كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
لم تنته بعد تداعيات قرار النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار الذي اتخذه الأسبوع الماضي، وقضى بـ«كفّ يد» المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون النظر بالملفات القضائية، جرّاء «تمرّدها والامتناع عن تنفيذ توجيهاته»، وسط تدخلات سياسية لمحاولة تطويق الأزمة الناشئة والتي اتخذت منحى سياسياً.
وكشف مصدر قضائي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن النيابة العامة التمييزية «تتجه لاتخاذ إجراءات جزائية بحقّ القاضية عون على خلفيّة تصريحات وتغريدات أدلت بها الأخيرة بعد صدور قرار عزلها». وأكد المصدر أن كلام عون الأخير «لا يقف عند حدّ الإساءة للمرجعيات القضائية فحسب، بل تضمّن تحريضاً على المؤسسات الدستورية وتشويهاً لدورها وتشجيع (حكم المافيا) بدل دولة القانون وهذا أمر لا يمكن أن يمرّ من دون إجراءات عقابية لا بدّ من اتخاذها».
وشكّلت تغريدة القاضية عون الأخيرة على منصة (إكس)، صدمة لدى الأوساط القضائية، حيث قالت: «هذا البلد لا يستأهل عدالة، هذا البلد يستأهل نظاماً مافيوياً يمسك بكل مقدراته، أمام هول ما حصل، وأمام التطاول الوقح على قاضٍ يحاول رفع الظلم وتطبيق القانون، ما شفت إلّا تويتات، نعم، مبروك عليكم هكذا نظام». وأضافت: «محاربة الفساد لم يعد له معنى، أنا تاركة أقله ضميري مرتاح، مبروك عليكم سرقة 8 مليار دولار وحماية كل الأجهزة للمرتكبين، مبروك عليكم رياض سلامة (حاكم مصرف لبنان السابق)، مبروك عليكم حجب جنى عمركم من قبل المصارف».
وهاجمت عون بعنف كلّ الأصوات التي أيدت قرار الحجار بكفّ يدها، وختمت تغريدتها: «إذا كانت هذه هي ردة فعلكم وردة فعل قيادييكم أمام سرقة العصر، فلا أمل، أقولها للأسف مبروك عليكم النظام الفاسد».
تدخلات سياسية
ووفق أوساط متابعة لهذه القضية، فإن هناك «جهات سياسية تعمل على حلّ أزمة (كفّ يد) هذه القاضية، خصوصاً التيار الوطني الحرّ الذي تحظى بدعمه السياسي»، لكن الأوساط أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «تمادي القاضية المذكورة في هجومها على رؤسائها والإصرار ومحاولة تشويه كلّ قرار لا يتوافق مع مصلحتها، صعّب مهمّة الساعين إلى رأب الصدع بينها وبين الحجار ومجلس القضاء الأعلى»، مشيرة إلى أن وزير العدل هنري الخوري «أجرى مروحة اتصالات شملت مراجع سياسية وقضائية».
وشددت المصادر على أن الوزير الخوري «سيسعى فور عودته من الخارج إلى تضييق مساحة الخلاف بين الحجار وعون، إلّا أن النائب العام التمييزي ليس بوارد التراجع عن قراره رغم كلّ الاتصالات التي تلقاها ومحاولات جمعه بالقاضية عون»، مذكرة بأن الحجار «أطلع وزير العدل مسبقاً على قرار كفّ يد غادة عون، وعلى الأسباب القاهرة التي استدعت اتخاذ قرار كهذا».
غضب قضائي
وأثار تصريح عون غضباً واسعاً لدى أغلب القضاة الذين قرأوا في هذا الموقف «إساءة لهم ولدورهم، خصوصاً وأن غادة تحاول أن تظهر نفسها أنها وحدها التي تكافح الفساد وتسعى لاستعادة أموال المودعين من المصارف». وأشارت الأوساط نفسها إلى أن «عشرات القضاة أصدروا أحكاماً وقرارات تحفظ حقوق المودعين لكنها بقيت سريّة والتزاماً بموجب التحفّظ، لأن التحقيقات القضائية تكتسب طابع السريّة بدل نشرها في وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وبدا لافتاً أن «نادي القضاة» لم يستجب لدعوة عون التي طالبته بالتضامن معها، للأسباب المذكورة أعلاه.
ولم تفلح مواقف رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل التصعيدية بإحداث أي خرق يؤدي إلى التراجع عن قرار معاقبة غادة عون، واعتبر مصدر حقوقي أنه «رغم الدعم العلني من قيادة التيار لهذه القاضية، فإن خياراتها لم تعد موضع قبول لدى أغلب النخب في التيار خصوصاً قطاع المحامين». وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشاركة الهزيلة في الاعتصامين اللذين نفذهما محامون وناشطون في التيار أمام قصر العدل في بيروت وفي ساحة 7 أغسطس في منطقة المتحف دعماً للقاضية دليل واضح على تراجع التأييد لهذه القاضية».
إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن «النيابة العامة التمييزية» بصدد فتح تحقيق يطال مقربين منها معنيين بملفات المصارف أمام القاضية المذكورة، بعدما نشرت لائحة تضمنت أسماء عدد قليل من المحامين الذين حصرت بهم القاضية عون مهمة إقامة الدعاوى على المصارف. وأفادت المعلومات بأن هذا الأمر «سيكون موضع متابعة قضائية في الأيام المقبلة، وربما يكون هناك تنسيق مع نقابة المحامين في حال تقرر اتخاذ إجراءات معينة».