جاء في “الرأي الكويتية”:
عَكَسَ المساران المتوازيان من الاهتمام الأميركي – الفرنسي بالواقع اللبناني من زاوية شَبَحِ الحرب الواسعة الذي يحوم فوق جبهة الجنوب والحفرة العميقة التي ما زال يتقلّب فيها الاستحقاق الرئاسي، الخطرَ المزدوج الذي يحدق بـ «بلاد الأرز» التي تُلاطِم أعتى المخاطر في الوقت الذي لا تتحكّم سلطاتها الرسمية بمجريات المواجهات مع اسرائيل ولا مآلاتها وتَحْكُمُ الشغورُ في الكرسي الأولى في الجمهورية صراعات متعددة البُعد داخلية وإقليمية.
ولم يكن عابراً ولا مفاجئاً أن تكون للبنان حصة وازنة في المحادثات التي عُقدت في الاليزيه بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والأميركي جو بايدن اللذين أكدا في البيان المشترك عن قمة 8 يونيو «الأهمية القصوى للحفاظ على استقرار لبنان وخفض التوترات على طول الخط الأزرق وسيعملان معاً في هذا الاتجاه»، مع دعوةٍ إلى «كل الأطراف لممارسة أقصى قدر من ضبط النفس والمسؤولية، امتثالاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701»، بالتوازي مع التشديد على «الحاجة الملحّة لوضع حد للشغور الرئاسي الطويل الذي دام 18 شهراً في لبنان، والمضي قدماً من دون مزيد من التأخير في انتخاب رئيس جديد وتشكيل الحكومة وتنفيذها للإصلاحات الضرورية لتحقيق استقرار الاقتصاد اللبناني، ولإرساء أسس التعافي والنمو الاقتصادي الشامل في هذا البلد».
وسبق البيان الرسمي كلامٌ على المنبر لماكرون أكد فيه «ان فرنسا والولايات المتحدة ستضاعفان جهودهما لتجنب انفجار الوضع في الشرق الأوسط، لا سيما في لبنان، مع ضرورة خفض التوتر بين إسرائيل وحزب الله».
وإذ كان الموقفُ الأميركي – الفرنسي المشترك (وكلاهما جزء من مجموعة الخمس حول لبنان التي تضمّ ايضاً السعودية ومصر وقطر) يصدر في الوقت الذي كُشف أن الموفد الشخصي لماكرون جان – إيف لودريان زار الفاتيكان (الجمعة) «لمناقشة موضوع لبنان مع الكاردينال بارولين، وزير خارجية الكرسي الرسولي ومع المونسنيور بول ريتشارد غالاغير، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول»، فإن هذا الحِراك يؤشر إلى ديناميةٍ تَصاعُدية ترمي إلى: أولاً رفْع منسوب الضغط الإيجابي والتحفيزي حتى الساعة لتَفادي انفجارٍ في المنطقة تتسبب به «طنجرة الضغط» على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية. وثانياً تهيئة الأرضية على مستوى عَجَلَة الحُكْم في بيروت لملاقاةِ «اليوم التالي» لحربيْ غزة والجنوب عبر سلطاتٍ مكتملة النصاب تتيح للبنان الجلوس كدولةٍ «كاملة الأهلية» على طاولة الاتفاقات عوض أن تكون أحد أوراق… المقايضات.
وبات جلياً أن خفْض التصعيد على جبهة الجنوب يوازي في أهميته بل يكاد أن يفوق أهميةً حرب غزة التي مرّت ذروتها العسكرية – من دون أن تتوقف الجرائم الاسرائيلية المخزية بحق المدنيين – والتي تقف على أعتاب مقترح أميركي مُمَرْحَل لوقف الحرب يترنّح بين تردُّد أو تنصُّل اسرائيلي وبين استشعار «حماس» بأنه لم يعُد لديها ما تخسره أكثر، بما يجعلها لا تسلّم بما هو أقلّ من ضمانةٍ بإنهاء دائم من تل ابيب للقتال وانسحاب كامل من القطاع.
ولم تَعُد واشنطن تُخْفي أن «إبقاء المياه المَغْلية» – التي فاضتْ على كامل غزة – ضمن حدود القطاع نسبياً مع بعض التمدّدات الإقليمية ولكن المضبوطة، لن يكون متاحاً بحال انفجرتْ جبهة الجنوب، وذلك باعتبار أن «حزب الله» ليس «حماس» وأن قدرة المواجهة للأول كفيلةً بتحقيق تَماثُل في الدمار في كل من اسرائيل ولبنان، في ضوء امتلاك الحزب ترسانة صاروخية ومنظومات دفاع جوي ومسيّرات وتقنيات – يتم تحديثها تباعاً سواء وفق ما يتزوّده من إيران أو ما يطوّره بقدراته – كفيلة بتحقيق توازُن وأكثر مع ما قد يكون السلاح الوحيد غير المُنْهَك لدى تل ابيب وهو الطيران الحربي.
كني يتوعّد
وإذا كانت العمليات – الرسائل التي يَمْضي «حزب الله» في تنفيذها رداً على تمادي اسرائيل في غاراتها، وأبرزها استهدافه أمس «مرابض مدفعية العدو في الزاعورة في الجولان السوري المحتل وانتشار الجنود في محيطها براجمة صواريخ كاتيوشا» وشنّه «هجوماً جوياً بِسرب من المسيَّرات الانقضاضية على مقر قيادة كتيبة المدفعية في أودم»، تهدف إلى تثبيت توازن ردع حيال أي تفكير في تل أبيب بتوسيع الحرب التدميرية خارج شريط الـ 8 كيلومترات اللبناني الذي تَحَوَّلَ شبه «منطقة ميتة»، فإنّ البارز أن طهران تتعمّد تظهير أنها ستكون معنيّة بأي حربٍ تستهدف ذراعَها الأقوى حزب الله.
وفي هذا الإطار برز ما نُقل عن وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني (كان في بيروت الاسبوع الماضي) من أن بلاده ملتزمة باستخدام قوتها لإيجاد ردع ضد إسرائيل في ظل الظروف غير المستقرة بالمنطقة، معلناً في مقابلة مع قناة «سي إن إن التركية» رداً على سؤال عن الوضع المرتقب بخصوص تصاعد المواجهات بين إسرائيل وحزب الله «عليهم ألا ينسوا الهزيمة في حرب الـ 33 يوماً (حرب يوليو 2006). ولا ننصح الصهاينة أبداً أن يستعيدوا الهزيمة الثقيلة التي عانوها أمام محور المقاومة حينذاك. وإذا كان الصهاينة يريدون السقوط من مستنقع غزة إلى البئر اللبنانية فلا ننصحهم بذلك».
وحول أي دعم ستقدّمه إيران في حال اندلعت الحرب في شمال إسرائيل، أجاب باقري: «لقد دعمْنا دائماً محور المقاومة ضد المضايقات والجرائم والمحاولات التي يقوم بها الصهاينة. وسنستمرّ في دعْمها من الآن فصاعداً».
وفيما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن أمس «نحن بحاجة لإزالة تهديد حماس و (حزب الله) والابتعاد عن المصالح السياسية»، برز ما أوردته صحيفة «إسرائيل اليوم» لجهة «أن القيادة الإسرائيلية تخاف من حزب الله، وخوفها هذا ينتقل إلى الجمهور بأكمله ويمنع أي قدرة على التفكير بشكل منطقي وحكيم وخارج الصندوق»، لافتة إلى «النار في الشمال لم تتوقف لحظة واحدة، وهي أشرس وأكثر فتكاً من أي وقت، وأمامها تكتفي قيادتنا السياسية والعسكرية بتصريحات وتهديدات عقيمة والتي لم يعد أحد يأخذها على محمل الجد، لا هنا ولا في لبنان».