئي لمعاني «طوفان الأقصى»، واحتدامُ جبهة الجنوب، فيما كان وزير الشؤون الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني يطلّ – في أول زيارة خارجية له بعد توليه منصبه خلفاً للوزير حسين أمير عبداللهيان – من بيروت حيث عقد لقاءات مع كل من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ونظيره اللبناني عبدالله بوحبيب والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله.
وأكد باقري كني في تصريحات له أنه «لطالما كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تهدف إلى دعم الاستقرار والأمان والأمن والتقدم في لبنان ولم تأل جهداً إلّا وبذلتْه من أجل تعزير تقدم الشعب اللبناني ورفاهيته»، معتبراً «أن العلاقة الوثيقة بين طهران والجمهورية اللبنانية مؤشر رئيسي للاستقرار في المنطقة كما أن المقاومة هي أساس الاستقرار والثبات في المنطقة».
وأعلن «أن النقاش تطرق إلى الأحداث في غزة خصوصاً في رفح وكنا متفقين على وجوب أن تتبنى دول المنطقة خصوصاً الإسلامية حركة مشتركة لغرض التصدي للعدوان الإسرائيلي وحماية الشعب الفلسطيني ولا سيما في رفح، وتوافقنا على مبادرة تتمثل في عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي كمقترَح مشترَك يمكّننا من اتخاذ خطوة حازمة جماعية في هذا الصدد».
سيناريوهات توسيع المواجهة
وفي موازاة حِراك المنابر، سجّل الميدانُ تمدُّداً خطيراً في المواجهات على وقع استطلاع لهيئة البث الإسرائيلية أفاد أنّ 55 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون توسيع المواجهة مع «حزب الله» بعد إبرام صفقة التبادل مع «حماس»، وتوعُّدِ وزير المال بتسلئيل سموتريتش بأنه «لابد من ضرب عاصمة الإرهاب بيروت كي تنشغل بتأهيل نفسها بعد ضرباتنا»، وإعلان وزير الخارجية يسرائيل كاتس أنه «لو اندلعت حرب شاملة في لبنان، سيتمّ سحق (حزب الله) والقضاء على كل قياداته»، مشيراً إلى أنّ «قدرات إسرائيل العسكرية الهائلة لم تستخدم بعد على الحدود الشمالية، وسيتمّ استخدامها ضدّ إيران إذا تطلب الأمر»، وذلك بعد تأكيد وزير التربية حاييم بيتون أنه «يجب شن حملة عسكرية في الشمال لطرد حزب الله وسكان جنوب لبنان» لِما بعد نهر الليطاني.
وأعقبت هذه التهديدات تدريبات أجراها الجيش الإسرائيلي «كجزء من التحضير للمعركة في الساحة الشمالية» كما كشفت القناة 13 العبرية، موضحة أن «التمرين حضره ضباط نظاميون واحتياطيون في مقر قوات الدفاع الشعبي من أسلحة وأجنحة، وتدربوا على سيناريوهات تحاكي توسع الحرب في الساحة، فضلاً عن حرب متعددة الساحة»، مشيرة إلى زيارة رئيس الأركان الجنرال هيرتسي هاليفي قيادة الشمال كجزء من التمرين.