كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الاوسط”:
بعد أكثر من أسبوع على رفع سقف تهديدات المسؤولين الإسرائيليين، يسجّل في الأيام الأخيرة تراجع لافت في مستوى المواقف الإسرائيلية مترافقة مع تبدّل في دينامية المعركة التي باتت تتركّز بشكل أساسي على قصف متقطع وعمليات اغتيال تستهدف عناصر وقياديين لـ«حزب الله» بين يوم وآخر، ما يستدعي رداً من «حزب الله»، وكان آخر هذه العمليات اغتيال، الأربعاء، القيادي محمد نعمة ناصر.
ويأتي ذلك في موازاة حماوة الانتخابات الرئاسية في إيران وأميركا، والتحرك الدبلوماسي الدولي الذي كان آخره اجتماع الموفد الأميركي آموس هوكستين مع مسؤولين فرنسيين بينهم الموفد الفرنسي الخاص جان – إيف لودريان لبحث نزع فتيل التصعيد على الحدود اللبنانية، وذلك بعد ساعات على اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شدّد خلاله على «الضرورة المطلقة لمنع اشتعال» الوضع بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان.
وكانت قد وصلت التهديدات الإسرائيلية إلى درجة التهديد بتدمير لبنان وإعادته إلى العصر الحجري، وقد أحصت «الدولية للمعلومات» 178 تهديداً، بدءاً من 7 أكتوبر (تشرين الأول) إلى منتصف يونيو (حزيران)، أطلقها 6 من كبار المسؤولين الإسرائيليين (نتنياهو، وبني غانتز، وغالانت، وهاليفي، وبن غفير، وسموتريش)، وتراوحت عبارات التهديد من: «سنعيد لبنان إلى العصر الحجري»، و«سنقضي على (حزب الله)» إلى «سنجعل بيروت كغزة».
لكن يسجل في الأيام الأخيرة تراجع كبير في سقف التهديدات، وهي إن صدرت تصدر دائماً مرفقة بالتعويل على الحل السياسي وتأكيد المسؤولين الإسرائيليين بأنهم يفضلون المفاوضات، وهو ما أشار إليه الأربعاء بشكل واضح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالقول: «نفضل التوصل لاتفاق عبر التفاوض، لكن إذا تطلب الأمر فنحن نعرف كيف نقاتل»، مؤكداً: «سنبلغ حالة الجاهزية التامة لأي تحرك مطلوب في لبنان».
ورأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «العدو دخل مرحلة التراجع في التصريحات وفي الميدان، وبدأ يتحدث عن عجزه عن إعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم إلا بحل سياسي، ولا حل سياسياً إلا بإيقاف الحرب على غزة».
ويربط العميد المتقاعد الخبير العسكري خليل الحلو، بين هذا التراجع والوقائع الميدانية والعسكرية، إضافة إلى السياسية المرتبطة برفض الولايات المتحدة للتصعيد، وما يعرف بـ«تعب الحرب» الذي ينسحب على كل الأطراف المشاركة بها.
ويقول الحلو لـ«الشرق الأوسط»: «الموانع لتوسيع الحرب هي أولاً أميركية، حيث تمارس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً كبيرة لعدم القيام بعمل في لبنان، لا سيما في مرحلة التفاوض مع إيران، ولا تريد الدخول في مواجهة معها». أما المانع الثاني للحرب، فهو، وفق الحلو، التعب الناتج عن الحرب في صفوف القيادات والعسكريين واللوجيستيين في إسرائيل، حيث استهلكت طاقات كل الأطراف، من أميركا إلى إسرائيل وحركة «حماس» و«حزب الله»، وهو ما يجعل الاختلاف بين العسكريين الذين يحتاجون إلى فترة استراحة وبين السياسيين في إسرائيل الذين يرفعون سقف التهديدات.
ويلفت الحلو إلى الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الكونغرس الأميركي في 24 الشهر الحالي، «بحيث لا يمكن أن يقوم بهذه الزيارة، ويكون قد اتخذ قرار توسع الحرب، في حين أن نصف الكونغرس ضدّ هذا القرار». أما السبب الرابع، بحسب الحلو، فهو أن الوقت لم يعد ضاغطاً بالنسبة إلى إسرائيل مع بوادر احتمال فوز دونالد الذي يفضّل نتنياهو خوض الحرب في مرحلة رئاسته، وهو ما من شأنه أن يشكّل فرصة للاستراحة والهدنة بالنسبة إلى جميع الأطراف، وقد يتّخذ بعد فترة قرار العودة إلى الحرب.
بدوره، يعزو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، عماد سلامة، تراجع التصعيد وارتفاع وتيرة الوساطة للتهدئة على الحدود إلى عوامل أساسية عدة.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح واضحاً أن جميع الأطراف في مأزق، حيث أدرك الجميع أن الحسم العسكري وتحقيق انتصار كاسح غير ممكن لدى أي من الأطراف، وبالتالي هذا الوضع يحتم على طرفي النزاع، وخاصة الإيراني والإسرائيلي، البحث عن ترتيبات أمنية وضمانات سياسية لمنع الانزلاق إلى حرب واسعة غير مضمونة النتائج، كما أن الفهم المشترك بأن أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى عواقب وخيمة وغير محسوبة يشجع الأطراف على البحث عن سبل للتخفيف من حدة الصراع».
أما السبب الثاني، بحسب سلامة، فهو أن «هناك حالة من الترقب بين الطرفين بسبب الانتخابات المبكرة في إيران، مما يجعل الحكومة الإيرانية في موقف حذر تسعى من خلاله إلى تجنب التصعيد الذي قد يؤثر سلباً على نتائج الانتخابات. وبالمثل، الولايات المتحدة، الداعم الأساسي لإسرائيل، تستعد لدخول انتخابات مصيرية، مما يدفع الأطراف إلى تهدئة الوضع ريثما تتضح الخريطة السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي»، مضيفاً: «الأطراف تفضل عدم المخاطرة في هذه المرحلة الحساسة، انتظاراً لمعرفة التوجهات السياسية القادمة وتأثيراتها المحتملة على النزاع».
من هنا يرى سلامة أن «تلك العوامل مجتمعة تدفع الأطراف المعنية إلى زيادة وتيرة الوساطة والبحث عن حلول دبلوماسية للتهدئة على الحدود اللبنانية، حفاظاً على الاستقرار النسبي، وتجنباً للتصعيد غير المحسوب في ظل ظروف سياسية مضطربة».