IMLebanon

هل هناك سيناريو لـ”حرب ذكية” تُوَسِّع المعركة؟

جاء في “الراي الكويتية”:

على الرغم من التصريحات «المخفوضة التصعيد» الصادرة عن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، فإن قيادة «حزب الله» لا تستطيع إلا العمل على فرضيات عدة، منها أن تل أبيب، التي لن تذهب في عهد الرئيس جو بايدن إلى حرب مفتوحة مع لبنان قد تُحْدِثَ دماراً شاملاً في إسرائيل مع احتمال جرّ أطراف عدة نحو حرب شاملة، يمكن أن تجنحَ نحو حرب ذكية عسكرية موسّعة ومحدودة، وإن كان أيّ شَكْلٍ من الحروب التي تُراوِدُ ذِهْنَ القادة الإسرائيليين يبقى محفوفاً بالمخاطر بسبب عدم سيطرة تل أبيب على إيقاعها وتَمَدُّدها واحتوائها.

أحد الفرضيات المحتملة قيام إسرائيل بعملية عسكرية واسعة تَستخدم فيها الطائرات والمدفعية بعيدة المدى والصواريخ المجنّحة. وتهدف مثل هذه العملية الافتراضية إلى ضرب آلاف الأهداف العسكرية التابعة للبنية التحتية لـ «حزب الله» ومعسكرات وأماكن تخزين أسلحة والصناعة الحربية ومقرات عدة ومنازل مسؤولين وقوات خاصة منتشرة على كافة الأراضي اللبنانية.

وفي هكذا عملية افتراضية، تستطيع إسرائيل تحييد المدنيين والذهاب إلى معركة واسعة في الجغرافيا من دون المساس بالبنية التحتية اللبنانية لاعتقادها أن «حزب الله» سيفعل الشيء عيْنه ولن يضرب أهدافاً مدنية أو منشآت غير عسكرية.

وتستطيع إسرائيل اتخاذ القرار بدايةً بشنّ «حرب ذكية» تقدّمها لمستوطني الشمال وتعيد من خلالها جزءاً من هيبتها وردعها ليقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه فعل ما في وسعه لفرض اتفاق على حزب الله بعد قتْل بضعة مئات أو آلاف من أفراده وانه دمّر جزءاً مهماً من قدرات الحزب العسكرية ليطلب بعدها الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ومن الممكن جداً أن يذهب نتنياهو للحرب حتى ولو كان ذلك ضدّ رغبة أميركا. فهو يستطيع ان يتبع عقيدة الجيش الإسرائيلي وقادته في المعركة ليسير في المقدّمة ويقول لواشنطن «اتبعيني».

ومهما تعالتْ صيحاتُ الولايات المتحدة وتحذيراتها بالطلب من إسرائيل عدم الذهاب إلى حرب مع لبنان فإن إدارة بايدن لن تجد مفراً من اللحاق بالخطة الإسرائيلية المفروضة – اذا اعتُمدت – لأن وجود أساطيلها وقواتها العسكرية يعطي بعض الاطمئنان لتل أبيب إلى أن مشاركة أي طرف من محور المقاومة سيجابهه التدخل الأميركي العلني والمباشر – حتى ولو أثبت هذا التدخل هشاشته أمام اليمن والعراق – إذا اندلعت حرب كبرى.

إلا أن ما يتمناه نتنياهو من الممكن أن ينقلب ضده.

فمن المحتمل ألّا يحقق أياً من أهدافه، هذا إذا أعلن عن أي هدف عدا عن «أمن الشمال»، لأن «حزب الله» لن ينسحب أبداً إلى حدود الثمانية كيلومترات عن الحدود اللبنانية – والتي من الناحية الصاروخية ومداها لا تغيّر في المعادلة شيئاً – سواء بضغطٍ سياسي أو عسكري وستبقى قواته الخاصة في مواقعها لأنها جزء من سكان الجنوب والبقاع.

ولن تستطيع إسرائيل فرْض الإيقاع في أي حربٍ لأن «حزب الله» يستطيع أن يلتزم بضرب أهداف عسكرية فقط ما دامت إسرائيل ملتزمة بذلك وتبتعد عن ضرب مواقع غير عسكرية بحت من دون الذهاب نحو تبريرات وتفسيرات لن تقبل بها المقاومة. وهذا من شأنه تدمير روحية الجيش الإسرائيلي وتهشيم صورته المتضرّرة أصلاً من حرب غزة.

ولن تتغيّر قدرات «حزب الله» في شكل عام في حال اعتُمدت هذه الحرب الافتراضية، بل تستطيع المقاومة ضرْب وإيلام إسرائيل بقدراتها العسكرية أينما وُجدت حتى ولو طوّرت تل أبيب أخيراً القدرات الاعتراضية لصواريخها الدفاعية. فقدرات الحزب تسمح له بإغراق القبة الحديدية والاعتماد على المسيَّرات الانقضاضية وصواريخ ثقيلة مدمّرة تُطلق من أي مكان في لبنان ومن الحدود مع سورية، بما يُفْسِدُ على نتنياهو خطته ويحول دون الالتزام برغبته بوقف الحرب حين يريد.

ومن المهم للحزب إطلاق بين 400 إلى 500 صاروخ قصير ومتوسط وبعيد المدى ومسيّرات يومياً وليس أكثر، ليحافظ على مستوى يوميّ لا يتغيّر ولا ينقص. فالتوقّعات المتعددة بأن «حزب الله» سيطلق 3000 إلى 5000 صاروخ يومياً هي من نسج الخيال لأن ذلك من شأنه إفراغ مستودعات وصناعات «حزب الله» بمدة لا تقلّ عن 50 إلى 200 يوم، إذا امتلك الحزب من 200.000 إلى مليون صاروخ ومسيّرة.

علماً أنه لا يحتاج لاستخدام هذا العدد الكبير من الصواريخ حتى ولو أفرغت إسرائيل 15.000 صاروخ موجّه أو أرض – أرض في مدة شهر كأقصى مدى لحربٍ مكثفة وموسّعة وليس شاملة، كما هو مفترَض، إذا كانت هذه النظرية الافتراضية قابلة للتنفيذ.

وتَعتمد المقاومة على احتمال استمرار الحرب لنحو سنة إذا تحولت إلى شاملة. وتالياً، فهي لا تستطيع إفراغ مخازنها من الصواريخ والمسيَّرات كما يروّج البعض.

وقد صرح نتنياهو بأن «التوصل لاتفاق مع حزب الله ممكن إذا توصلت إسرائيل إلى اتفاق يسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم».

ومن المعروف أن «حزب الله» لن يقبل بأي اتفاق حتى تتوقف الحرب على غزة كاملة وانسحاب جيش الاحتلال. ومن هنا فإن أي اتفاق ديبلوماسي أو تفاوضي غير مطروح ما دامت الحرب على غزة مستمرة.

وقال وزير الدفاع يوآف غالانت إن «إسرائيل لا تبحث عن حرب في الشمال، وإذا اختار العدو (حزب الله) التوجه نحو تسوية فسنتعامل بجدية مع هذا الطرح».

وصرح مراقب الدولة بأن «إسرائيل غير مستعدة لاستيعاب المزيد (من المهجرين) ممن سيُخْلون الشمال، ولن تكون هناك أماكن، والجيش غير جاهز لحرب طويلة في الشمال».

إذاً، لا حرب شاملة تدفع أكثر من مليون مهجّر إسرائيلي إذا وصلت الحرب إلى حيفا، أو مليونين إذا وصلت إلى تل أبيب، بحسب توسع الحرب وحدودها.

وتالياً فإن حرباً ذكية بحدودٍ موسعة وعسكرية محض هي إحدى الفرضيات المطروحة على طاولة الاحتمالات التي تدرسها المقاومة وتتعامل معها كاحتمال جدي.

وفي هذه الأثناء، تطور المقاومة قدراتها وخبراتها واستخلاص العبر والتحضّر لأصعب الاحتمالات وأطولها مدة وأقساها، وخصوصاً إذا استطاع نتنياهو البقاء في الحُكْم إلى حين وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض – إذا نجح في ذلك – وإطلاق يد إسرائيل في مواجهة شاملة تتطوّر فيها الحرب وتتدحرج إلى مستوى خطر يصعب تَوَقُّع نتائجه.