IMLebanon

وثيقة بكركي مجمدة

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

يبدو واضحا أن الحماسة والديناميكية التي انطلقت مع وثيقة بكركي التي جرى الإعداد لها عبر اجتماعات شارك فيها ممثّلون عن أحزاب الكتائب اللبنانيّة، والقوات اللبنانيّة، والتيّار الوطني الحر، والوطنيين الأحرار، وحركة الاستقلال ومشروع وطن الإنسان، في حين قاطع تيّار المردة بردت، إن لم نقل إنها وُضعت في الثلاجة.

فبعدما أُنجزت صياغة الوثيقة وأُرسلت نسخ منها إلى رؤساء الأحزاب، توقفت الإجتماعات ولم يعد يصدر أي كلام لا من قبل الأحزاب التي شاركت عبر موفدين لها ولا في أروقة بكركي، علما أن مضمون ما ورد في صياغة الوثيقة ركز على المفهوم الوطني حرصا من البطريرك بشارة الراعي أن يصوب عليها ولا تكون أقرب إلى وثيقة خاصة بالمسيحيين. إلا انها من دون شك جاءت مكللة بالنقاط التي تشدد على الحضور المسيحي الحر وعلى دورهم الفاعل في كافة المجالات الوطنية والسياسية والثقافية والإقتصادية .

مصادر مقربة من الأقطاب التي شاركت في الإجتماعات لفتت إلى أن هناك اتجاها لتجميد العمل والبحث في وثيقة بكركي في هذه المرحلة الدقيقة التي تجتازها البلاد، حتى لا تتحول إلى مجرد ورقة من ضمن الأوراق التي تتم صياغتها من دون لون ولا جدوى. وتشير المصادر لـ”المركزية” الى أن الإختلاف في الآراء حصل في مقاربة النقاط التي تتعلق بموضوع السيادة والحياد وحصرية السلاح بيد الدولة. وعلى رغم الإيجابية التي أبداها التيار الوطني الحر في مسألة ضرورة تسليم كل السلاح غير الشرعي، إلا أنه فضل “تلطيف” العبارات التي تتعلق بسلاح حزب الله واستعمال تعابير وأدبيات اخرى. وفي ما يخص الملف الرئاسي تلفت المصادر إلى أن الورقة بقيت في إطار الشكليات بحيث لم يتم البحث في الأسماء أو المواصفات.”جل ما في الأمر أنه كان هناك تشديد على ضرورة احترام المواعيد الدستورية والإلتزام بما ورد حرفيا في الدستور”.

عدم تصاعد الدخان الأبيض حتى اللحظة من بكركي وصدور وثيقة بكركي بصياغتها النهائية التي شتشكل محطة مفصلية في تاريخ لبنان على غرار نداء أيلول الشهير عام 2000 لا يعني إقفال كل الأبواب واستبعاد إعادة إحياء الإجتماعات. بالتوازي لا تستغرب المصادر حال التريث والجمود في الحراك على خط بكركي لإنجاز الصياغة النهائية لوثيقة بكركي كونها تتضمن بنوداً تعتبر خلافية حتى بين الأقطاب وتتضمن هذه البنود : احترام سيادة لبنان، توحيد الصفّ المسيحي، حماية مبدأ الشراكة الوطنية، استعادة حقوق المسيحيين، تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، معالجة مسألة السلاح غير الشرعي، إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتطبيق القرارات الدولية، وغير ذلك من عناوين تتعلّق ببناء الدولة.

واللافت أن على رغم الخلاف والإختلاف بين الأقطاب المسيحية التي شاركت في الإجتماعات وأشرفت على الصياغة الأولية للوثيقة بعدما قدم كل منها ورقة حول الثوابت الوطنية المطروحة، إلا أنه كان هناك تلاق في العديد من النقاط حتى في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان.

ممثل أحد الأحزاب المشاركة في الإجتماعات التي خلصت إلى صياغة وثيقة بكركي يؤكد لـ”المركزية” أن التوافق حصل بين كل الأفرقاء على نص الوثيقة، إلا ان في اللجظات الأخيرة بادر فريق يمثل احد الأحزاب المسيحية المعارضة الوازنة بوضع ملاحظات على البند المتعلق بسلاح حزب الله ليقابله اعتراض من ممثل فريق ممانع، وحصل نقاش أفضى الى تجميد البحث في الصياغة النهائية، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد والمنطقة لا سيما الحرب في غزة وانخراط حزب الله فيها .ومعلوم أن مناقشة وثيقة مماثلة يجب أن يحصل على نار هادئة وليس على فوهة براكين الحرب المشتعلة في الجنوب والتي تهدد كل لبنان. وأي كلام في البند المتعلق بالحياد والسيادة وحصرية السلاح سيفجر ألغاما في أرض مشتعلة.

باختصار نص وثيقة بكركي بات في يد اللجنة في بكركي تمهيدا لاتخاذ موقف معين. لكن من يتابع عظات البطريرك الراعي في قداس كل أحد يلاحظ أنه يتطرق فيها إلى بنود كثيرة وردت في الوثيقة كمثل القرارات الدولية مع إعطاء التفسير كما هو وارد في الوثيقة والجدوى منها، مما يؤكد أن هذه الوثيقة بصياغتها غير النهائية أعطت مفعولها .

ويختم أن البطريرك الراعي يدرك تماما أهمية النقاط الواردة في الوثيقة، لكنه يفضل التريث بسبب الوضع الأمني القائم في الجنوب والحرب بين إسرائيل وحزب الله. أيضا يدرك الراعي ان من يملك قرار الحرب والسلم في لبنان هو حزب الله، وهو حتما لن يهتم بوثيقة بكركي في هذه المرحلة التي تناقش إلى جانب المسائل الوطنية الكبرى مسألتين تتعلقان به مباشرة هما حصرية السلاح والإستراتيجية الدفاعية”.

فهل تبصر وثيقة بكركي النور بعد انتهاء حرب غزة ويكون للبنان نداء شهير يمهد لولادة الجمهورية الثالثة؟