IMLebanon

التصدّع في مجلس نتنياهو.. والصُداع على جبهة لبنان

جاء في “الراي الكويتية”:

على وقع تَهاوي «مقترَح بايدن» حول غزة، وانجرافِ إسرائيل وحكومتها أكثر نحو التطرف، ارتفع منسوبُ الترقُّب لِما إذا كانت تل أبيب في وارِد، أو لديها «القدرة»، على توسيع الحرب على جبهتها الشمالية من باب… الهروبِ إلى الأمام.

ولم يكن عابِراً أن يترافقَ بدءُ وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن من القاهرة جولتَه الثامنة في المنطقة منذ بدء الحرب على قطاع غزة، مع وقوفِ مجلس الحرب الاسرائيلي على مَشارف حلّه من بنيامين نتنياهو بعدما تصدَّع من الداخل باستقالة بيني غانتس وغادي ايزنكوت، والتسريبات عن أن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن ناقشوا التفاوض على صفقة أحادية الجانب مع «حماس»، لتأمين إطلاق 5 أميركيين رهائن في غزة إذا فشلتْ محادثات وقف النار الحالية بين الحركة وتل أبيب.

ولم يكن ممكناً في بيروت القفزُ فوق أبعاد والارتدادات المحتملة لـ «زلْزلة» مجلس الحرب الاسرائيلي وبدء واشنطن التفكير في «خطة باء» لاستعادة أسراها لدى «حماس» في توقيتٍ تريده معزولاً عن «الساعة السياسية» التي يضبط نتنياهو موضوع الهدنة برمّته عليها، وبما يُراعي «الزمن الرئاسي» في الولايات المتحدة حيث قُلبت «الساعة الرملية» في الطريق إلى السّباق الانتخابي المحموم.

وفي رأي أوساط مطلعة في بيروت أن ما شهدتْه الساعاتُ الماضيةُ في هذا الإطار، داخل اسرائيل كما لجهة توسيع واشنطن مروحة خياراتها في ما خص تجزئة ملف الأسرى لدى «حماس» وإمكان فتْح «خطّ عسكري» مع الحركة يتعلّق برهائنها، يؤشر إلى أن مقترَح بايدن بات يفتقد لأيّ حظوظٍ في أن يحقق وقفاً للنار في غزة ويطلق مسار الحل المستدام.

وفي تقدير هذه الأوساط أن استقالة غانتس وايزنكوت لن تخفّف من تشدُّد نتنياهو، الذي ما زال يدير اللعبة ارتكازاً على توازنات الحكومة الموسعة، بل إن افتقاد رئيس الوزراء شريكيه الوسطييْن سيدفعه أكثر الى أحضان اليمين المتطرف بعدما خسر العنصر الذي كان يمنحه هامشاً للمناورة، ليجد نفسه من الآن وصاعداً بين «ناري» ضغوطِ أقصى اليمين وضغوط الولايات المتحدة التي يُخشى أنها لم تعد تؤثّر في مجرى خيارات نتنياهو الذي قد يكون قريباً أمام وجوب حسم خياراته: فإما التصعيد أكثر أو التراجع بحال لم يَعُد متاحاً وفق تطورات الميدان اللعب لكسب المزيد من الوقت في انتظار الدخان الذي سيتصاعد من البيت الأبيض الخريف المقبل.

إشارات متناقضة

وهذا التصعيد أو الانكفاء يشمل بطبيعة الحال جبهة الجنوب اللبناني التي برزت أمس إشاراتٌ متناقضة اسرائيلية حيالها عبّر عنها ما نقلتْه «رويترز» عن مصادر من أن «التحرّكات الإسرائيلية تشير إلى أنها تستعدّ لحرب واسعة النطاق ضدّ (حزب الله) في لبنان»، في الوقت الذي أعلن مسؤول حكومي إسرائيلي أن «تصريحات قادتنا كانت واضحة بأن التصعيد قد يكون وشيكاً في لبنان»، متداركاً أن «الحرب في لبنان ليست حتمية وأبدينا انفتاحنا على الجهود الديبلوماسية لباريس وواشنطن».

وفيما كان هذا المناخ يتزامن مع تأكيد الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها ناصر كنعاني أنّ «قوى المقاومة لن تقف مكتوفةً إذا أقدمت إسرائيل على أي مغامرة في لبنان»، وأن «لبنان له حق الرد على أي خطوة إسرائيلية تستهدف الداخل اللبناني وأمن المنطقة»، شهد الميدان احتداماً في المواجهات التي باتت تنطبع أكثر بقضْم مستمرّ من «حزب الله» للردع الاسرائيلي وارتقاءٍ في نوعية العمليات والأهداف في سياق ما يبدو ترسيماً بقوة النار لخطوط حمر سيعني تجاوُزها من تل ابيب، بحال اختارت توسيع الحرب المحدودة الراهنة، فتْح الحزب خزائنه ومخازنه و«صندوق مفاجآته» على طريقة «والبادي أظلم».

وفي هذا الإطار وعلى وهج الاعتداءات الاسرائيلية التي لم تهدأ وخرق الطيران الحربي جدار الصوت أكثر من مرة في أجواء الجنوب وصولاً الى صيدا، نفّذ «حزب الله» سلسلة عمليات نوعية أبرزها:

– إسقاط سادس طائرة مسيّرة منذ بدء الحرب، وهي نوع «هيرمز 900». وقد أعلن الحزب أنّه «أثناء المراقبة والمتابعة ‏الدائمة لحركة العدو في الأجواء اللبنانية، كَمَنَ عناصر (الحزب) لهيرمز 900 مسلّحة ‏بصواريخ لتنفّذ بها اعتداءات على مناطقنا»، وأضاف: عند وصول «المسيّرة» إلى دائرة النار استهدفها المجاهدون بأسلحة الدفاع ‏الجوّي قبل تنفيذ اعتدائها، وأصابوها إصابة مباشرة وتم إسقاطها».‏

– هجوم «بسرب من المسيّرات الانقضاضية على مقر قيادي تابع لفرقة ‌‏الجولان 210 شاعل، استهدف أماكن تموضع ضبّاط العدو وجنوده، وأوقع فيهم إصابات مؤكدة، كما تم تدمير ‏جزء ‏من المقر واشتعال النيران فيه»، وقبله هجوم مماثل (بسرب من المسيَّرات الانقضاضية) على مقر القيادة ‏المستحدث التابع للفرقة 146 شرق نهاريا مستهدفاً «أماكن ‏تموضع واستقرار ضباط العدو وجنوده، وأصابها ‏إصابة مباشرة، ما أدى لتدميرها واشتعال النيران فيها ‏وإيقاع أفراد العدو بين قتيل وجريح».

وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن طائرتين مسيّرتين عبرتا من لبنان وانفجرتا شمال هضبة الجولان واندلع حريق في المنطقة، بعدما كانت أشارت إلى «إصابة سائق شاحنة في القصف على الجليل الغربي».

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّه تم رصد إطلاق بين 4 أو 5 طائرات مسيّرة من لبنان باتجاه إسرائيل نهار أمس، حيث سُمعت أصوات انفجارات قوية فوق صفد.

«الحرب النفسية»
وفي حين برز ما نُقل عن مسؤولين سوريين لجهة حصول «غارة إسرائيلية في حمص في 29 أيار استهدفت مركبة كانت تحمل أجزاء صواريخ متجهة من سورية إلى لبنان»، فقد شهدت المواجهات جنوباً مساراً جديداً من «الحرب النفسية» حيث كُشف عن تلقّي أحد المواطنين رسالة تحذيرية، بُعيد منتصف ليل الاحد – الاثنين عبر تطبيق «واتساب»، تُفيد أنّ الجيش الإسرائيلي قرّر استهداف «موقع مكوّن من أربع طبقات بالقُرب من محطة سالم»، في بلدة البازورية وهي مسقط الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وسط دعوات لـ «إخلاء المكان فوراً قبل تفجيره».

وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأنه على الأثر، سادت حالة من الهلع لدى سكّان البازورية، ما استدعى تدخّلاً من عناصر الدفاع المدني التابع لـ«الهيئة الصحية الإسلامية»، الذين انتشروا على طول الطريق بعد إقفالها. كذلك أخلى أهالي الحيّ السكنيّ المُهدّد منازلهم على الفور، فيما أقفلت المدارس الخاصة والرسمية في البلدة ومحيطها، ومنها مدرستا «أجيال المستقبل» و«السراج»، والثانوية الرسمية في البازورية، والتي كان من المفترض أن تجري جميعها امتحانات نهاية العام يوم أمس.

وفي موازاة ذلك، ووسط رصْدٍ لِما قد تحمله قمة مجموعة السبع في باري (إيطاليا) التي تبدأ الخميس من لقاءاتٍ لن تغيب عنها أحداث المنطقة وتوتراتها، يجري ترقُّب هل ستكون هناك حصة للبنان من هذه اللقاءات ولا سيما في ضوء تَوَقُّع مشاركة وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان وعقْد لقاء بينه وبين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يُرجَّح إذا حصل أن يَستكمل في جزء منه الشق اللبناني من محادثات سيد الاليزيه مع الرئيس الأميركي جو بايدن (في 8 حزيران) والتي أكدت وجوب خفض التصعيد على جبهة الجنوب امتثالاً للقرار 1701 والإسراع في إنجاز الانتخابات الرئاسية المعطّلة منذ أكثر من 18 شهراً.