كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يستمرّ كل فريق بتبنّي رؤيته لطريق حلّ الأزمة الرئاسية. ويُسجّل فريق «الثنائي الشيعي» التقدّم على كل الأفرقاء لقدرته على إغلاق مجلس النواب أكثر من سنة واشتراطه الحوار برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وتعيش الساحة السياسية توازناً بين المعارضة و»الثنائي الشيعي» وتحاول بعض الكتل التي تتمركز في الوسط ولو شكلياً خلق واقع جديد.
ظهرت في الأسابيع الأخيرة محاولة لتشكيل نواة كتل وسطية، فبعد مبادرة تكتّل «الاعتدال الوطني» انطلق «اللقاء الديموقراطي» في حركته ليتبعه «التيار الوطني الحرّ». وفي لغة الأرقام تستطيع هذه الكتل التأثير لأنها تملك نحو 45 نائباً، لكن فعلياً هناك عوامل عدّة تجعل هذه الكتل غير مؤثّرة.
ويأتي في طليعة هذه العوامل انتماء كل كتلة إلى اصطفاف معيّن، فـ»اللقاء الديموقراطي» كان في المعارضة، وليس سهلاً تتبّع خط الوسط، وجو «الاعتدال الوطني» هو معارض، أما «التيار الوطني الحرّ» فكان حليف «حزب الله»، بينما بعض النواب المستقلّين والتغييريين أتوا من خلفية «كلّن يعني كلّن» وغرقوا في وحول السياسة اللبنانية.
ونظراً إلى اختلاف الخلفيات، فلا يستطيع هذا الفريق الانسجام مثلما كان الوضع عليه أيام 8 و14 آذار أو مثل حالة الإنقسام الحالية بين المعارضة السيادية و»الثنائي الشيعي» والحلفاء. فعلى سبيل المثال، لا يوجد اجتماع موحّد لهذه الكتل أو لجنة تنسيق، وبالأمس القريب كانت الخلافات الكبرى تتحكّم بها.
وما يجمع هذه الكتل هو فقط التحرّك من أجل الرئاسة ونيل بركة الرئيس نبيه برّي، فكتلة «الاعتدال» فعلت فعلها بالتنسيق مع بري، ثمّ حصل الإنقلاب على الوعود، أما النائب السابق وليد جنبلاط فهو صديق برّي ويسير وفق ما تُمليه مصلحتهما، أما النائب جبران باسيل الذي وصف بري سابقاً بـ»البلطجي» وشنّ عليه أشرس الحملات عاد ليوافق على ترؤّسه الحوار في موقف مغاير لموقف بكركي والأغلبية المسيحية.
وإذا كان الأفق الداخلي مسدوداً، إلا أنّ حراك هذه القوى الثلاث ينسجم مع جهود اللجنة الخُماسية، لكن كل فريق حصل على دعم خاص من دولة معيّنة من هذه الدول الخمس. «الاعتدال الوطني» نال بدرجة كبرى دعم ومباركة المملكة العربية السعودية، أما جنبلاط فقد نسّق خطواته مع باريس، خصوصاً بعد زيارة موفدها جان إيف لودريان لبنان ومحاولته تبنّي أفكار بري بالنسبة إلى الحوار، في وقت ينسج النائب باسيل أفضل العلاقات مع قطر التي يحاول من خلالها تسويق لائحة من المرشّحين.
لا تستطيع مبادرة أي كتلة الوصول إلى أي نتيجة مرجوّة، فلو كانت هناك نوايا لنجحت مبادرة «الاعتدال الوطني»، وبما أنّ كل تلك المبادرات ستصبّ في مطبّ الحوار برئاسة برّي واستطراداً منح رئيس مجلس النواب صلاحية جدية هي قدرته على التعطيل ليترأّس الحوار الرئاسي فهذا يعني فشل كل تلك المبادرات، خصوصاً بعد موقف «القوات» والمعارضة برفض رئاسة بري الحوار وعدم السماح بتكريس أعراف جديدة.
لا يستطيع أي فريق فرض آرائه على الآخرين، وإذا كان «الثنائي الشيعي» يتمسّك بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ويعمل وفق نظرية إما فرنجية أو لا رئيس، فهذا يعني عدم الحاجة إلى الحوار، لأنّ النتيجة معروفة سلفاً، فلا «الثنائي» تراجع ولا المعارضة ستقبل بفرض رئيس وفوز منطق «فائض القوة» وتكريس توازنات جديدة.
ولا توجد في الأفق بوادر حلحلة حتى لو سلّم الجميع باستحالة وصول مرشح أحد المحاور، في حين ستعود الكتل الوسطية إلى اصطفافاتها القديمة عندما تحين ساعة الحسم. فتكتّلا «الاعتدال» و»اللقاء الديموقراطي» لن يتصرفا خارج تغريد شارعيهما والجو السعودي والعربي، أما «التيار الوطني الحرّ» فلن يُقدم على اختيار صدامي مع «حزب الله» يكسر فيها الجرة نهائياً معه رغم كل الخلافات، وبالتالي المبادرات تأتي لملء فراغ الوقت الضائع.