جاء في “الراي الكويتية”:
بعدما أفْرَغَ كل من إسرائيل و«حزب الله» ما في جعبتيْهما من تهديداتٍ بدا معها أن «الحربَ الكبرى» حصلتْ «على الورق» كما عبر العالم الافتراضي وبتقنياتِ الواقع المعزَّز و«لمَسَ» الطرفان تداعياتها المدمّرة على المقلبين، يسود «حبْسُ أنفاسٍ» تَرقُّباً لِما ستؤول إليه الجهودُ الديبلوماسيةُ المستمرّةُ ومحورها واشنطن لتفادي السيناريو الأسوأ على جبهة جنوب لبنان، وهو الاصطدام المروّع بارتجاجاته التي يُخشى أن تصيب الإقليم المقيم أصلاً فوق صفيح لاهب.
وفي حين بقيَ الميدانُ جنوباً على سخونةٍ اتسمت بمنحى أقلّ ضراوة على المقلبين، ارتفع الرصدُ لآخِر محاولاتٍ لدرء الحرب وهل ستُفْضي المساعي الديبلوماسية إلى صيغةٍ موقتة للجبهة اللبنانية التي بات مصيرُ حرب غزة ومَسارُها يُدار أميركياً على قاعدة أولويةِ منْع زلزال في المنطقة يكون مركزه جنوب «بلاد الأرز»، أم أن الأفقَ المسدودَ بات مَحْكوماً بمرورٍ «إلزاميّ» أقلّه بـ«أيام قتالية» تشكّل نسخةً تصعيديةً من الحرب المحدودة المتمادية منذ 8 أكتوبر وتوفّر «غطاء نارياً» لتراجعاتٍ بـ«رعايةٍ» خلْفية وخفية إقليمية ودولية، وإن كان مثل هذا السيناريو دونه الخشية من أن تتطاير تشظيات مثل هذا التصعيد، متى بدأ، بخطأ كبير يؤدي إلى الانفجار الكبير.
ولم يكن عابراً في موازاة الحضور الطاغي لخطر جبهة الجنوب في كل من واشنطن ولوكسمبورغ كما في رسالة القلق التي حَمَلَتْها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى بيروت أمس، أن ينطبع المسرح «الحربيّ» بتناغُم دولي على التحذيرِ من مغبة ترْك الفتيل يشتعل بـ«برميل البارود» في شمال إسرائيل، بالتوازي مع إمعان تل أبيب في لعبة «الشيء وعكسه» في سياق حربٍ نفسية أصبحت مُسْتَهْلَكة واستُنفذ مفعولها، ولم تعُد معها تهديداتُها بأن الضغطَ على الزناد صار قاب قوسين ولا الإيحاءات بأن بنيامين نتنياهو غير مهتمّ بحلٍّ بالقوة تؤخذ إلا على أنها «قنابل دخانية»، وسط تَعاطي «حزب الله» مع الحرب على أنها مستبعَدة ولكنه جاهِز لها في حال فُرضتْ عليه.
وفي هذا الإطار برزت المؤشرات الآتية:
– ما نقلتْه «جيروزاليم بوست» عن مسؤولين كبار في إسرائيل معلومات مفادها أنّ «العدّ التنازليّ لحرب محتملة مع حزب الله قد بدأ»، وهو ما أعقبه إعلان قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار أنه أجرى تقييماً للوضع مع قائد القيادة الشمالية أوري غوردين، مؤكداً رفْع الجهوزية لهجوم على لبنان.
– ما أورده موقع «أكسيوس» الأميركي عن أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن أن نتنياهو غير مهتم بحرب مع حزب الله ويفضّل الحل الديبلوماسي، في حين كان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي يعلن أن تل أبيب «ستقضي الأسابيع المقبلة في محاولة حل الصراع مع حزب الله وأنها تفضّل حلاً ديبلوماسياً».
– ما نقله الموقع نفسه عن أن «الولايات المتحدة تؤكد أنها لن تكون قادرة على كبح جماح إسرائيل إذا استمر الوضع على الحدود في التصاعد» وأن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين أبلغ المسؤولين اللبنانيين «أن حزب الله مخطئ في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستكون قادرة على منع إسرائيل من غزو لبنان إذا استمرت الهجمات» وأنه يعتبر انه يتعيّن على الحزب «التفاوض بشكل غير مباشر مع إسرائيل بدل تصعيد التوترات».
– ما كُشف عن مضمون لقاءات وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت في واشنطن وبينها خلال لقائه هوكشتاين حيث أكد الأول «التزامه بتغيير الوضع الأمني في المنطقة الحدودية الشمالية مع لبنان» وأن «الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب سيؤثر على كل جبهات القتال، وإسرائيل تستعدّ لكل سيناريو عسكرياً وديبلوماسياً».
– تأكيد الخارجية الأميركية أن استمرار العمل العسكري في غزة يضعف إسرائيل ويصعّب التوصل إلى حل في الشمال، وتحذير الوزير أنتوني بلينكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من شنّ بلاده هجوماً كبيراً ضد «حزب الله»، وتشديده على «أهمية تجنب المزيد من التصعيد للصراع والتوصل إلى حل ديبلوماسي يسمح للعائلات اللبنانية والإسرائيلية بالعودة إلى منازلها»، وذلك بالتوازي مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية أن «جهودنا تنصبّ على بلوغ حل ديبلوماسي للتوترات على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية» و«نركز على الحيلولة دون توسّع الصراع في المنطقة».
منافذ إجلاء
وفي هذا الوقت، وفي ظلّ تسريباتٍ عن إمكان أن يزور هوكشتاين باريس في الساعات المقبلة مع احتمال أن ينتقل منها مجدداً إلى تل أبيب ومن ثم بيروت، وكشْف النائب اللبناني مروان حمادة أن «غالبية السفارات الغربية استكشفت المنافذ البحرية لدرس إمكان إجلاء رعاياها في حال تدهورت الأمور لأن الأجواء في الأيام الأخيرة كانت متشائمة، على الرغم من كل النفي»، استوقف أوساطاً سياسية ما أبلغه رئيس البرلمان نبيه بري لقناة RT في لبنان حيث عبّر عن «بالغ القلق من انفلات الأمور، فنحن في مرحلة حساسة ودقيقة، وأمام شهر حاسم، والوضع غير مُطَمئن». وقال «التقينا هوكشتاين، وكنا ننتظر أجوبة منه بعد زيارته تل أبيب، لكن ذلك لم يحصل، وهذا يبعث على عدم الاطمئنان للمبادرة الأميركية (للتهدئة)»، مضيفاً «هوكشتاين طرح تراجع حزب الله 8 كيلومترات عن الحدود لتهدئة الأوضاع في مناطق الشريط الحدودي، فطالبتُ بالمقابل بتراجع الجيش الإسرائيلي عن حدوده 8 كيلومترات أيضاً».
وعلى وقع هذا المناخ، وفيما جددت كندا دعوتها لمواطنيها لمغادرة لبنان معلنة «أن الوضع الأمني متوتر بشكل متزايد ولا يمكن التنبؤ به»، حطّتْ وزيرة الخارجية الألمانية في بيروت حيث عقدت اجتماعات مع كبار المسؤولين، في مقدّمهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فيما برز عدم اشتمال جدول زيارتها على لقاء مع بري الذي كان عزا الأمر إلى «تضارُب في المواعيد».
تهديد وأكثر
وجاءت محطة بيربوك غداة اعتبارها من لوكسمبورغ حيث عُقد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي «أن الوضع على الحدود مع إسرائيل أكثر من مقلق»، وذلك بالتوازي مع إعراب المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل عن «قلقه الشديد بشأن تصاعد الأوضاع في الشرق الأوسط»، محذراً من «احتمال تصاعد رقعة الصراع إلى لبنان قريباً».
وبرز على هامش الاجتماع تأكيد وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس أن «من غير المقبول أن يطلق حزب الله تهديدات ضد قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي… ونقف إلى جانب قبرص وسنكون جميعاً معاً في مواجهة جميع أنواع التهديدات العالمية القادمة من المنظمات الإرهابية»، في حين اعتبر الناطق باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بيتر ستانو رداً على تهديدات السيد حسن نصرالله لقبرص التي اتّهمها باستضافة مناورات مع القوات الإسرائيلية وحذّرها من فتْح قواعدها ومطاراتها لإسرائيل في أي حرب على لبنان أن «قبرص دولة عضو في الاتحاد وأي تهديد ضدها يُعد تهديداً ضد الاتحاد ككل».