كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
كاسحا كان فوز اليمين المتطرف الفرنسي بقيادة جوردان بادريلا ومارين لوبان في انتخابات البرلمان الأوروبي الأحد الماضي بحصوله على نسبة تراوح بين 31,5 و32,5 في المئة من الأصوات، أي ضعف ما حققه حزب الرئيس إيمانويل ماكرون.
وغداة إعلان النتائج التي شكلت فشلا ذريعا لغالبية الرئيس الفرنسي التي كان التجمع الوطني اليمني المتطرف يسبقها في انتخابات العام 2019 بنقطة مئوية واحدة، أعلن ماكرون عن حل الجمعية الوطنية ودعا إلى انتخابات برلمانية على دورتين الأولى في 30 حزيران الجاري والثانية في 7 تموز المقبل. فهل تلقف ماكرون الرسالة المكتوبة بحبر الشعب وامتثل لنداء بادريلا إبن ال21 عاما الذي صرح بعد فوز حزبه اليمين المتطرف قائلا”لا يمكن للرئيس أن يتجاهل الرسالة التي وجهها الفرنسيون. نطالب بأن يأخذ علما بهذا الوضع السياسي الجديد ويحتكم للشعب الفرنسي وينظم انتخابات تشريعية جديدة”.
مستشار الإتحاد الأوروبي في دولة قطر لمنطقة الخليج جورج أبو صعب اعتبر أن النتائج التي أفرزتها انتخابات برلمان الإتحاد الأوروبي كانت متوقعة إنطلاقا من تراكمات السياسات الفرنسية والأوروبية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا مروراً بأزمة النزوح السوري وصولا إلى الأوضاع الإقتصادية والتجارية.وعلى رغم اكتساح اليمين المتطرف غالبية الإنتخابات البرلمانية التي حصلت سابقا وتحديدا في النمسا وإيطاليا وهولندا إلا أن تداعيات اليمين المتطرف في فرنسا كانت وستبقى الأبرز مما يؤكد أن فرنسا هي قلب أوروبا”. ويشير أبو صعب في السياق “إلى أن صعود اليمين المتطرف يشكل سابقة تاريخية لم تسجل سابقا في فرنسا حتى عندما كان له الدور الفاعل في السبعينات والثمانينات إذ لم يتمكن في حينه من الوصول إلى السلطة. في حين بات وللمرة الأولى على قاب قوسين أو أدنى للوصول إلى السلطة في الإنتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، وذلك لأسباب عديدة أبرزها سياسات ماكرون منذ العام 2017 حتى اليوم والتي أصابت في أمور وخابت في أخرى أهمها أنه لم يتمكن من أن يخلق حيثية سياسية إقتصادية فرنسية ضمن الإتحاد الأوروبي، وهذا ما أدى إلى بروز سلسلة أزمات إجتماعية انفجرت على مراحل متلاحقة في فرنسا وكان لها الأثر السلبي على الحياة الإقتصادية والإجتماعية في فرنسا ومنها على سبيل المثال لا الحصر أزمة “السترات الصفراء” وأزمة المزارعين التي كانت السبب الرئيسي في صعود اليمين المتطرف.
السبب الثاني يتمثل بالوضع الجيوبوليتيكي. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا مرورا بأزمة النازحين السوريين وما تسببت به من كوارث على الأمن الأوروبي عموما والفرنسي تحديدا، وصولا إلى شعور الفرنسيين بأنهم لم يعودوا في امان في بلادهم، وهذا ما شجع اليمين الأوروبي على اقتناص هذه النقاط المحورية واللعب عليها”.
قرار الرئيس الفرنسي بحل الجمعية الوطنية والإعلان عن إجراء إنتخابات تشريعية جديدة على دورتين الأولى في 30 حزيران الجاري والثانية في 7 تموز ليس صائبا يقول أبوصعب “وهذه خطورة ما دونها خطورة وقد فاجأت حتى جماعات الرئيس الفرنسي حتى أن البعض لوح بالإستقالة من الأكثرية الحالية لماكرون، مضيفاً أن الرئيس الفرنسي ارتكب خطيئة باتخاذه قرارا مماثلاً لأنه بذلك يمهد لاكتساح اليمين المتطرف البرلمان الفرنسي وكان يجب أن يلتقط التحول البارز في المزاج الفرنسي”.
الترقب لنتائج الإنتخابات البرلمانية يبقى سيد الموقف والأكيد أنها ستؤثر على فرنسا وعلى عهد ماكرون المتبقي له في سدة الرئاسة لكن كل المؤشرات تدل على أن التغير في المزاج الفرنسي سيوصل اليمين المتطرف إلى الحكم. آنذاك يصبح مصير الإسلاموفوبيا على المحك. وفي هذا السياق، يلفت أبو صعب “إلى أن فرنسا بعد اكتساح اليمين المتطرف لن تكون كما قبله. والمرجح حصول حملة تنظيف وتطهير لكل مهاجر ونازح وأحنبي موجود على الأراضي الفرنسية من دون مبرر. لكن هذه العملية لن تحصل بشكل دراماتيكي وعبثي، إنما بما يتلاءم مع قوانين الجمهورية. وفي حال وصول رئيس حكومة من اليمين المتطرف سيجد ماكرون نفسه ملزما بالتعايش معه مما يؤشر إلى حال من اللاإستقرار السياسي في فرنسا في السنوات الثلاث المتبقية من عهد ماكرون”.
أما على مستوى الداخل اللبناني، فيؤكد أبو صعب أن تداعيات اكتساح اليمين المتطرف في حال فوزه في انتخابات البرلمان في فرنسا وبالتالي نيله النسبة الأعلى في برلمان الإتحاد الأوروبي سينعكس إيجابا على وضع المسيحيين في لبنان والمنطقة ككل. لكن تبقى كلمة الفصل للشعب الذي فجّر أقوى زلزال في تاريخ فرنسا، وقد أثبت الفرنسيون أنهم شعب حي بإيصالهم نوابا يعملون لمصلحة الشعب” يختم أبو صعب.