IMLebanon

هل يفرغ استدراج بريطانيا وقبرص للحرب الأهداف الفلسطينية؟

كتب طوني جبران في “المركزية”:

قبل ان تغتال امس الطائرات النفاثة في غزة القيادي في الذراع العسكري لحماس رائد سعد، في هجوم إسرائيلي استهدف مربعا سكنيا في مخيم الشاطئ ومعه أكثر من 50 شهيدا فلسطينيا، وبطائرة مسيرة القيادي في “الجماعة الإسلامية” أيمن غطمة ومرافقه على طريق بلدة الخيارة في البقاع الغربي، كانت المخاوف قد تعززت حيال محتوى بنك المعلومات والأهداف الذي تمتلكه اسرائيل ومدى قدرتها على مراقبة تحركات القادة العسكريين كما اي من العناصر العاديين المستهدفين. والدليل الذي يمكن التوقف عنده في أعقاب أي عملية، ان تل أبيب قادرة على مواكبتها، بضخ المعلومات الدقيقة عن هوية المستهدف، ونشر نبذة عن سيرة حياته بما فيها من معلومات قد تكون خافية على محيطه وربما لدى افراد عائلته، قبل صدور بيانات النعي التي يوثقها “حزب الله” بطريقة “جريئة” وعلنية والآلية المعتمدة في شكلها ومضمونها الى درجة حافظ فيها على تقليد ديني وجهادي روتيتي من دون اي تمييز بين شهيد وآخر مهما كانت الفوارق كبيرة بين حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق اي منهم.

وفي تعليقها على هذه المعادلة الثابتة لا يستطيع اي مرجع امني او ديبلوماسي في حديثه الى “المركزية” نفيها او التنكر لها، بعدما اخضعت لتجارب عدة قبل التثبت من دقتها الى درجة لم تعد تخضع لأي نقاش. وباستثناء فقدان البوصلة التي تتحدث عن مصدر المعلومات وطريقة استثمارها بالطريقة المعتمدة، فان البحث جار لمعرفة حجم المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدى “حزب الله” والتي فاقت اي تصور وخصوصا عند تصنيفه لبعض المواقع العسكرية الإسرائيلية بما فيها المستحدثة على مراحل منذ الثامن من تشرين الأول الماضي عدا عن نوعية الاسلحة والمسيرات المستخدمة في المواجهة المفتوحة مع اسرائيل على شتى الاحتمالات وخصوصا ان توسعت الحرب وزادت وتيرتها بعد ان تتدخل فيها أسلحة جديدة لم تستخدم بعد.

وانطلاقا من هذه المعطيات التي ما زال الكثير مما يحيط بها من كتمان، والمغلفة بكثير من الغموض الى حدود متقدمة اقتربت من السرية التامة، يبقى الاعتراف ضروريا بوجود من يمتلك الكثير من الأسرار التي لا يمكن البوح بها بانتظار الوقت المناسب. وهو أمر ليس مستغربا لا في علم الأمن العادي ولا المخابراتي ولا العسكري، فكيف بالنسبة الى هذه الحرب التي لم تعرف المنطقة نموذجا سابقا لها، ليس بالنسبة الى امتدادها على مدى الأشهر التسعة التي عبرت ولا في مساحة العمليات العسكرية بضيقها غير المسبوق عندما اندلعت شرارتها بين جيش نظامي ومجموعات من “ميليشيا مسلحة” تمتهن العمل العسكري تحت الارض وفوقها، قبل ان تتوسع لتشمل ساحات تفصل في ما بينها دول تحولت اجواؤها ممرا للصواريخ والطائرات المسيرة والاسلحة البالستية والتقليدية جنبا الى جنب.

وما هو أخطر مما يجري – تضيف مراجع عسكرية وديبلوماسية – ان ما يحول دون قراءة مستقبل هذه الحرب ونتائجها ومجرياتها وسيناريوهاتها المتوقعة وتحديدا ما يتصل منها بـ “اليوم التالي” لنهايتها”، مرده الى فقدان الأفق المؤدي الى “التفاهم السياسي” الذي سيكون من اولى مهماته تحديد موعد لوقف إطلاق نار ثابت ومستدام ورسم الصيغة التي ستنتهي إليها المنطقة قبل البحث في الفرز المطلوب بين الخاسر فيها والرابح. وهو أمر اظهر بشكل من الأشكال عجز طرفي الصراع والوسطاء مهما علا شأنهم ودورهم عن ابتكار المخارج والحلول الضامنة لنهاية الحرب.

وفي ظل هذه المعطيات التي ابعدت كل التوقعات المحتملة والسيناريوهات المنتظرة للحرب دون القدرة على ترجيح احداها بانتظار فهم النوايا من مشاريع التوسع فيها، وخصوصا بعد ان ادخلت الجزيرة القبرصية في آتون المعركة بشكل من الاشكال فتعددت الخيارات التي يمكن ان يكون قصدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بانتظار المزيد مما يمكن اكتشافه ان بلغت الخيارات العسكرية مداها في ظل تراجع كل الخيارات السياسية والديبلوماسية.

وبعيدا مما يمكن التوسع في توقعه من خيارات لا تحصى، فقد رجحت المراجع المطلعة اثنتين منها على الأقل وهما مترابطان على قاعدة الربط بين “السبب والهدف”. ويقول الخيار الاول ان ما جرى سيفتح الباب أمام تورط قوى اضافية في الحرب ان توسعت. وستكون بريطانيا واحدة منها بعدما اكدت السلطات القبرصية في آخر تفسير وتوضيح لها للمناورات المشتركة التي شاركت فيها اسرائيل وقبرص الى جانب قوات اخرى، انها اجريت على أراض ذات “سيادة بريطانية”. وهو ما شكل نفيا لتوصيف سابق قال انها لم ولن “تهدف الى انخراط الجزيرة في اي حرب محتملة”. وإن حظيت الجزيرة “الصغرى” بحصانتي دول الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي فإنها ستكون عملية تقود الى الخيار الثاني الذي يتلاقى مع مضمون وتوقيت القرار الذي كشف عنه الحرس الثوري الايراني قبل فترة بضم البحر المتوسط الى مجال “امن ايران القومي”.

وختاما، ونتيجة لهذا السيناريو المحتمل، لا تخفي المراجع الديبلوماسية والامنية مخاوفها الكبرى من مشروع ينحرف بالحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان من اهدافها المعلنة حتى اليوم لتكون القضية الفلسطينية اولى ضحاياها بعد افراغ عملية “طوفان الاقصى” من اولى وأهم أهدافها الوطنية باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الضامنة لحق العودة وتقرير المصير ضمن حدود الـ 67 وعاصمتها القدس الشرقية.