IMLebanon

رسائل مطمئنة للبنان تستبعد الحرب

كتب منير الربيع في “المدن”:

تفسيرات كثيرة ومتناقضة يجري التداول بها حول وضع الجبهة المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل. لم يشهد العصر الحديث مثل حالة التردد القائمة على مستوى سياسات الغرب. ولم تشهد العلاقات الأميركية الإسرائيلية مثل هذه الوضعية من الخلافات في التوجهات، بحال التسليم بما هو معلن، حيث يظهر التباين الأميركي الإسرائيلي في مجالات واستحقاقات عديدة، أبرزها ما يعلنه الأميركيون حول تأييد حل الدولتين مقابل رفض الإسرائيليين له. اعتراض الأميركيين على توسيع الحرب وعلى الآلية العسكرية المعتمدة إسرائيلياً في غزة، مقابل إجهاض اليمين الإسرائيلي لكل الصفقات أو محاولات وقف إطلاق النار.

يستسهل البعض في وصف ما يجري إسرائيلياً وغربياً، بأنها معركة من الوهم والوهن. في إشارة إلى الأوهام الإسرائيلية عن القدرة على تحقيق أهدافهم المعلنة للحرب، والتي طرحت في الأيام الأولى ما بعد عملية طوفان الأقصى، حول شن حرب عسكرية واسعة لتدمير حركة حماس وإنهائها، وإطلاق سراح الرهائن وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

يتبين حتى الآن حجم التوهم الإسرائيلي، خصوصاً في ظل الصراعات الإسرائيلية الداخلية والخلافات مع الغرب. وذلك ينسحب على وضع الجبهة اللبنانية أيضاً. توهمت إسرائيل في المرحلة الأولى للحرب بإمكانية إعادة رسم خرائط جديدة في المنطقة، وربما توسعها جغرافياً باتجاه القطاع والضفة الغربية، إلا أنها واجهت انقباضاً من الجهة اللبنانية بفعل تهجير سكان المستوطنات الشمالية، وما يتحدث به الإسرائيليون حول نجاح الحزب بخلق منطقة عازلة داخل إسرائيل.

في مقابل الوهم الإسرائيلي، ينجح دوماً المحور المناهض للغرب في إظهار “الوهن” الغربي. حصل ذلك في محطات عديدة، في سوريا ولبنان، وحتى حالياً في أعقاب الحرب على غزة والجبهة اللبنانية المفتوحة كمساندة لغزة.

تاريخياً، كانت تجارب الغرب تشير إلى التردد الكبير في خوض أي حرب أو التحمس لها، وهو ما كان واضحاً في التجربة مع هتلر الذي بدأ توسعاً باتجاه دول أوروبية عديدة وسط صمت غربي، إلى ما بعد غزو بولندا، فانخرطت بريطانيا وفرنسان بينما بقيت الولايات المتحدة الأميركية منكفئة إلى ما بعد عملية بيرل هاربور.

الأمر نفسه تكرر في حروب أخرى، وصولاً إلى دخول فلاديمير بوتين إلى جورجيا، وبعدها ضم القرم، وفيما بعد الدخول إلى أوكرانيا. الأمر نفسه يتكرر في مقاربة الغرب للحرب القائمة والتي يطالب اليمين الإسرائيلي بتوسيعها وسط رفض غربي واضح، فيما تندفع الدول الغربية كلها إلى منع اسرائيل من تصعيد الصراع، وخصوصاً مع حزب الله، لأن ذلك سيقود إلى توسيع الجبهات واندلاع حرب إقليمية.

بالنسبة إلى الغرب فإن أمن الشرق الأوسط، البحر المتوسط والبحر الأحمر، أهم بكثير من تهجير 100 ألف اسرائيلي من مستوطناتهم، والتي يعتبر الأميركيون أنها مشكلة مرحلية يمكن حلها بالوسائل الديبلوماسية، وهذا الأساس الذي يدفع الأميركيين إلى منع الحرب وزيادة الضغوط على اسرائيل لمنعها من توسيع هذه الحرب. وهذا ما يعمل عليه الأميركيون في مساراتهم السياسية والديبلوماسية من خلال استمرار التفاوض مع لبنان والضغط على إسرائيل لمنعها من توسيع الحرب.

الاعتبار الآخر والأهم، هو البحث عن كيفية إبطاء الإندفاعة النووية الإيرانية والتي لا يزال الغرب يراهن على الجانب السياسي والديبلوماسي، ما يعني إبقاء حظوظ التفاهم مع إيران بدلاً من التصادم، ودفع طهران للتصلب وإلى صناعة قنبلة نووية. التعامل مع هذا الملف هو نفسه التعامل مع الجبهة اللبنانية، أي عدم استعجال انتهاء الفرص الديبلوماسية للتسوية. هذه “العقلانية” الغربية، يراهن عليها الأوروبيون أولاً والجناح البراغماتي الإيراني وحزب الله نفسه، قبل نهاية ولاية بايدن. سلوك تجنّب الحرب الذي ينتهجه بايدن يمكن أن لا يستمر في حال انتخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. فرغبات اليمين الإسرائيلي ونتنياهو بالتحديد غير العقلانية في ضرب إيران أو توسيع الحرب على حزب الله قبل أي اتفاق، هو ما ترفضه إدارة بايدن ويرفضه الأوروبيون أيضاً.

في هذا السياق، يرتفع منسوب التهديدات الإسرائيلية كجزء من صناعة “الوهم” الحربي والتهويلي ضد لبنان، فيما يشارك الأميركيون والأوروبيون بالمعنى النظري والعلني في هذه الحرب، من خلال نقل رسائل التهديد للبنان.

ولكن في موازاتها تبرز رسائل أخرى من خلال المفاوضات غير العلنية، حول الطمأنة بعدم وجود أي قرار في توسيع الحرب.

في هذا السياق أيضاً، وعلى الرغم من كمّ التحذيرات الكبير الذي يصل إلى لبنان، فإن الاتصالات السياسية تشير إلى عناصر طمأنة، سواء من وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، التي نقلت رسالة تخوّف على الوضع، ولكنها في المقابل مررت موقفاً واضحاً بأن لا قرار بالحرب الإسرائيلية على لبنان ولا جهوزية لدى الإسرائيليين لذلك. بالإضافة إلى اتصال أجري من قبل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بالمعنيين اللبنانيين، لإبلاغهم بعد لقائه بوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بنجاح المساعي الأميركية لضبط المسار الإسرائيلي ومنع تل أبيب من شن حرب على لبنان، مع تحذير من مخاطرها، وإمكانية توسعها وتحولها إلى حرب إقليمية، ومع التأكيد على أن البحث يتركز على كيفية إيجاد صيغة لخفض التصعيد، بانتظار إعلانإسرائيل وقف عملياتها البرية في غزة والانتقال إلى المرحلة الثالثة.