كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
يفتح باب التطوّع في سلك قوى الأمن الداخلي بعد سنوات من تجميد دوراته، نافذة أمل بالنسبة لعناصره الذين فروا من الخدمة بحثاً عن مصدر دخل بديل يسدّ بعض الاحتياجات التي تفاقمت قيمتها بعد الأزمة المالية التي ألمّت بلبنان منذ سنة 2019، فتحولوا إلى ملاحقين بموجب بلاغات بحث وتحرٍّ.
فعلى رغم وسائل الترغيب والترهيب التي لجأت إليها السلطات المعنية لتأمين إنتظام هؤلاء مجدداً في المؤسسة، تُرجمت رغبة الفارين النهائية، بعريضة رفعت بواسطة النائب إبرهيم منيمنة إلى رئيس مجلس النواب، حملت تواقيع نحو 130 شخصاً، طالبوا بإصدار قانون لمرة واحدة فقط يقضي بـ»اعتبار العناصر الفارة من قوى الأمن الداخلي بحكم المطرودة» في مقابل تنازل هؤلاء عن كامل حقوقهم العسكرية والمالية.
قدم منيمنة بدوره اقتراح قانون معجلاً مكرراً، يتبنى مطالب العسكريين الفارين في بعده «الإجتماعي والإنساني» كما يقول لـ»نداء الوطن»، خصوصاً أنّ رفع التعقبات عن هؤلاء يمنحهم مجدداً حريتهم بالتنقل، وإنجاز المعاملات الرسمية وغيرها، مشيراً إلى أنه باشر بلقاءات مع مختلف الأطراف السياسية، لتأمين توافق سياسي يتيح إقراره.
حتى الآن لا أفق لإمكانية وضع هذا الاقتراح على جدول أعمال جلسة تشريعية قريبة. فجلسات تشريع الضرورة التي يتم تمريرها بين الحين والآخر بغياب رئيس للجمهورية، لا تناقش سوى اقتراحات القوانين التي تحظى بتوافقات سياسية تحدد جداول أعمالها ونتائجها مسبقاً، كما حصل حديثاً بالنسبة للتمديد الثاني للمجالس البلدية والاختيارية. فيما التوافق وإن لم يكن مفقوداً على المستوى السياسي بالنسبة لهذا المطلب، لا ينجح بتحويله إلى قضية رأي عام، خصوصاً بسبب أفكار نمطية تخلص إلى اعتبار قسم كبير من المتطوعين في الأسلاك الأمنية والعسكرية، ممن وجدوا في هذه الوظيفة قبل الأزمة عوامل الإستقرار المادي والإجتماعي، ولكن ما إن تراجعت الضمانات المعيشية التي تتيحها، حتى سارعوا إلى الفرار من السلك في أحلك ظروف تمر بها المؤسسات كافة، ومن ضمنها المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ظروف كثيرة تبدلت على عناصر كافة الأسلاك الأمنية والعسكرية خلال الأزمة الإقتصادية الضاغطة التي يرزح تحتها معظم اللبنانيين. وباتت المساعدات والهبات العينية أو المادية، جزءاً أساسياً للحفاظ على مقومات تماسك هذه المؤسسات والحفاظ على معنويات عناصرها وضباطها. ومع ذلك وجد بعضهم نفسه مدفوعاً إلى خارجها، تحت وطأة الأعباء الإجتماعية والإقتصادية التي لم تعد تطاق بالنسبة لمعظم العاملين في القطاع الرسمي، وخصوصاً بالنسبة للعسكريين والأمنيين.
لا تكشف مؤسسة قوى الأمن عن أعداد عناصرها الذين فروا من الخدمة خلال السنوات الأربع الماضية، والرقم المتداول هو بين 700 و1000 عنصر. ومع أنّ عمليات فرار مشابهة سجلت في صفوف الجيش اللبناني أيضاً، إلا أنّ اقتراح القانون الذي قدمه منيمنة حصر التشريع بإعفاءات لعناصر قوى الأمن، وهو ما يؤشر إلى لملمة داخلية لهذه الأزمة في باقي المؤسسات، خلافاً لمحاسبة عناصر قوى الأمن بموجب قانون القضاء العسكري الصادر في 13 نيسان 1968، كما يقول بعض المعنيين.
وفقاً لمصادر أمنية، «فإن عدد الفارين قد لا يعتبر كبيراً إذا ما قيس بحجم التداعيات التي خلفتها الأزمة الإقتصادية على رواتب العسكريين ومخصصاتهم، إلا أنه إذا ما أضيف إلى أعداد الذين سرحوا لبلوغهم سن التقاعد، نكون أمام تراجع كبير بعديد عناصر قوى الأمن». ومن هنا تتجنب المصادر الأمنية حصر تقييمها للواقع بأعداد الفارين، متحدثة عما يمكن أن يتركه التساهل مع الفارين من تداعيات على المصلحة العامة. وتؤكد المصادر أن المؤسسة تضع المصلحة العامة فوق القانون في تعاطيها مع هذا الملف، ليس فقط لأنها بحاجة لكل عنصر من عناصرها، وإنما تداركاً للفوضى التي يمكن أن يتسبب بها التساهل المسلكي والقانوني مع قضية الفارين، وما قد يفتحه من شهية على خلع البدلات العسكرية بالنسبة لمن لا تردعهم سوى العقوبات المسلكية.
مع أن منيمنة أخذ موضوع شرعنة واقع الفارين على عاتقه، فإنه لم يتمكن في المقابل من تحويل الملف منطلقاً لتعزيز التواصل بين المؤسسة وعناصرها. ولدى محاولته الإستماع إلى موقف مرجعية الفارين من مطلبهم، لم يصل سوى لإجابة واحدة: «التسريح صعب في ظل العجز الذي تعانيه المؤسسة في عديدها».
لا تملك أي سلطة بالطبع الحق المطلق بحبس أحد في وظيفة لا يرغب بها. غير أنه على رغم التفهم الذي تبديه القيادة الأمنية للضغوطات التي يعانيها العسكريون، تقول المصادر الأمنية لـ»نداء الوطن: «نتفهم من لديهم أوضاع خاصة تدفعهم لطلب التسريح بسن مبكرة، ولكن نحن نعاني من وضع عام، وهناك مصلحة عامة يجب مراعاتها، لأننا مؤتمنون على الناس وحمايتهم، ولكي نقوم بواجباتنا بحاجة لكل عنصر من عناصرنا». وتلفت في المقابل إلى كون الواقع الوظيفي للعسكريين في تحسن، فيما العقوبات بالنسبة للعائدين مخففة، وخصوصاً إذا لم يتبين ان لديهم إرتكابات مسلكية خلال تأدية الوظيفة. ومع ذلك يرى منيمنة أنه ثمة وجه إنساني لهذه القضية يجب أن يؤخذ في الاعتبار. ويعرض لحالات إرتبطت بأحوال عائلية وصحية، معرباً في المقابل عن استهجانه للمعايير المزدوجة بالنسبة لتسريح البعض دون سواهم.
أما ما يعرضه منيمنة في المقابل فهو تأمين المساواة تحت سقف القانون، على أن يطبق لمرة واحدة وإستثنائية ربطاً بالظروف التي دفعت بالعناصر إلى الفرار، بمقابل سحب الذرائع المالية التي قد تعتبر سبباً للإمتناع عن تسريح الفارين بظل هذه الظروف. ويوضح أنّه في صدد إعداد إقتراح قانون عادي ليحوّل على اللجان المختصة ويناقش من قبل جميع الكتل النيابية، تمهيداً لعرضه على مجلس النواب، وذلك كخطة بديلة في حال عدم التوصل لإقرار القانون بصيغة العجلة.