كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ليس معلوماً الفرق بين الحوار والتشاور. وليس مفهوماً رفض منطق الحوار أو التشاور لسبب يتعلق برئاسة الجمهورية أو لأي سبب آخر. خلال زيارته الأخيرة طرح الموفد الرئاسي الفرنسي جان- ايف لودريان مبدأ التشاور قبل الدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. تماهى مع مطلب المعارضة، لكنه لم يملك أجوبة عن الفرق بين التشاور والحوار، مفضلاً الابتعاد عن أي مصطلح يستفز المعارضة. كما رفض مبدأ تمسك «حزب الله» بترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية. ولم يرُق له ما سمعه عن رفض «حزب الله» أي حوار أو تشاور لا يكون برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما استغرب تأكيد «الحزب» التمسك بترشيح فرنجية. انتهت زيارته ولم يحقق أي تقدم، ومثله انتهى حال اللجنة الخماسية التي جمّدت لقاءاتها بعدما لمست استحالة في التجاوب وتراجع المسعى الذي كان يتم العمل عليه برفع مستوى الاجتماعات إلى مستوى وزراء الخارجية.
رغم انفتاحه على العلاقة مع فرنسا، إلّا أنّ «حزب الله» أبدى انزعاجه من مسعى لودريان واسلوب حديثه. أظهرت التطورات المتصلة بالوضع جنوباً أن كل مسعى رئاسي لن يكتب له النجاح حالياً، ما دامت جبهة الجنوب على سخونتها. تؤكد مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» أنّ كل الساعين رئاسياً سلّموا بارتباط تلقائي بين انتخابات الرئاسة ومصير الحرب في غزة، وبالتالي جبهة الجنوب. ولمس «حزب الله» تسليماً أميركياً بهذا الواقع، ويتعامل رئيس مجلس النواب نبيه بري على أساسه. ولهذا يمكن تفسير البرودة في التعامل مع لودريان الذي حضر ناصحاً، وغادر محذراً، فلا نفعت هذه ولا تلك خلّفت أثراً.
يتجاوب «الثنائي» مع المبادرات الداخلية سواء تلك التي أطلقها الاشتراكي، وكان هدفها فتح أبواب الحوار، أو التي يعمل عليها «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل. يطمح الأخير إلى تحقيق تلاقٍ مع الإشتراكي وبعض الساعين رئاسياً إلى تشكيل نواة تكتل يدفع بالحوار إلى الأمام ويحقق حضوراً على مستوى جلسات البرلمان. مثل هذه الخطوة قد تكون تمهيداً للمسعى القطري الأخير الذي يريد اطلاق عجلة البحث الرئاسي أو تلتقي به. أرسل القطري عبر موفدين رسائل تطمينية ووعداً بأنّ قطر ستتولى المساهمة في إعادة إعمار ما خلّفته الاعتداءات الاسرائيلية في القرى والبلدات الجنوبية. ولأول مرة تبدي مصادر سياسية تفاؤلاً بالمسعى القطري المتجدد، وإن كانت تتحفظ عن ذكر تفاصيل ما يتم بحثه. مصادر أخرى غمزت من قناة محاولة قطر بمعزل عن «الخماسية» وتحدثت عن خلافات يمكن تلمّسها بين قطر والسعودية، جمّدت اجتماعات اللجنة الخماسية.
في نظر «حزب الله» إنّ كل المبادرات الرئاسية بما فيها القطرية محاولات لتقطيع الوقت، ريثما تنجح مساعي التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو هي تحضير لما بعد غزة. فإن انتهت الحرب عاد الموفد الاميركي آموس هوكشتاين ليطرح أوراق التفاوض على الحدود والرئاسة، وإن استمرت فالعين على جبهة الجنوب الساخنة بوتيرتها العالية بدليل نوعية المواجهة المستجدة من قبل «حزب الله» الذي بدأ يتصدى للطائرات الحربية بالمضادات، ثم كثّف مسيراته في إتجاه الداخل الاسرائيلي ورفع مستوى عملياته رداً على العدوان الاسرائيلي، وكان آخرها أمس إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز هيرمز 900.
عين الولايات المتحدة على جبهة الجنوب لأنها تجد فيها التهديد الجدي لإسرائيل، وهي تسلم أنّ هذه الجبهة لن تتوقف ما لم تتوقف الحرب في غزة، ولذلك تمارس ضغوطاً على بنيامين نتنياهو للقبول باستئناف المفاوضات، خصوصاً بعد الاستقالات التي شهدها المجلس الحربي الإسرائيلي، وقد انفضّت حلقة المؤيدين لقراره باستمرار الحرب. ولهذه الاعتبارات يتلقف رئيس المجلس كل المبادرات الرئاسية، وعينه على المسعى الأميركي وموفده هوكشتاين الذي لم يتوقف التنسيق معه في شأن المرحلة المقبلة، لما بعد غزة. التسليف لصاحب القرار أفضل من وجهة الثنائي لغيره، ولهذا السبب انتهت زيارة لودريان إلى الفشل، ولم يعد مجدياً الحديث عن انتخابات على صفيح الجنوب الساخن. فالمواجهة وإن لم تكن حرباً واسعة فهي مواجهة ساخنة من شأنها أن تحدد وجهة التطورات في المنطقة، وعلى هذا الأساس يتعامل «حزب الله».