IMLebanon

جبهة لبنان على حبل مشدود: استعدادات لحرب لا يريدها أحد

جاء في “الراي”:

تَرْمي واشنطن بثِقْلها لمنْع انفجار جبهة جنوب لبنان وذلك عبر «إبطاء» مسار التصعيد الذي تدحْرج على مقلبيْها في «أيام لاهبة» وتسريعِ إنهاء حرب غزة بصيغةٍ أو أخرى وإنجاز ترتيببات ما بعدها على المستوييْن الأمني والسياسي.

ويَشي المساران المتلازمان والمرتبطان بـ«الأوعية المتصلة» منذ أن أعلن «حزب الله» في 8 تشرين الاول الماضي فتْح حربِ الإسنادِ لغزة وصولاً لتكريسه «وحدة المصير» بينهما من خلال تثبيت معادلة «النار (على غزة) بالنار (عبر الجنوب)» والعكس صحيح، بأنّ الضغطَ الأعلى الأميركي لتفادي امتداد «الطوفان» إلى جنوب لبنان وعبره إلى المنطقة دونه حقلٌ واسع من ألغام تبدأ من «مَخرج الطوارئ» لحرب غزة والذي مازال مغلّفاً بضبابية كبيرة، ولا تنتهي بـ «السلّم» الذي يُراد أن يشكّل وسيلة نزول إسرائيل و«حزب الله» عن شجرةٍ:

– تطلّ تل أبيب من أعلاها على شمالٍ لا ترى إمكانية لعودة سكانه إليه إلا على قاعدة «حزام نفسي» عازل بعمق ما بين 8 و10 كيلومترات لا وجود فيه لـ «حزب الله» بأي شكل.

– ويَنظر «حزب الله» من على الشجرة نفسها إلى «أسفل» يَعتبر أنه وضع إسرائيل فيه عبر إغراقها بمفاجآتٍ عسكرية متسلسلة تُبْقيها منذ أشهر بكامل جغرافيتها «على رِجل ونصف» وذلك بما لا يتيح لها، ضمن الحدود الحالية للحرب المحدودة ونتائجها انتزاعَ «انتصارٍ» عَكْس سير الميدان المدجّج في أبعاده العميقة باعتباراتٍ عابرة لـ «ملعب النار»المباشر وتتصل بالحيثيات «الأصلية» لمجمل «الزلزال» الذي وقع في 7 تشرين الاول والذي لم تتوانَ طهران في مفاصل عدة عن التلميح وأكثر إلى حيثياته الخفية.

ولم يكن عابراً أن تبقى جبهة الجنوب على رأس الاهتمامات الإقليمية والدولية، على شكل تحذيراتٍ تتوالى من خروجها عن السيطرة بالتوازي مع اتساع دائرة الدعوات من عواصم غربية لرعاياها لمغادرة لبنان، ومضيّ إسرائيل في لعبة الإشارات المتناقضة على قاعدة «نفضّل الحل الديبلوماسي ولكننا جاهزون للحرب ونرفع استعداداتنا لها». وفي هذا الإطار برزت المواقف والوقائع الآتية:

– تأكيد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أنه «يجب أن نوقف التوسيع المحتمل للحرب إلى لبنان والأوضاع هناك متوترة».

– إعراب وزارة الخارجية الفرنسية عن «قلق باريس الكبير من خطورة الوضع في لبنان، مع تَصاعد العنف بشكل كبير على الحدود مع إسرائيل» ودعوتها «جميع الأطراف إلى أعلى درجات ضبط النفس وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701»، مؤكدة «التزامها بالكامل بالعمل على منع أي تصاعد على الخط الأزرق وتعزيز فرص حل ديبلوماسي».

– تشديد الناطق باسم البيت الأبيض عبر قناة «العربية» على أن واشنطن تعمل جاهدة لمنع جبهة ثانية في الشمال عبر جهود ديبلوماسية مكثفة، في الوقت الذي نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين «أنه من الصعب التهدئة بين إسرائيل وحزب الله» و«اننا لن نمنع إسرائيل من الحرب في لبنان إذا تعثرت الديبلوماسية».

وقد أعلنت السفيرة الأميركية ليزا جونسون في احتفال أقامته السفارة بمناسبة الذكرى الـ 248 لعيد الاستقلال الأميركي أنّ «هذه اللحظة حاسمة في المنطقة، لقد استمرّ هذا الصراع بما فيه الكفاية، ونحن، بدءاً من الرئيس جو بايدن إلى كل موظف في هذه السفارة، نُركّز على منع المزيد من التصعيد وإيجاد حلّ ديبلوماسي ينهي المعاناة على جانبي الحدود»، مؤكدة «اننا بحاجة إلى حل هذه الصراعات – سواء في غزة أو على الخط الأزرق – بسرعة وديبلوماسية. وكما قال الموفد آموس هوكشاتين في بيروت الأسبوع الماضي، فإنّ هذا أمر ملحّ وقابل للتحقيق على حد سواء».

– إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في ختام زيارة واشنطن أن إسرائيل «لا تريد الحرب لكننا نستعد لكل السيناريوهات»، مشيراً إلى أن «حزب الله يدرك جيداً أننا قادرون على إلحاق أضرار جسيمة في لبنان إذا اندلعت الحرب». وأضاف: «لدينا الإمكانية لإعادة لبنان إلى العصر الحجري لكننا لا نريد القيام بذلك» وأن حكومته تفضل حلاً ديبلوماسياً للوضع على الحدود بين إسرائيل ولبنان.

– مواصلة إسرائيل الاستعدادات للحرب وسط تقارير عن أن جيشها نقل جزءاً من قوّاته من غزة إلى الشمال تحضيراً لأيّ من السيناريوهات التصعيدية مع «حزب الله»، في وقت ذكر الجيش الإسرائيلي أنّ «قوات الكتيبة 12 من لواء غولاني، والتي يعمل في منطقتَي جبل دوف وجبل الشيخ على الحدود الشماليّة، نفّذت تدريباً يحاكي القتال في تضاريس معقّدة»، معلناً عن «مناورة أخرى نفّذها لواء المظلّيّين الاحتياطيّ 55، تدرّبت على سيناريوهات قتاليّة مختلفة، بما في ذلك التحرّك في تضاريس معقّدة، والتقدّم على طول(طريق جبليّ».

– ما كُشف عن أنّ «إسرائيل تعمل فعلياً على إنشاء حزام أمني لمسافة 5 كيلومترات داخل الحدود اللبنانية»، وأنها أحدثت «دماراً هائلاً في القرى (ضمن هذا النطاق) لجعْلها غير صالحة للعيش» وفق صحيفة «معاريف»، وهو ما تلاقي مع ما نقلته «فاينانشال تايمز» عن أن أقماراً اصطناعية«كشفت إحداث إسرائيل ممراً من 5 كيلومترات شمال الخط الأزرق في لبنان» و«أن قصف إسرائيل شبه اليومي بالفوسفور الأبيض جعل 5 كيلومترات من مناطق جنوب لبنان غير صالحة للسكن وبمثابة منطقة ميتة».

ووفق الصحيفة البريطانية، وقع الدمار الرئيسي في المنطقة التي يبلغ عرضها 5 كيلومترات شمال «الخط الأزرق»، مشيرة إلى «أن الهجمات الإسرائيلية على هذه المنطقة تسبّبت في أضرار جسيمة، ليس فقط لمنشآت حزب الله العسكرية ولكن أيضا للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المباني السكنية والأراضي الزراعية»، مبينة أن نتائج القصف «تشير إلى أن إسرائيل تريد إنشاء منطقة عازلة جنوب لبنان بحكم الأمر الواقع».

– تمدُّد الدعوات لمغادرة الرعايا الغربيين لبنان وسط تقارير كشفت أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك نقلت إلى بيروت قبل أيام «أن إسرائيل تفكّر جدياً في توسيع الحرب، وأن أحداً في الغرب لن يستطيع ردّها».

وبرز في الإطار «تذكير» السفارة الأميركية في بيروت، عبر موقعها الإلكتروني «المواطنين الأميركيين بإعادة النظر بشدّة في السفر إلى لبنان»، معتبرةً أنّ «الوضع الأمني لايزال معقّداً ويمكن أن يتغيّر بسرعة».

كما ذكّرت السفارة مواطنيها «بضرورة مراجعة إرشادات السفر الحالية للبنان»، لافتةً إلى أنّ «الحكومة اللبنانية لا تستطيع ضمان حماية المواطنين الأميركيين ضدّ اندلاع أعمال العنف والصراع المسلح المفاجئ». وأضافت «على المواطنين الأميركيين في لبنان عدم السفر إلى جنوب لبنان أو منطقة الحدود اللبنانية – السورية أو مستوطنات اللاجئين».

وفي حين طلبت أيرلندا أمس من مواطنيها مغادرة لبنان وإلغاء رحلاتهم إليه نظراً للتوتر المتصاعد على الحدود بين «حزب الله» وإسرائيل، محذرة من «احتمال زيادة التوتر على الحدود ما قد يزيد من صعوبة مغادرة لبنان»، وداعية كافة رعاياها للمغادرة على متن الرحلات المستمرة حالياً، ساد لغط حول طلب السفارة الروسية في بيروت من رعاياها الامتناع عن السفر إلى لبنان حتى تهدأ الأوضاع في جنوب البلاد.

وقال السفير الروسي الكسندر روداكوف «لم نصدر بياناً جديداً ندعو فيه الرعايا إلى مغادرة لبنان، بل هي نسخة قديمة موجودة من العام الماضي ومازالت مستمرة حتى اليوم».

وأضاف عبر قناة «الجديد»، «نقول لمواطنينا أن لا يأتوا إلى لبنان قبل هدوء الساحة الجنوبية، وإلى الرعايا الموجودين تركْنا لهم الخيار بالبقاء أو المغادرة».

في موازاة ذلك، استمرّ الحِراك في اتجاه لبنان على مستوييْن:

– الأول عبر محادثات كل من أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في بيروت.

وكان بارزاً في اليوم الثاني من زيارة زكي اللقاء اللافت الذي جَمَعه برئيس كتلة نواب«حزب الله»محمد رعد، والذي توقّفت عنده وسائل إعلام لبنانية باعتبار أن الجامعة العربية كانت قد صنّفت في العام 2016 “حزب الله” كـ«منظمة إرهابية».

وأوضح زكي أن الاجتماع مع رعد «هو أول تواصل ولقاء منذ أعوام، فالأمانة العامة للجامعة العربية تعمل التزاماً بقرارات الجامعة، وكانت هناك بعض الصعوبات في الماضي».

ولفت الى أن اللقاء تناول «الحرب على الجنوب، وموقف الجامعة واضحٌ وعبّرتُ عنه بالأمس ونأمل ألا يكون هناك توسعة لنطاق الحرب، وقد استمعنا إلى رؤية واضحة لحزب الله في هذه النقطة»، مشيراً إلى «أننا تناولنا أيضاً ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية»، ومؤكداً ألا علاقة لتحركه بحركة الموفدين الأجانب، وأنه لم ينقل أي رسالة من أي طرف لـ «حزب الله».

– والثاني عبر لبنان الرسمي حيث تلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اتصالاً من وزير خارجية النمسا ألكسندر شالنبرغ تم خلاله البحث في الوضع في جنوب لبنان والمنطقة، والاتصالات الدولية الهادفة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية.

وكان ميقاتي اتصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيث بحثا في الأوضاع في لبنان والمنطقة.

وقد شكر ميقاتي لأردوغان موقفه الأخير الذي أكد فيه «أن تركيا تقف إلى جانب لبنان، وتدعو دول المنطقة إلى دعمه».

وفي إطار متصل أجرى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب في بروكسيل مباحثات مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، في إطار جولة تأتي في سياق متابعة مساعي لبنان لخفض التصعيد وتجنّب حرب واسعة في الجنوب تنذر بحرب إقليمية مفتوحة.

وقد دعا بوريل، بوحبيب إلى غداء عمل تم خلاله التطرق إلى الوضع في لبنان والمنطقة والنظر في إمكان قيام الاتحاد الأوروبي بالمساهمة في تخفيف التصعيد والتوتر في جنوب لبنان.

واستتبع ذلك لقاء عقده وزير الخارجية في مقر الاتحاد الأوروبي مع سفراء الاتحاد للدول الـ 27 في اللجنة السياسية والأمنية، وتم التداول في الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة وسبل دعم لبنان والجيش كما والمبادرات الديبلوماسية القائمة ضمن إطار الحلّ السياسي وخفض التصعيد.

وعلى وقع هذه الدينامية، بقي الميدان على سخونةٍ عبّر عنها استعادة اسرائيل«اغتيالات الدراجات النارية»حيث استهدفت مسيّرةٌ أحد عناصر«حزب الله»(علي أحمد علاء الدين) في بلدة سحمر في البقاع الغربي، وذلك غداة غارة قبيل منتصف ليل الاربعاء – الخميس على مبنى مؤلف من طبقتين في حيّ المشاع السكني في مدينة النبطية ما أدى إلى إصابة نحو 20 مواطناً بجروح متوسطة وطفيفة ودمار كبير في عشرات المنازل والمباني السكنية المجاورة، فضلاً عن تحطم نوافذ المنازل في الحيّ المستهدف والاحياء المجاورة له. كما تسبب عصف الغارة بأضرار كبيرة بعشرات السيارات التي كانت مركونة على جانبي الطريق وأمام المباني.

وردّ «حزب الله» أمس بهجوم جوي بمسيّرات انقضاضية«على موقع الناقورة البحري، استهدف أماكن تموضع واستقرار ضباط وجنود الجيش الاسرائيلي وأصابهم إصابة مباشرة، ما أدى إلى اشتعال النيران في الموقع وسقوط من بداخله بين قتيل وجريح».