IMLebanon

مخاوف جدية… ولبنان الرسمي مربَك

كتب طوني جبران في “المركزية”:

بالتزامن مع أجواء العدوان على لبنان التي أوحت بها مجموعة السيناريوهات السلبية المتداولة على اكثر من مستوى، وما تسببت به بيانات التحذير من حرب واسعة، ومعها الكشف عن البرامج الاستباقية التي اتخذت لإجلاء الرعايا العرب والأجانب من لبنان، تعززت المخاوف من أي خطوة قد يقدم عليها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في اطار ما هو متوقع من نية بتوسيع الحرب. وهي وسيلة قيل انها معتمدة من أجل تأجيل موعد محاكمته بتهم الفساد، عدا عن “النية المبيتة” باحراج الادارة الاميركية واستدراجها الى حرب من ضمن المواجهة المفتوحة بينه والرئيس الأميركي جو بايدن بهدف وضعه في مأزق بما يؤدي الى تقدم منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب مع دخول الولايات المتحدة الاميركية مدار الانتخابات الرئاسية. وقد يكون ذلك ممكنا بعد اولى المناظرات التلفزيونية التي اعطت ترامب بما يفيض على بايدن من الأصوات بانتظار المناظرة الثانية بعد ان يكون الحزبان عقدا مؤتمرهما الاخير في آب المقبل لاختيار المرشح الذي سيخوض السباق الى البيت الابيض.

على هذه الخلفيات، توسعت دائرة التوقعات في تحديد ساعة الصفر لأي عملية عسكرية واسعة، بعدما اعلن كل من الجانبين الاسرائيلي من جهة و”حزب الله” من جهة أخرى استعداداتهما لكل الأشكال المتوقعة من العمليات العسكرية في أجواء من التحدي غير المسبوقة. ولذلك قدم كل منهما عروضا برية وجوية وبحرية تحاكي أي نوع من المواجهات المحتملة ان سقطت المحاولات الجارية لتغليب الحلول السياسية والديبلوماسية على الخيارات العسكرية على الرغم من مجموعة المبادرات الهادفة إلى الاحتفاظ بالستاتيكو القائم ومنع الانزلاق إلى ما يؤدي الى ما هو أسوا على مستوى المنطقة.

عند هذه المؤشرات، تقف مصادر ديبلوماسية وسياسية لبنانية في قراءتها عبر “المركزية” عند تقديرها للموقف اللبناني الرسمي، فتحدثت عن منحى سلبي ومربك قد تعيشه السلطات والمؤسسات الرسمية وخصوصا على المستوى الحكومي. ذلك ان رئيس مجلس النواب نبيه بري منخرط منذ البداية في لعبة “الثنائي الشيعي” التي قالت بالربط القائم بين أحداث غزة وكل ما يجري في لبنان وان الحديث عن محاولات قام بها للفصل بين ما بينهما لم تكن سوى خطوات سياسية دعائية في الوقت الضائع للتغطية على مسلسل الشروط التي وضعها هذا الثنائي بما ادى الى كربجة كل المساعي الداخلية للنفاذ بانتخاب الرئيس في هذه المرحلة، قبل ان ينشغل العالم بانتظار اللحظة لفرض مرشحه وتطويع المحايدين والعالم بعدما نجحت التجارب السابقة بعد تجربة مجموعة “التسويات السياسية” التي أجريت عام 2016.

وقالت هذه المصادر ان، وفي ظل تأجيل البحث بكل ما يتصل بالإنتخابات الرئاسية إلى اجل غير محدد، تقدمت الخيارات العسكرية والامنية على السياسية على وقع التهديدات الاسرائيلية بتجاوز مختلف الضغوط الدولية لتوسيع الحرب في المنطقة أيا كان الثمن وخصوصا ان المسؤولين اللبنانيين لم يتمكنوا من تقديم اي تعهد بالتهدئة لدى الموفدين الدوليين، طالما ان القرار بكل اوجهه ملك لقيادة حزب الله وهم من المتلقين كما باقي اللبنانيين والوسطاء الاجانب. ولم ولن يكون لهم أي رأي في مجرى العمليات العسكرية، فيما المطلوب منهم تجنيب لبنان الحرب وضمان التواصل مع العالمين العربي والغربي لجمع الضمانات من دول وانظمة تعتبر “حزب الله” منظمة ارهابية ويدركون أنه لا حول ولا قوة لرئيس الحكومة او اي من الوزراء المعنيين بكل ما يجري، كما ان السياسة الخارجية لا يمكنها ان تدافع بنجاح عن قرارات لم يكن لها أي دور في صنعها لتقدير النتائج المترتبة عليها .

وإن دخلت هذه المصادر في التفاصيل، يمكن الاشارة الى حجم وحال الغضب التي سادت الأوساط والمراجع الرسمية ولا سيما منها الحكومية والديبلوماسية. فالى جانب اعلان رئيس الحكومة امام الموفد البابوي الكاردينال بيترو بارولين عن النية بتجنيب لبنان الحرب، وهو يدرك ان القرار ليس بيده، ولا يقدم ولا يؤخر في أي عمل عسكري، منذ اللحظة الاولى لاندلاع الحرب في 8 تشرين الأول العام الماضي، وان عليه ان يدافع عن قرار لم يتخذه. كما ترجم هذا الجو الغاضب عينه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب وهو يحصي البيانات التي صدرت عن العواصم الأوروبية والغربية وعن نظرائه العرب والخليجيين بدعوة مواطنيهم الى مغادرة لبنان والنصح بعدم التوجه اليه من دون ان يتضمن اي بيان موقفا متضامنا مع لبنان.

وكشفت هذه المصادر، بما لا يبوح به الوزير بو حبيب علنا وبصراحة لا تسمح بها اللغة الديبلوماسية، عن غضبه من مجموعة المواقف العربية في شكلها ومضمونها وعبر عن موقفه بصوت – خال من اللغة الديبلوماسية المعهودة – في الاتصالات التي تلقاها والتي اجراها من ومع نظراء له، وخصوصا ممن اكتفوا بدعوة مواطنيهم الى مغادرة لبنان ولم يسجل أي منهم موقفا متضامنا مع لبنان فاضطروا الى التراجع عن مواقفهم واصدار بعضهم بيانات توضيحية اتسمت بادانة للتهديدات الاسرائيلية بعدما قصدوا عدم اتخاذ أي موقف يمكن ان يردع العدو، تاركين للبنانيين مواجهة الوضع على ما هو عليه من دون اي سند. والاخطر ان كانوا يؤيدون بعض الضربات التي تستهدف “حزب الله” طالما انه بالنسبة اليهم من “الاذرع الايرانية” في لبنان والمنطقة.

وبناء على ما تقدم، ترجح المصادر الديبلوماسية ان يكون “لبنان الرسمي” وحيدا في أي مواجهة عسكرية ناتجة عن عدوان اسرائيلي كبير لا تقف نتائجه على ما يجري حتى اليوم من ضمن ما سمي بـ “قواعد الاشتباك” ومحصورا باستهداف قيادات “حزب الله” ومنشآته في كل لبنان، وملاحقة عناصره متجنبين المس بالمناطق المدنية العامة والمواقع العسكرية للجيش اللبناني ليتحول كل لبنان هدفا لها.