كتب طوني جبران في “المركزية”:
بانتظار وصول وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن الى المنطقة مطلع الأسبوع المقبل بقيت مبادرة الرئيس الاميركي جو بايدن موضوع جدل ونقاش. وسط حديث متنام عبرت عنه تقارير ديبلوماسية وردت الى بيروت من أكثر من عاصمة غربية حفلت بالقلق على مصيرها، بعدما تعددت العقبات التي تواجهها على اكثر من مستوى. ذلك ان مواقف الدعم الدولية التي عبرت عنها المجموعات الاوروبية والعربية و الخليجية والاميركية في سلسلة بيانات صدرت بإجماع وزارات خارجيتها لم تدفع بعد الى استقطاب المواقف الايجابية المطلوبة من كل من الحكومة الاسرائيلية التي تعاني من ازمة داخلية تعصف بـ “مجلس الحرب” وبالحكومة الموسعة، كما بالنسبة إلى “حماس” التي لم تقل كلمتها النهائية بعد بالموافقة الشاملة بعدما رهن رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار موقفه منها باتفاق شامل ونهائي لوقف النار وانسحاب اسرائيلي شامل من القطاع.
وعلى خلفية هذه المخاوف الناجمة عن تصلب الطرفين، عبر اكثر من تقرير ديبلوماسي ورد من عاصمة غربية اطلعت “المركزية” على اكثر من جزء منها، عن مجموعة من الملاحظات والمؤشرات التي يمكن ان تؤدي إلى هلاك المبادرة البايدينية ما لم يجمع بلينكن في زيارته المقبلة الموافقات المطلوبة، وان اقتضت الظروف باجراء تعديلات جزئية عليها لا تمس جوهرها بطريقة ترضي الحد الادنى من مطالب الطرفين مع الاعتراف مسبقا بصعوبة المهمة. ولذلك تعززت المخاوف من احتمال ان تلقى المبادرة مصير ما سبقها من محاولات فاشلة ابرزها ما لقيه قرار مجلس الامن الدولي بفرض وقف للنار تجاهلته اسرائيل وسخرت منه حماس والقوى الداعمة لها وقبله ما صدر من قرارات عن محكمتي “الجنائية الدولية” و”العدل الدولية” على الرغم من عدم وجود أي قوة تفرض تنفيذهما.
وبانتظار الردود المطلوبة من طرفي الصراع والمستبعدة حتى كتابة هذه السطور اليوم، من المقرر ان يصل بلينكن الى تل ابيب أولا في مستهل جولة واسعة هي الثامنة من نوعها منذ عملية “طوفان الاقصى” في 7 تشرين الأول الماضي، وستشمل أيضا كلا من القاهرة والرياض وعمان وربما أضيفت الدوحة إليها في محاولة جديدة لترجمة المبادرة التي تبدأ بعملية تبادل الأسرى والمعتقلين فور الإعلان عن وقف للنار على مرحلتين، والعمل خلالهما على ادخال المساعدات الانسانية والغذائية الى القطاع المحاصر والسعي الى تثبيت وقف إطلاق النار بحيث يكون ثابتا ومستداما وصولا إلى مرحلة إعادة إعمار غزة.
وقياسا على ما هو مطروح، افادت التقارير ان التأخير في تحديد موقفي الطرفين المعنيين بمساعي التسوية مرده الى مجموعة من الأسباب المباشرة ومنها:
– التريث الاسرائيلي في تحديد الموقف النهائي يعود بالاضافة الى الازمة الحكومية والسياسية والأمنية الداخلية، الى ما لا يمكن تجاهله من سوء العلاقة القائمة بين البيت الأبيض واسرائيل، بعدما اعترض نتانياهو على بعض افكار المبادرة، نافيا أن تكون اسرائيلية في اساسها متهما بايدن باجراء تعديلات على ما طرحته وهو يعرف سلفا أنها مرفوضة.
– يبدو ايضا ان تريث حماس في تحديد موقفها يعود الى انتظار نتائج المفاوضات والمناقشات التي تجريها قيادتها الخارجية في أكثر من عاصمة، وصولا الى بكين بعد موسكو وطهران وانقرة والدوحة والقاهرة حيث عقدت اجتماعات متعددة لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي استعدادا لليوم التالي للوضع في غزة والضفة الغربية وتحديدا بما يتصل بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي تجمع وزراء من التكنوقراط غير الحزبيين من فصائل منظمة التحرير وحماس ومعها تلك التي عبرت عن استعدادها للانضمام الى المنظمة.
والى هذه المعطيات المتداولة على اكثر من مستوى، وفيما قالت حماس إنها ستتعامل مع المقترحات بـ”إيجابية”، قال نتنياهو: انه “لم يوافق على إنهاء الحرب في المرحلة الثانية كما هي مبرمجة”، مشددا على “العودة الى شروط تل أبيب”، ومؤكدا أنه “يصر على عدم إنهاء الحرب إلا بعد تحقيق جميع أهدافها”، وهو أمر يوحي بأن هناك ما يجب تسويته قبل التوافق على اي خطوة.
هذا على مستوى الوضع في غزة، اما بالنسبة الى ما يمكن ان يتحقق على الجبهة اللبنانية، لم تشر التقارير الواردة من واشنطن الى اي نتيجة مباشرة يمكن ان تصدر عن القمة الاميركية – الفرنسية وما يمكن ان تنتهي اليه. ذلك ان هناك بنودا ادرجت على جدول اعمالها من الجانب الفرنسي في ظل خيارات اقليمية ودولية لا تقف فيها فرنسا وواشنطن في موقع واحد.
وفي المقابل أشار تقرير ورد من باريس نقلا عن مسؤولين فرنسيين على علاقة بفريق الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان ان باريس أعدت العدة ليكون للبنان حصة في هذه القمة ولو كانت الاصغر من بين القضايا الدولية الاخرى بعدما تحول “الملف اللبناني” ورقة في الصفقة الكبرى. وهي تبحث عن موقع متقدم له من بين القضايا المطروحة على خلفية الانتقادات الدولية بتقصير اللبنانيين بانتخاب رئيس للجمهورية يمكنه ان يترجم اي اتفاق متى تم التوصل اليه على اي مائدة أو طاولة مفاوضات. ولذلك، فإن حصته هزيلة ان بقي الأمر رهن التفاهمات في غزة أو عندما يكون ورقة في الملف النووي الايراني ان بقي الربط الذي اقامه “حزب الله” بينهما أي خطوة يمكن ان تتحقق في الداخل حتى اللحظة، بدليل ان الحشد الدولي الذي شهدته احتفالات النورماندي لم يات احد منهم على ذكر القضية اللبنانية وهو امر لا يبشر بالخير.
وفي هذه الاجواء توجهت الانظار الى ترقب نتائج الزيارة التي قام بها الوزير لودريان الى الفاتيكان عشية القمة، وخصوصا انه كان صريحا عندما قال في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس”: “كنت في الفاتيكان يوم أمس كمبعوث شخصي لرئيس الجمهورية الفرنسية لمناقشة موضوع لبنان مع الكاردينال بارولين، وزير خارجية الكرسي الرسولي ومع المونسنيور بول ريتشارد غالاغير، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول”. وهي خطوة تنبىء بجدية المساعي الفرنسية تحضيرا للقمة.
وإن كانت المصادر الديبلوماسية قد دعت الى انتظار المزيد من المعلومات عما انتهت إليه قمة باريس الفرنسية – الاميركية، بات ثابتا ان الجانب الفرنسي الذي قدم الملف اللبناني على جدول أعمال القمة ترجمه الرئيس ماكرون في المؤتمر الصحافي المشترك بإشارته منفردا الى الوضع في لبنان مقابل صمت الرئيس بايدن بطريقة لافتة، قبل ان يظهر المقطع الصغير الخاص بلبنان في البيان النهائي للقمة.
وعليه، فقد أكد ماكرون “أنّ فرنسا والولايات المتحدة ستضاعفان جهودهما لتجنب انفجار الوضع في الشرق الأوسط، لا سيما في لبنان حيث شدد على ضرورة خفض التوتر بين إسرائيل وحزب الله”. وأضاف ماكرون وهو ينظر الى بايدن بطريقة متلازمة مع كل عبارة لافتا الى أنهما “عازمان على ممارسة الضغط اللازم لوقف هذا التصعيد”.وعليه فان ما اضيف في البيان الختامي كان اللفتة الخاصة باستمرار خلو سدة الرئاسة من شاغلها لمدة ـ18 شهراً في لبنان، وضرورة “إجراء إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة، ووضع إصلاحاتٍ ضرورية قيد التنفيذ لنهضة الإقتصاد اللبناني وتحقيق النمو والتضامن في هذا البلد”، وهي عبارات مل اللبنانيون من سماعها بعدما استنسخت بحرفيتها في عشرات البيانات التي صدرت عن القمم العربية ودول مجلس التعاون الخليجي واخرى ثنائية وثلاثية لا تحصى جمعت رؤساء من أصدقاء لبنان.
وفي الخلاصة، ينبغي على من يراقب التطورات ويطلع على ما حملته هذه التقارير الديبلوماسية المتنوعة المصادر، ان يبني رهاناته على ما هو ممكن وواقعي. فلا ينتظر اللبنانيون من اي رئيس دولة او حكومة او قمة او مجموعة ديبلوماسية تعهدت بمساعدة لبنان على تجاوز محنته ما يحقق ما يريدونه بانتظار أي مبادرة داخلية تنهي هذا الوضع الشاذ وتداعياته الخطيرة وهو امر يفترض عودة أيام العجائب وزماناتها وهي من سابع المستحيلات في ما نعيشه حتى اليوم.