IMLebanon

حرب الحرائق مستمرة.. و”جدار الصوت” يتراجع

كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الاوسط”:

سقط قتيلان في بلدة عيترون بجنوب لبنان، إثر القصف الإسرائيلي للمنطقة، إذ تتوسّع الحرب بين «حزب الله» وتل أبيب تدريجياً، مع إدخال الطرفين أسلحة جديدة في المواجهة بشكل تكتيكي، مع بقائهما ضمن قواعد الاشتباك وعدم تجاوز الخطوط الحمراء.

وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» إن «مسيرة إسرائيلية نفذت، بعد ظهر الأربعاء، عدواناً جوياً بصاروخين موجهين، مستهدفة كافيه (وحيد) الكائن ضمن محال تجارية في (محطة وحيد للمحروقات) في بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل»، مشيرة إلى أنها أدت إلى مقتل صاحب المحل علي خليل حمد (37 عاماً من بلدة عيترون)، والشاب مصطفى. ع. عيسى (وهو من منطقة إقليم التفاح)، وعملت فرق الإسعاف على نقل جثمانيهما إلى المستشفى، في حين تسببت الغارة بأضرار كبيرة في المحل والمحطة والمحال والمنازل المجاورة.

وترتكز المواجهة في الأيام الأخيرة على ما يمكن وصفها بـ«حرب الحرائق»، التي تمتد على جانبي الحدود في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.

وبعدما كان الجيش الإسرائيلي قد أشعل، مساء الجمعة، «الحرائق في حرش خلة وردة في أطراف عيتا الشعب، وعمل على تمشيط المنطقة بالقنابل الحارقة، ورشها بالمواد التي تزيد من اشتعال النيران»، وفق ما أفادت به «الوكالة الوطنية للإعلام»، أشارت، صباح السبت، إلى «اندلاع حريق كبير في تخوم موقعي الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل (الكتيبة النيبالية) قبالة مستعمرة المنارة على أطراف بلدة ميس الجبل الشمالية الشرقية، وبمحاذاة الخط الأزرق، وتوجهت فرق الدفاع المدني وآليات تابعة لـ(اليونيفيل) للعمل على إخماد الحريق».

والسبت أيضاً، قصفت «المدفعية الإسرائيلية بالقذائف الفوسفورية الحارقة أطراف بلدة علما الشعب، إذ خلّف القصف حرائق بالأحراج التي امتدت إلى محيط بعض المنازل. وقد أتت النيران على مساحات واسعة من أشجار الزيتون، وفي مرجعيون انفجر عدد من الألغام، بسبب امتداد الحريق بشكل أوسع، مقابل مستعمرة ‫المنارة عند أطراف بلدة ميس الجبل الشمالية الشرقية».

وتستخدم ذخائر الفوسفور الأبيض، وهي مادة قابلة للاشتعال عند احتكاكها بالأكسجين، بهدف تشكيل ستائر دخانية وإضاءة أرض المعركة، لكن هذه الذخيرة متعددة الاستخدامات قد تستعمل كذلك سلاحاً قادراً على أن يُحدث حروقاً قاتلة لدى البشر، وفشلاً في الجهاز التنفسي والأعضاء، وأحياناً الموت.

وقال علي عباس، عنصر إنقاذ في جمعية الرسالة، التابعة لحركة «أمل»، حليفة «حزب الله»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إسرائيل تتعمد قصف المناطق الحرجية بالفوسفور لإشعال الحرائق»، مشيراً إلى أن سيارات الإطفاء التابعة للجمعية وعناصر إنقاذ آخرين يُكافحون لإخماد الحرائق، في وقت تعذّر إرسال مروحيات للمساعدة في عمليات الإخماد، خشية أن يتم استهدافها من الجانب الإسرائيلي.

وفي الأيام الأخيرة، عمد «حزب الله» إلى استخدام السياسة نفسها، إذ سجلت حرائق في مساحات واسعة في حقول وغابات شمال إسرائيل تقدر بأكثر من 22 ألف دونم، وهو ما عكس استياءً واسعاً في صفوف السكان.

وفي هذا الإطار، يتحدث اللواء الركن المتقاعد الدكتور عبد الرحمن شحيتلي، مشيراً إلى أن إسرائيل كانت قد بدأت حرب الحرائق منذ بدء المواجهات في 7 تشرين الأول، عبر استخدامها الفوسفور، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل تعتمد على سياسة إحراق الأخضر واليابس في المناطق الموجودة على الحدود، لجعلها غير قابلة للسكن والحياة عبر تلويث الأرض والمياه وكل مقومات الحياة». مشيراً إلى أن «حزب الله» يرد على ذلك عبر إشعال الحرائق أيضاً.

ويُسجّل في اليومين الأخيرين تراجعٌ لتحليق الطائرات الإسرائيلية التي كانت تعتمد على «سياسة الترويع»، مع الخرق المستمر لجدار الصوت في مختلف المناطق اللبنانية، وذلك إثر استخدام «حزب الله» للمرة الأولى، مساء الخميس، صواريخ دفاع جوي على «طائرات العدو الحربية التي كانت تعتدي على سمائنا، ‏وخرقت جدار الصوت في محاولة لإرعاب الأطفال، ما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود»، وفق بيان «حزب الله»، وذلك بعد استخدامه في وقت سابق صواريخ مماثلة لإسقاط مسيّرات من نوع «هيرمز».

ويتوقف شحيتلي عند التطور الأخير المتمثل في استخدام «حزب الله» صواريخ «أرض جو» ضد الطائرات، مشيراً إلى أن ذلك تطور كبير في سياق المواجهات بين الطرفين.

وأوضح: «لطالما كان هدف إسرائيل استدراج (حزب الله) لمعرفة إمكاناته في الدفاع الجوي الذي تعده خطاً أحمر بالنسبة إليها، وهو يدخل في كل الاتفاقات التي تعقدها تل أبيب»، مشيراً إلى أن «حزب الله» الذي يحتفظ بسرية أنواع أسلحته، ويكشف عنها تدريجياً، كان قد حد من سيطرة إسرائيل البرية والبحرية في حرب تموز 2006، لكنها لا تزال تسيطر جوياً بشكل كامل،

ومن ثم فإن استخدام الحزب لهذه الصواريخ هو دخول مرحلة جديدة من الحرب. مشيراً إلى أن هذه الصواريخ التي لم يعلن أي من الطرفين عن نوعها لأهمية الموضوع استراتيجياً بالنسبة إليهما، تختلف عن تلك التي سبق أن استخدمها الحزب في استهداف مسيّرات «هيرميس». لكن ورغم هذا التطور، يرى شحيتلي أن المواجهة لا تزال تسير ضمن قواعد الاشتباك، مستبعداً «وقوع حرب واسعة في المدى المنظور». وكان «حزب الله» قد أعلن في 29 أكتوبر عن إسقاط طائرة مسيّرة إسرائيلية بصاروخ أرض جو، من طراز «هيرميس 450»، وأخرى بصاروخ من طراز «هيرميس 900»، في نيسان الماضي.

وفي شهر أيار، كشف «حزب الله» للمرة الأولى عن استخدام صاروخ ثقيل جديد يحمل اسم «جهاد مغنية»، واستخدامه طائرة من دون طيار جديدة باسم «شهاب»، لاستهداف نظام القبة الحديدية الإسرائيلي.

ويشير المحلل الجيوسياسي لدى شركة «لو باك» الاستشارية مايكل هورويتز لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى «تصعيد حقيقي خلال الأسابيع الأخيرة»، لافتاً إلى أن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها على شمال إسرائيل «تضاعف ثلاث مرات خلال شهر مايو مقارنة مع كانون الثاني».