كتب منير الربيع في “المدن”:
202
يسجّل بعض اللبنانيين علامات إيجابية على ما يعتبرونه انتزاع موقف من قبل حزب الله، بفصل ملف جبهة جنوب لبنان والمواجهات القائمة عن ملف رئاسة الجمهورية. كل من ينقلون الأجواء عن مضمون زيارة المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، يشيرون إلى أن الرجل خرج من لبنان بانطباعات إيجابية، بعدما سمع من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، أن حزب الله يفصل بشكل كامل تطورات الملف الرئاسي عن مدار المواجهات ونتائجها.
احتفاء بعض معارضي حزب الله بهذه المعادلة يوقعهم في فخ سياسي جديد، لأن تكريس الفصل بين الملفين، يعني تكريس استقلال قرارات الحزب بالمعنى العسكري والاستراتيجي. وذلك يتناقض مع ما يطالب به المعارضون حول استعادة قرار الحرب والسلم من قبل الدولة.
التسوية والمقايضة
طبعاً، هم يلجؤون إلى التشديد على هذا الفصل، كي لا يعمل حزب الله على “تقريش” نتائج المواجهات والتي ستكون مرتبطة بمفاوضات إقليمية ودولية، لصالحه سياسياً في الداخل. إذ يخشى بعض معارضي الحزب من مدار التسوية أو المقايضة ما بين الجنوب وإعادة تشكيل السلطة. لكنهم في تجنبهم هذا، يقعون في فخ آخر، وهو منح الحزب حرية الحركة السياسية والعسكرية الكاملة، وفق ما تقتضي ظروفه وتقديراته. مع العلم أن أي تسوية يفترض أن تحصل، لا بد لها أن تشتمل على الواقعين السياسي والعسكري، وتهدف إلى وقف الحرب في الجنوب وإعادة مثل هذه القرارات إلى مؤسسات الدولة.
نظرياً وعملياً، أصبح من الصعب فصل سياق انتخابات رئاسة الجمهورية عن سياق المواجهة في الجنوب، وتطورات الوضع الإقليمي ككل. لكن كل الاتهامات التي وجهت إلى حزب الله، استدعت رداً من أمين عام الحزب، السيد حسن نصرالله، الذي جدد تأكيد رفض الحزب الربط بين الملفين. وهذا ما أعاد تحريك المياه السياسية الراكدة في الداخل، من خلال مطالبة المبعوث الفرنسي لودريان للرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، بمساعدته في إنجاز مبادرته. وهذا ما دفع بجنبلاط إلى التقدم بمبادرة الاشتراكي لعقد لقاءات مع مختلف القوى السياسية والكتل النيابية، في سبيل إعادة البحث عن طريقة للتشاور، بعد فشل كل محاولات عقد جلسات حوارية أو تشاورية. ليس لدى الاشتراكيين أي توهم بإمكانية تحقيق خرق في هذه الظروف، لكن الأهم هو تخفيف حدة التوتر ونسج خيوط التواصل لتحضير الأرضية ريثما يحين موعد التسوية.
زيارات إلى الدوحة
في المقابل، تسعى باريس إلى انتزاع تفويض أميركي بالملف اللبناني، من خلال القمة التي ستعقد بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون. في الموازاة تجددت الزيارات إلى دولة قطر، من زيارة وفد يمثل القوات اللبنانية إلى الزيارة الثانية التي يجريها الوزير علي حسن خليل إلى الدوحة، في إطار استكمال المساعي القطرية لتحقيق خرق في جدار الأزمة اللبنانية، على أن تستكمل هذه الزيارات في المرحلة المقبلة.
أمام كل هذه الوقائع، برزت معادلة جديدة طرحها رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، خلال لقائه لودريان. إذ أبلغ فرنجية المبعوث الفرنسي إصراره وتمسكه بترشيحه للرئاسة، وعدم استعداده للانسحاب لصالح مرشح وسطي، إنما في حال قرر الإنسحاب فبإمكانه الذهاب إلى تفاهم مع حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحرّ، وبعض الحلفاء من قوى 8 آذار وعدد من النواب المستقلين، وبذلك يصبح المرشح الذي يتم التفاهم عليه -وهو من قوى 8 آذار- مرشحاً فعلياً للرئاسة وقادراً على تحقيق الفوز. وهذه معادلة تستحق التوقف عندها من قبل قوى المعارضة، التي حينها ستكون غير مؤثرة رئاسياً، إلا باستخدام لعبة النصاب وتعطيله. وحينها ستتحول هي إلى الطرف المعرقل.
في حال حصل مثل هذا السيناريو، ستكون المعارضة أمام تحدي إثبات قدرتها على امتلاك 43 نائباً لتعطيل النصاب. وفي هذا الإطار، تشير مصادر متابعة إلى تجدد التواصل بين قوى المعارضة في سبيل التأكد من امتلاك الثلث المعطل. في المقابل، فإن الحزب التقدمي الاشتراكي يؤكد أنه لن يسهم في تعطيل النصاب. وانطلاقاً من مبادرته، هو ينشد أي تسوية يمكن أن يتحقق حولها أوسع تفاهم ممكن للسير بها، خصوصاً أن جنبلاط كان قد طرح سابقاً أنه لا يريد الوقوف بوجه كل القوى المسيحية. ولكن في حال توافقت كتلتان فهو حينها لن يعرقل التسوية. في الفترة الماضية، سجلت تقاطعات عديدة بين حزب الله، حركة أمل، الاشتراكي، التيار الوطني الحرّ وتيار المردة، ما يمكن أن يعزز مثل هذه التقاطعات رئاسياً، في حال حلّت العقدة بين فرنجية وباسيل، إما باتفاق على الأول، وإما باتفاق على شخص آخر.. فتبقى المعارضة في مكانها.