كتبت إكرام صعب في “سكاي نيوز عربية”:
يعيش اللبنانيون القلق من جراء تعرض جنوب البلاد للقصف الإسرائيلي بقذائف الفسفور الأبيض، إذ تمثل هذه المادة القاتلة والمحرمة دوليا التي تسبب السرطان، مصدر ذعر بين السكان والأوساط الطبية.
فمنذ بدء التصعيد على الحدود بين حزب الله اللبناني وإسرائيل تزامنا مع حرب غزة، يكثف الجيش الإسرائيلي إرسال “السموم” عبر القذائف المحشوة بمادة الفسفور الحارقة، محولا حياة سكان البلدات الحدودية اللبنانية إلى جحيم، بدءا من تدمير محاصيلهم الزراعية، وصولا إلى بيوتهم ومزارعهم، وانتهاء بصحتهم.
وطالت قذائف الفسفور الأبيض الخط الممتد من بلدة الناقورة على ساحل المتوسط حتى بلدة شبعا في جبل الشيخ عند القطاع الشرقي، تاركة بصمتها على الأشجار والمزروعات، التي تشكل محاصيل مهمة وغذاء أساسيا للحيوانات، المصدر الرئيسي للحوم والحليب.
وفي تقرير نشرته الأربعاء، قالت “هيومان رايتس ووتش” إن إسرائيل استخدمت قذائف الفسفور الأبيض الحارقة، في هجمات على مبان سكنية في 5 بلدات وقرى على الأقل جنوبي لبنان، مما قد يؤدي إلى الإضرار بالمدنيين وانتهاك القانون الدولي.
ما هو الفسفور الأبيض؟
-مادة كيميائية يمكن أن تشعل النار في أي شيء تسقط عليه.
-لها آثار مدمرة على الإنسان في حال ملامستها، إذ بإمكانها أن تحرق اللحم البشري حتى العظام.
-الناجون منه معرضون لخطر فشل الأعضاء أو أضرار بالجهاز التنفسي، حتى لو كانت حروقهم صغيرة.
-يقول أطباء إن الفسفور الأبيض يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
-الخسائر كبيرة
قال وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عباس الحاج حسن لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “الخسائر الاقتصادية على القطاع الزراعي كبيرة جدا، حيث تم القضاء بالكامل على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية نتيجة القصف المتعمد بقذائف الفسفور الأبيض”.
إلا أن الوزير أشار إلى “عدم توفر إحصاءات دقيقة بالمطلق لهذه الخسائر، فالمسح الميداني حاليا غير ممكن بسبب العمليات القتالية الجارية”.
وتابع: “عمليات المسح تتم عبر لجان ميدانية في المناطق الزراعية بالتعاون مع البلديات والدفاع المدني والصليب الأحمر”.
وفي السياق ذاته، قالت رئيسة المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان الباحثة البيئية تمارا زين لموقع “سكاي نيوز عربية”: “يصعب الوصول إلى المناطق التي تتعرض للفسفور الأبيض، ونحن بانتظار توقف العمليات العدائية الإسرائيلية لنتمكن من إجراء عمليات بحث فعالة”.
وأشارت إلى أنه “حتى تاريخ 20 ايار الماضي، أحرقت إسرائيل أكثر من 1500 هكتار من الأراضي، أما بالنسبة للأثر القريب والبعيد فلا أحد يمكنه إعطاء إجابة واضحة قبل إجراء فحوصات دقيقة”.
وقالت زين: “عملية أخذ العينات ليست سهلة. نعمل حاليا للحصول على عينات بطريقة علمية كي تكون النتائج سليمة وموضوعية”.
رأي القانون
قال رئيس مؤسسة “جستيسيا” الحقوقية في بيروت عميد الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي بول مرقص لموقع “سكاي نيوز عربية” ان”الاستخدام المخالف للأصول لمادة الفسفور الأبيض خطير نظرا لأضراره الجسيمة على المدنيين والبيئة”.
“قانونيا، يعد استخدامه المفرط المنافي للضوابط الناظمة والحدود المرسومة له انتهاكا للمعايير الدولية، مثل اتفاقيات جنيف واتفاقية منع انتشار الأسلحة الكيميائية”.
وأضاف: “يمكن أن يصنف استخدامه كجريمة حرب إذا حدث ذلك بشكل مغاير للمعايير الدولية ضد المدنيين أو بشكل مفرط، ويترتب على الاستخدام المخالف مسؤولية جنائية على العسكريين والأفراد المشاركين”.
وأوضح مرقص أن القوانين الرئيسية التي تنظم استخدام الفسفور الأبيض تشمل ما يلي:
-اتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977: تحظر استخدام وسائل قتالية ُسبب أضرارا مفرطة أو عشوائية ضد المدنيين.
-اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1993: تحظر استخدام وتطوير الأسلحة الكيميائية.
-اتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980 والبروتوكولات الملحقة بها: تحظر استخدام الأسلحة الحارقة ضد المدنيين.
-نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998: تصنف الهجمات التي تسبب معاناة غير ضرورية كجرائم حرب.
السرطان الطائر.”
من جهة أخرى، حذرت الطبيبة المتخصصة في أمراض الجهاز التنفسي بمستشفى الجعيتاوي اللبناني ليال عليوان، من خطورة التعرض للفسفور الأبيض وتأثيره السلبي على صحة اللبنانيين.
وقالت عليوان لموقع “سكاي نيوز عربية”: “مخاطر التعرض للفسفور كثيرة، أبرزها الإصابة بالسرطان والحروق في الجلد خاصة بعد ترسب المادة في الجسم، كما أنه يؤدي إلى حروق من الدرجتين الثانية والثالثة”.
وأضافت: “يسبب الفسفور الأبيض أيضا أزمات في الجهاز التنفسي، ويعرض للاختناق الفوري أو الغياب عن الوعي والدخول في غيبوبة”.
وتابعت: “وعلى المدى البعيد يمكن أن يؤثر على الكبد والكلى والقلب والتسبب بالسرطان”.
وحذرت عليوان من “تناول المزروعات التي تعرضت للقصف بالفسفور الأبيض”، وقالت: “المؤكد أنه يلوث المياه ويتلف النباتات وبالتالي يجب التوقف عن الزراعة في التربة التي تعرضت له قبل معالجتها، وهذا يتطلب سنوات من العمل”.
فقد أوضح الباحث في الجامعة اللبنانية بالمجلس الوطني للبحوث العلمية، الخبير البيئي عارف ضيا لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “الفسفور الأبيض يشكل مادة تترسب إلى الأرض وتنتقل إلى المياه الجوفية مع الأمطار وتلوثها بحمض الفسفوريك، وهو أحد مخلفات احتراق مادة الفسفور”.
وأضاف ضيا: “يتضاعف تأثير الفسفور في حال وصول مياه الأمطار التي تحمله إلى المسطحات المائية المفتوحة، مثل البرك الزراعية، إذ يلوثها ويسهم في تسريع النمو المفرط للطحالب”.
وحذر من تناول المزروعات التي طالها الفسفور الأبيض، لافتا إلى عدم جدوى غسلها بالمياه، وقال: “قد تصيب الإنسان بالسرطان وبأمراض مميتة كونها مادة حارقة للخلايا”.