IMLebanon

هل يُعاد طرح المثالثة؟

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

في غمرة التركيز على تداعيات الجبهة الجنوبية وما تخبئه من مفاجآت عسكرية إثر تلويح قادة الكيان الإسرائيلي بشكل متكرر بتوسيع دائرة الحرب وتنفيذ ضربة قوية ضد حزب الله، فإن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وفي رده على خصوم الحزب الذين يحذّرون من جر لبنان إلى حرب ويؤكدون أن أغلبية الشعب اللبناني ضد هذا الخيار، استهجن حديث البعض عن رفض الأغلبية الشعبية جبهة إسناد غزة، وقال «إننا أكبر قاعدة شعبية في لبنان وأكبر حزب في لبنان ولم نتحدث بهذا المنطق» وأطلق معادلته التي استفزت كثيرين «إما أن نرجع للعد، وإما كل واحد يعرف حجمه ويتكلم عمن يمثل وبما يمثل».

وقد نبّه البعض إلى خطورة كلام نصرالله في بلد يتميّز بتعدديته وتنوعه الطائفي. فالعودة إلى منطق العد يناقض جوهر الميثاق الذي هو من أسس لبنان. وقد كان الرئيس رفيق الحريري أكثر مَن أدرك هذا الواقع وأول مَن بادر بعد إقرار اتفاق الطائف إلى إطلاق معادلته الشهيرة «وقّفنا العد» ثم عمد إلى تكريسها في انتخابات بلدية بيروت حتى في ظل الوصاية السورية سنة 1998 حيث هندس لائحة لانتخابات العاصمة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، حفاظاً على القاعدة الميثاقية، منطلقاً من فهمه لما ورد في مقدمة الدستور أن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». وهكذا لم يأت الدستور على ذكر العدد لا بل أكد في المادة 95 منه على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

من هنا، توقف البعض عند إشكالية ما طرحه أمين عام حزب الله وسبب عودته للحديث عن الأكثرية والأقلية؟ وهل تعبّر عن مأزق يعيشه حزب الله في ظل المواجهات الدائرة في الجنوب أم تعبّر عن فائض قوة ورسالة لمن يعنيهم الأمر بأن عليهم عدم الاعتراض على توجهات الحزب تحت طائلة تغيير التركيبة السياسية وهذا ما كان حذّر منه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي عبّر عن قلقه من زوال لبنان السياسي.

وحسب العارفين ليست المرة الأولى التي يثير فيها نصرالله مسألة الأغلبية والأقلية. والمثال الأكبر على ذلك، كان في عام 2005 عندما دعا حزب الله وحلفاؤه إلى تظاهرة في ساحة رياض الصلح لإظهار حجم التأييد الشعبي في لبنان للنظام السوري بعد بروز معارضة «البريستول» ومطالبة القوى السيادية بانسحاب الجيش السوري إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فحشَدَ حلفاء سوريا عشرات الألوف في تلك الساحة وأطل السيد نصرالله من على شرفة أحد المباني ليعلن «الوفاء لسوريا» وليوجّه الشكر إلى «سوريا حافظ الأسد وسوريا بشار الأسد» قائلاً «لا يستطيع أحد أن يخرج سوريا من لبنان ولا من عقل لبنان ولا من قلب لبنان ولا من مستقبل لبنان».

ولكن ما لم يكن في حسبان نصرالله الذي أشاد بالحشد الذي لبّى الدعوة إلى التظاهرة، هو أن المعارضة اللبنانية السيادية ردّت على تظاهرة 8 آذار بتظاهرة مليونية في 14 آذار ملأت ليس فقط ساحة الشهداء بل ساحة رياض الصح أيضاً وكل الشوارع المحيطة من الأشرفية حتى المرفأ والدورة، لتُسقط بذلك مقولة نصرالله أنه يمثل الأغلبية الشعبية في لبنان، وليضطر الجيش السوري إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية في 26 نيسان خلافاً لرغبة حزب الله.

بعد هذه الواقعة الملموسة، وقعت حرب تموز 2006 فخرج نصرالله من جديد متوعداً ومتهماً فئة من اللبنانيين بالتآمر على المقاومة ولينفذ اجتياحاً لبيروت في 7 أيار ويتوجه نحو الجبل في 9 من الشهر ذاته قبل أن يلاقي مقاومة في الشويفات ونيحا. في ذلك الوقت، عاد نصرالله ليتحدث عن الأكثرية والأقلية وعن حق الأكثرية في الحكم في حال فوزها في الانتخابات النيابية عام 2009 إلا أن نتائج هذه الانتخابات جاءت خلافاً لتوقعات أمين عام الحزب وأثبتت مرة جديدة أن الأغلبية الشعبية والنيابية هي في مكان آخر.

أما المحطة الثالثة التي أظهرت الافتقار إلى الأغلبية الشعبية فهي انتفاضة 17 تشرين التي على الرغم من كل الملاحظات عليها عبّرت عن غضب شعبي واسع تجاه سياسات العهد المدعوم من الضاحية الجنوبية، وامتلأت الساحات من طرابلس إلى زوق مصبح فجل الديب وساحة الشهداء وصيدا والنبطية والبقاع بمئات الألوف من المواطنين الذين رفعوا الصوت اعتراضاً على أداء العهد وحلفائه وفرضوا استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري المدعومة من حزب الله. ولولا ما تعرّض له المحتجون من هجمات من مناصري حزب الله ومن ضغوطات لكانت الأمور في مكان آخر.

ولكن على الرغم من هذه الوقائع الثلاث عاد السيد نصرالله إلى مقولة الأغلبية والأقلية مرة جديدة متكئاً على تعاطف معظم المكوّنات اللبنانية مع القضية الفلسطينية من سنّة ودروز ومسيحيين وشيعة، ولكن من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن لهذه المكونات رأيها في دعم غزة والقضية الفلسطينية بأشكال مختلفة وليس فقط بالناحية العسكرية. ويؤشر كلام نصرالله عن الأكثرية إلى محاولة تسييل حربه ضد إسرائيل في الداخل اللبناني وخصوصاً في استحقاق رئاسة الجمهورية ومحاولة فرض أعراف جديدة على النظام السياسي اللبناني تحت مسمى طاولة الحوار قبل أي استحقاق أو في وقت لاحق عبر إخراج مطلب المثالثة وما يمكن أن يفرزه من شرخ سياسي وطائفي في البلد وشعور لدى المسيحيين بالانتقاص من دورهم التأسيسي للبنان ومن حقوقهم وشراكتهم الوطنية ويفتح الباب أكثر أمام المنادين بالفدرالية أو بجمهورية لبنان الاتحادية، علماً أن نصرالله سبق أن وصف المثالثة بأنها «اختراع» ونفى «التفكير بها كي لا تولّد أي أوهام أو مخاوف».