جاء في “الراي”:
كان «حزب الله» على علم منذ فترة طويلة بالتقدم العسكري الإسرائيلي، ولا سيما استخدام الذكاء الاصطناعي ضد خصومه في فلسطين ولبنان وسورية والعراق ومناطق أخرى.
وتعتمد الحربُ الحديثة في شكل متزايد على الابتكارات التكنولوجية، ما يسمح بتقنيات قتالية جديدة كانت تبدو وكأنها خيال علمي قبل بضعة عقود.
ولتحقيق النجاح في القتال، من الضروري الحفاظ على نيات غامضة، وضرب العدو بشكل غير متوقع، وتعطيل أجهزته الإلكترونية ومعدات المراقبة قدر الإمكان قبل الهجمات.
وقد أنشأت إسرائيل وحداتٍ استخباراتيةً يتم تحديثها باستمرار بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز قتالها ضد أعدائها. وفي البداية، لم يكن حزب الله مستعداً لمواجهة الحرب الإسرائيلية المتقدّمة، لكنه تمكّن من التكيّف، وتقليل خسائره، وإنشاء ردع متوازن ضد اعتماد تل أبيب على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
منذ 7 تشرين الاول 2023، يواجه حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي على الأرض، وقد أجبرهم تأثيرُه الذي تُرجم بتكلفة بشرية باهظة على التكيف وتطوير التدابير المضادة. وبعد 8 أشهر من التعامل اليومي مع الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي، حقق حزب الله تكيفاً نسبياً.
دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية
لأكثر من عقد من الزمان، قامت الجيوش في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إسرائيل، بدمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها. ويساعد هذا الذكاء في معالجة كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية من مصادر مختلفة مثل رسائل الهاتف المحمول، وصور الأقمار الصناعية، ولقطات الطائرات من دون طيار، والتعرّف على الصوت، وأجهزة الاستشعار الزلزالية.
ويمكن لأحد برامج الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية البارزة، «Gospel»، أن يقترح ما يقارب 200 هدف في غضون 10 إلى 12 يوماً، ما يؤدي إلى تسريع عملية الاستهداف بشكل كبير بما لا يقلّ عن 50 مرة.
ومنذ 7 تشرين الاول، ضرب الجيش الإسرائيلي أكثر من 22 ألف هدف داخل غزة، مستخدماً الذكاء الاصطناعي لتعزيز دقة الاستهداف وكفاءته.
ومع ذلك، فإن الاعتماد على هذا الذكاء يمكن أن يزيد من خطر التعرف الخاطئ، حيث قد يشعر المحلّلون بالضغط لقبول التوصيات الصادرة عن الذكاء الاصطناعي من دون التحقق الشامل، ما قد يوجِد تحديات تشغيلية جديدة. وفي غزة، أدى إفلات القوات الإسرائيلية من العقاب إلى ارتكاب العديد من الأخطاء، حيث يتم في كثير من الأحيان تَجاهُل قيمة حياة المدنيين الفلسطينيين.
التكيف والتدابير المضادة
في الأشهر الأولى من الحرب، قام «حزب الله» بتعديل إستراتيجية انتشاره على طول الحدود، وعاود تنظيمَ وحدات القوات الخاصة لتتناسب بشكل أفضل مع أهداف الحرب الحديثة.
وقام بنشر وحداتٍ في شكل انتقائي بما يتناسب مع الاشتباكات اليومية للحدّ من الخسائر البشرية، وعزز وحدات الاستطلاع الخاصة به لمراقبة التحركات البرية والجوية الإسرائيلية.
وقد مكّنه هذا التعديل من رصْد عمليات نشْر الوحدات الإسرائيلية الجديدة وتوثيقها، وتحديد أنماط دوريات الطائرات من دون طيار والقوات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان.
وقد أطلق الحزب أكثر من 4500 صاروخ (2000 عملية) موجّه بالليزر وطائرة من دون طيار ضد أهداف إسرائيلية، ما تسبب بأضرار جسيمة للقرى الحدودية والمستوطنات والمنشآت العسكرية. وأضعفت هذه الهجمات بشدة اعتمادَ إسرائيل على الذكاء الاصطناعي لإدارة ساحة المعركة.
ودمّر الحزب بشكل منهجي العديد من أنظمة المراقبة الإلكترونية على طول الحدود التي يبلغ طولها 110 كيلومترات، بما في ذلك أنظمة الإنذار المبكر التي تصل إلى 25 كيلومتراً داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.
وأدت هذه الحرب الإلكترونية الشاملة إلى شبه عجز نظام القبة الحديدية وأعمت قدرات المراقبة الإلكترونية الإسرائيلية بشكل فعال وليس نهائياً.
نتيجة لذلك، تم إضعاف استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي لتحديثاتِ ساحة المعركة في الوقت الفعلي بشكل كبير.
وردّت تل أبيب بنشر طائرات من دون طيار لتحديث مجموعة أهدافها، ما كشف هذه الأصول على دفاعات الحزب المضادة للطائرات.
وأدى هذا التحول التكتيكي إلى إسقاط سبعة طائرات من دون طيار من الأكثر تقدماً، وهي هيرميس 450 وهيرميس 900 وسكاي لارك 3، ما يؤكد الضعف المتزايد للاستطلاع الجوي الإسرائيلي.
ولكشف النقص في قدرات الذكاء الاصطناعي وتقليل الخسائر البشرية، نشر «حزب الله» صواريخ «بركان» المتفجّرة زنة 250 كيلوغراماً ومركبات مدفعية هاوتزر عيار 152 ملم، ونجح في التهرب من أحدث تقنيات الاستطلاع الإسرائيلية.
إلا أن المعركة مستمرة حيث يبحث الطرفان عن طرق متطورة وأدوات مضادة لمواجهةٍ طويلة الأمد لا أفق لنهايتها في القريب العاجل. إنها حرب الأدمغة والتكنولوجية وصراع الاستخبارات والتأقلم مع حياة أقلّ اعتماداً على التكنولوجية كي لا يسهل اكتشاف الأهداف على العدو، ولكن هذا ليس سهلاً في عالم متطور يعتمد على التكنولوجيا في كل أمر.