Site icon IMLebanon

أهالي الأشرفية يئنّون!

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:

«بتنا نعاني من صعوبات في التنفّس وإقلاق راحة دائم ينعكس سلباً على صحتنا العقلية، الجسدية والنفسية. الزيت السام يتسرّب في أرجاء موقف السيارات ويتعدّاه إلى الشارع. يجب إيقاف تشغيل مولّدات الكهرباء هذه بأسرع وقت ممكن وإلّا سنضطر جميعاً للانتقال إلى أماكن سكن أخرى». هذا ملخّص صرخة أطلقها ويطلقها سكّان المباني المجاورة للعقار رقم 901 في منطقة الأشرفية (شارع المطران عطالله). ملكية العقار تعود إلى مطرانية بيروت المارونية. والمولّدات، التي يُحكى أن صاحبها يتغطى بعباءة الوساطة والمحسوبيات، لا تراعي شروطاً أو معايير.
ربيع غصن هو أحد السكّان المتضررين. ويستفيض في السرد لـ»نداء الوطن»: «منذ العام 2010 ونحن نشكو من أضرار كان يتسبّب بها لنا مولّد الكهرباء الموجود في عقار تابع للأبرشية المارونية في الأشرفية، والذي كان يؤمّن التغذية مجاناً للمركز الصحي الاجتماعي الخاص بالأبرشية. وعود كثيرة تلقّيناها في العام 2015 بوقف المولّد عن العمل بشكل تام، إلّا أن صاحبه عمد إلى بيعه للسيّد متري جرجورة. فما كان من الأخير إلّا أن استبدله بمولّدات أكبر حجماً ملأت المكان ضجيجاً وارتجاجات. في نيسان 2022، اجتمعنا بالأب جورج قليعاني شارحين له حجم المعاناة وطالبين منه نقل المولّدات إلى بقعة ذات أرضيّة ترابية قادرة على امتصاص الأصوات والارتجاجات، لكن دون جدوى». فهل من مسؤول – أو مسؤولين – عمّا يحصل؟

المالك يُهدّد

كلام غصن يتردّد على أكثر من لسان. فقد تقدّم عشرات السكّان من مالكي ومستأجري العقارات رقم 2385، 2171 و109 من منطقة الأشرفية العقارية (وهي جميعها عقارات مجاورة للعقار رقم 901) بشكوى في محافظة بيروت بتاريخ 01/08/2022 حملت الرقم 814. هؤلاء طالبوا بإبعاد المولّدات عن الأماكن السكنية والتحقيق مع صاحبها وإرغامه على إجراء ما يلزم ووقف عملها لحين تنفيذ المطلوب ودفع عطل وضرر، لعدم مراعاتها شروط السلامة الصحية وإصدار أصوات مزعجة تقلق راحة السكّان المجاورين وتتسبّب بانبعاثات سامة تنتج عنها روائح كريهة.

أحد مالكي العقار2171 يشتكي بدوره من أن المولّدات لا تراعي أدنى معايير السلامة البيئية ولا حتى الشخصية. «يقوم صاحبها بفتح أبوابها صيفاً لغرض التهوئة… الصوت لا يُحتمل والدخان عابق باستمرار. هذا ولم نتكلّم عن تسرُّب مادتَي الزيت والمازوت بآثارهما الواضحة على جدران مبنى السيّد غصن و»الشحتار» الأسود الذي يكسو جدران المباني المجاورة». من هنا، وبتاريخ 21/08/2023، عاد وتمّ التواصل مع محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، ليصار إلى كشف في اليوم التالي مباشرة من قِبَل قسم المراقبة في مصلحة المؤسسات المصنّفة في بلدية بيروت. غير أن صاحب المولّدات لم يلتزم بأي من الإصلاحات المطلوبة. فجرى الكشف مجدّداً بتاريخ 26/09/2023، حيث قام المالك برفع الداخون فقط وترك الأصوات والروائح بلا معالجة. أما خزانات المازوت الملاصقة لمحطة محروقات، ما يزيد من خطر وقوع انفجار بأي لحظة، فتبقى بدون حلول هي الأخرى.

لا بل أكثر. فمن يتحدّث إلى السكّان يسمع أن ثمة تهيّباً من مواجهة صاحب المولّدات الذي وُصف بـ»المدعوم من كافة الأطراف»، لا سيّما بعد التهديدات التي تلقّاها منه بلا مواربة بعض من تقدّموا بشكوى ضدّه في المحافظة.

والمطرانية تتجاهل

بالمحصّلة، اقتنع سكّان المباني المجاورة بأن صاحب المولّدات لن يلتزم بالقرار الصادر عن المحافظة لناحية تأمين شروط السلامة العامة ورفع الضرر الناتج عن التشغيل وحماية خزانات المازوت بمادة مضادّة للحريق. فحاولوا التوجّه إلى المطرانية مباشرة، متقدّمين بمجموعة رسائل خطية وإلكترونية إلى راعي الأبرشية، المطران بولس عبد الساتر، يناشدون فيها بتعليق عقد الإيجار وثني صاحب المولّدات عن المواصلة. لكنهم لم يلقوا تجاوباً. ويقول أحدهم. «أملك شققاً سكنية في العقار رقم 2171 مؤجّرة لأفراد أجانب. توجّهت برسالة إلكترونية إلى سيادة المطران علّه يساعدنا في إيجاد حلّ لهذه المعضلة، وما زلت أنتظر ردّاً». أما غصن، فيذكر تواصله مع الأب طوني الحلو الذي وعد ببذل قصارى جهده، لكن بلا جدوى. ويتابع: «تواصلت أيضاً مع محامي المطرانية، الأستاذ كميل مراد، لكن علاقات جرجورة تبدو وثيقة مع الجميع. فقد وصل به الأمر أن هدّدني ومنعني من إرسال صور وتسجيلات إلى المحافظة تظهر الضرر. حتى أنه كلّف عمّال سوريين بمراقبتي».

السكّان الأجانب حاولوا بدورهم التواصل مع المطرانية، بلا تجاوُب أيضاً. وهذه رسالة بعثت بها السيّدة لورا بترسون بتاريخ 20/11/2023: «نودّ إرسال شكوى رسمية إليكم بشأن المولّدات غير القانونية التي تمّ وضعها في موقف السيارات المواجِه لمبانينا. منذ تركيب المولّدات ونحن نواجه صعوبات في التنفّس كما أثّرت الضوضاء المستمرّة على نومنا وصحتنا العقلية العامة. هذا وتتراكم أبخرة العادم داخل المنزل ما أحال أسطح المباني سوداء وقد تغيّر لون واجهات المباني كلّها. على الرغم من الشكاوى المتعدّدة والاجتماعات مع الأطراف المعنية، إلّا أن الحظ لم يحالفنا في نقل أو إزالة هذه المولّدات. من الضروري إيقاف تشغيلها بأسرع وقت ممكن وإلّا سنغادر جميعاً المبنى ونضطر للانتقال إلى منزل جديد. يرجى إعلامي بما يمكننا القيام به لحلّ هذه المشكلة».

بين الأبرشية والبلدية

مصدر مقرّب من المطرانية لفت لـ»نداء الوطن» إلى أن الأخيرة هي مالكة العقار، لا المولّدات، وأن للمستأجر حرية التصرّف في المأجور. «لقد تقدّم السيّد جرجورة بتقارير رسمية تثبت عدم وجود أي ضرر ناتج عن مولّداته، لذا لا يمكننا أن نملي شروطنا عليه. فمحافظة بيروت كما الأجهزة المختصّة هي المسؤولة عن ذلك. طلبنا أيضاً من سكّان المباني المجاورة أن يتقدّموا بأمر على عريضة في المحكمة لتعيين خبير للكشف على الموقع، لكنهم لم يفعلوا. المطرانية لا يمكنها أن تتحرّك إلّا بموجب تقرير رسمي». أما عن تجاهُل رسائل السكّان، فاعتبر المصدر أن المطرانية لا تعتمد المخاطبات بالبريد الإلكتروني وأنه من غير اللائق التوجّه إلى شخص المطران برسائل «واتساب». «لقد اجتمعنا بالسكّان وطلبنا منهم تزويدنا بتقرير رسمي، ونحن مستعدّون للاجتماع بهم مجدّداً».

ومن المطرانية إلى مصلحة المؤسسات المصنّفة في بلدية بيروت. يقول مديرها، المهندس باسم عويني، في اتصال مع «نداء الوطن» إن البلدية قامت بالإجراءات المناسبة وأوّلها الإنذار الذي توجّهت به المراقبة بتاريخ 12/09/2022 على ضوء الشكوى الواردة من السكّان، لتأمين الشروط اللازمة لرفع الضرر الناتج عن استخدام المولّدات. وإذ لم يكن هناك تجاوُب، استُتبع ذلك بإنذار ثانٍ وللمرة الأخيرة عبر المحافظ بتاريخ 04/11/2022. «حين شعر صاحب المولّدات بجدّية المسألة، عمد إلى توفير ما طُلب منه من عقد صيانة وتأمين ضدّ مخاطر الحريق وتزويد المولّد بالفلاتر اللازمة وكل المستندات ذات الصلة. عندها، رفعت المراقبة تقريرها بتاريخ 02/05/2023 حيث أكّدت توفير المطلوب وضمّت المستندات إلى المعاملة. وعلى ضوء مراجعة جريدتكم الكريمة مجدّداً بهذه الشكوى، طلبنا من رئيس القسم إعادة تحويلها إلى المراقبة لضمان جودة التنفيذ والتحقّق من الالتزام بالشروط والمعايير وما إذا كان ثمة ضرورة لاتّخاذ أي إجراء إضافي».

لحلول جذرية

ليس سرّاً أن أزمة مولّدات الكهرباء باتت شبه مستعصية وتستلزم حلولاً جذرية. يُذكر أن المحافظ عبود تقدّم بتاريخ 08/02/2024 بإخبار الى النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، يتضمّن تسعين إسماً لأصحاب أو مستثمرين للمولّدات في مختلف المناطق البيروتية، الذين لم يبدوا أي استعداد للإلتزام بالأنظمة التي ترعى عملها، مطالباً باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة في حقّهم. وبالمناسبة، لا بدّ من توجيه شُكر إلى النائب نجاة صليبا وفريق عمل مكتبها المستمرّ في متابعة القضية منذ أكثر من شهر. فبحسب المسؤولة عن المكتب، يجري إعداد كُتب ستُرفع إلى الوزارات المعنية بسبب كمّ الشكاوى الواردة. وسيتمّ التعاطي مع الأخيرة على نطاق شامل بحثاً عن معالجة سريعة وللخروج بحلّ متكامل للمولّدات المتغلغلة في كلّ مكان.

أما التقارير والإنذارات الصادرة عن بلدية بيروت، فنضعها في عهدة مطرانية بيروت المارونية، باعتبارها إثباتاً واضحاً على حجم الضرر الناتج عن مولّدات العقار 901. على أمل أن يبصر تحرُّك سريع النور.